خطبة عن ( قصة الراهب : دروس وعبر)
نوفمبر 11, 2017خطبة عن اسم الله ( الغَافِرِ. الغَفَّار. الغَفُور)
نوفمبر 11, 2017الخطبة الأولى ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (35) النور ، وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (40) النور
إخوة الإسلام
على مائدة القرآن تنزاح أثقال الهموم ..وعلى مائدة القرآن تغور أنفاس الغموم . يقول الله تعالى :(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت (41) ،(42) ،وعلى مائدة القرآن الكريم نلتقي اليوم إن شاء الله مع قوله تعالى : (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (35) النور ، فمن أقوال العلماء والمفسرين : قالوا: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )، أي : يرشد الله إلى هدايته من يختار ويصطفي من عباده ، فهو يهدي من يشاء إلى نوره بفضله ، ويصرفه عمن يشاء بعدله ، وفي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ » ، نعم جف القلم على علم الله : ( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ) الأنعام125. وينير صدره للحق ، وينور قلبه بالإيمان
إخوة الاسلام
والمتأمل والمتدبر لقول الله عز وجل : (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) ، يتبين له فضل الله تعالى على عباده المؤمنين ، فإذا حل نور الله في قلب المؤمن، واستنار القلب بالإيمان بالله، وبمعرفة الله ، وبمحبة الله ، وبذكر الله، أصبح القلب حيا وينبض بالحياة ، قال الله عز وجل: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) الانعام 122، وقلب المؤمن قلب حي هداه الