خطبة عن (من أخلاق المسلم: الشورى)
يوليو 21, 2018خطبة عن قوله تعالى (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
يوليو 21, 2018الخطبة الأولى ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (38) ،(39) الرعد
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع قوله تعالى 🙁يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (39) الرعد، وبداية جاء في أسباب نزول هذه الآية : قال مجاهد: قالت كفار قريش لما نزلت : {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد:38]، قالوا : ما نرى محمداً يملك شيئاً وقد فرغ من الأمر، فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم: إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونحدث في كل رمضان، فيمحو ما يشاء ،ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما يعطيهم وما يقسم لهم. وللعلماء والمفسرين أقوال متعددة في المقصود بهذه الآية الكريمة ، وأذكر لكم منها : قال سعيد بن جبير ، وقتادة : يمحو الله ما يشاء من الشرائع ، والفرائض فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه . والدليل على وجاهة ما قالوا به : أن سياق الآية يتحدث عن الرسل السابقين وشرائعهم ، والله سبحانه وتعالى يمحو من شرائع وأحكام من سبقنا بالنسخ فيرفعه ،ويثبت ما يشاء إثباته لهذه الأمة الاسلامية ، فكانت في شرائعهم أشياء محرمة ، فأصبحت حلالا في شريعتنا ، وهناك أشياء كانت عندهم مباحة ، فأصبحت محرمة في شريعة الاسلام ، وهكذا (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ )، بأن يقره ويثبته ويمضي حكمه ، أو ينسخه ويمحوه، وكل ذلك بحسب المصالح التابعة لكل زمن، فإنه سبحانه وتعالى العالم بكل شيء، وهو الفعال لما يريد ، ولا راد لحكمه ، ولا اعتراض عليه، وقال ابن عباس : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) إلا الرزق ،والأجل ،والسعادة، والشقاوة . وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِىَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. فَأَتَى رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ وَكَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ. قَالَ يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِى رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ. فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ رِزْقُهُ. فَيَقْضِى رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلاَ يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلاَ يَنْقُصُ ». وعن عمر ، وابن مسعود – رضي الله عنهما – أنهما قالا : يمحو السعادة ، والشقاوة أيضا ، ويمحو الرزق والأجل ، ويثبت ما يشاء . وروى الطبراني (عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:” اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي أَهْلِ الشَّقَاءِ فَامْحُنِي، وَاثْبِتْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ”. وفي الابانة الكبرى أن (أبا عثمان النهدي ، قال : سمعت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه وهو يطوف بالكعبة وهو يقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الذنب والغضب في الشقاء ، فامحني وأثبتني في أهل السعادة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب) . وقيل : أن معنى الآية 🙁يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، وقال الحسن : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) : أي من جاء أجله يذهب به ، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله . وعن سعيد بن جبير قال : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) : أي من ذنوب العباد فيغفرها ،ويثبت ما يشاء فلا يغفرها . وقال عكرمة : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) : أي من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى : (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ( الفرقان 70 ) ، وقال الربيع : هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم ، فمن أراد موته محاه فأمسكه ،ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ، وبيانه قوله عز وجل : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر (42) (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) أي : أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير . وقال ابن قتيبة : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ) أي ينسخ من القرآن ما يشاء ، (ويثبت) أي يدعه ثابتا لا ينسخه وهو المحكم ، وقال الحافظ أبو الفداء بن كثير في تفسيره : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ) ، أي من الكتب المنزلة من السماء من عند الله حيث ،نقل في تفسيره للآية التي قبلها وهي قوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) قول الضحاك بن مزاحم : أي لكل كتاب أجل ، يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ،ومقدار معين فلهذا (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ) منها (ويثبت) يعني حتى نسخت بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه
أيها المسلمون
ولكي نفهم هذه الآية لأبد أن نعرف بعض الأمور كما بينها العلماء : -أن القدر المثبت: أي هو ما في أم الكتاب ( إما اللوح المحفوظ أو في علم الله) فهو لا يتبدل ولا يتغير – وأن القدر المعلق (أو المقيد): وهو ما في كتب الملائكة ، وهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات ، ويقول ابن تيمية” والأجل أجلان : أجل مطلق يعلمه الله ،وأجل مقيد ،وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ».، فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال إن وصل رحمه فزده كذا وكذا والملك لا يعلم أيزداد ام لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر” ، وسئل عن الرزق هل يزيد وينقص؟ فقال” الرزق نوعان ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير، والثاني ما كتبه وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب” ويقول ابن باز” والأظهر أن جميع أنواع القدر كلها موجودة في أم الكتاب فما كان منها معلقا على أسباب وجد عند وجود السبب وما كان غير معلق وقع في وقته لا يتقدم ولا يتأخر والعبد مأمور بفعل الأسباب وأداء الأوامر وترك النواهي وكل ميسر لما خلق له
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذه الآراء والتفسيرات المضيئة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان والمفسرين ، كلها تعرب عن الرأي العام بين المسلمين ،في مجال إمكان تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة ، ومنها الدعاء والسؤال ، وأنه ليس كل تقدير حتميا لا يغير ولا يبدل ، وأن لله سبحانه لوحين : لوح المحو والإثبات ، ولوح ” أم الكتاب ” والذي لا يتطرق التغيير إليه هو الثاني دون الأول ، وأن القول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال الطاعة والمعصية ، قول بالجبر الباطل بالعقل والضرورة ومحكمات الكتاب . وكما أنه سبحانه يداه مبسوطتان ، كذلك العبد مختار في أفعاله لا مسير ، وحر في تصرفاته لا مجبور ، له أن يغير مصيره ومقدره بحسن فعله وجودة عمله ، ويخرج اسمه من الأشقياء ، ويدخله في السعداء ، كما أن له أن يخرج اسمه من السعداء ويدخله في الأشقياء بسوء عمله . فالله سبحانه كما يمحو ويثبت في التكوين ، فيحيي ويميت ، كذلك يمحو مصير العبد ويغيره حسب ما يغير العبد بنفسه ( فعله وعمله ) لقوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد 11، كل ذلك لأجل أن يديه مبسوطتان ، وأن العبد حر مختار ، قادر على تغيير القضاء ، وتبديل القدر ، بحسن فعله أو سوئه ، كما دلت عليه الآيات والروايات . وليس في ذلك أي محذور ولا مخالفة للعقل ولا الكتاب والسنة ، بل تغيير القضاء بحسن الفعل وتغيير القدر بسوئه ، هو أيضا من قدره وقضائه وسننه ،التي لا تبديل لها ولا تغيير ، فالله سبحانه إذا قدر لعبده شيئا وقضى له بأمر ، فهو بعلمه الأزلي بما كان أو سوف يكون من عبده
أيها المسلمون
وقال الإمام ( ابن باز ) في الجمع بين قوله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) ، (39) الرعد وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». رواه الترمذي وصححه ، قال الإمام ( ابن باز ) : لا منافاة بين الحديث وبين الآية الكريمة، فإن الآية فسرها أهل العلم بأن المراد منها الشرائع، (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ) مما شرع، ويثبت ما يشاء سبحانه وتعالى، فينسخ شيئاً ويثبت شيئاً، مما شرع سبحانه وتعالى، وبعضهم فسرها بالحسنات والسيئات، يمحو الله ما يشاء من السيئات بالتوبة وبالحسنات، ويمحو بعض الحسنات بتعاطي ما حرم الله عز وجل مما يزيلها، فالحاصل أنها ليست يراد بها: ما سبق به القدر، فما سبق به القدر لا يمحى، وما استقر في علم الله أنه يقع لا يمحى، بل الأقدار ماضية: (رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ) ،فما قدره الله وسبق في علمه أنه يكون سوف يكون، وما سبق في علمه أنه لا يكون لا يكون، فهو غير داخل في الآية الكريمة، وإنما الآية فيما يتعلق بالشرائع ، والأحكام ، وبالحسنات ،والسيئات ، لا فيما يتعلق بالأقدار، وهذا هو أصح ما قيل في هذه الآية الكريمة.
الدعاء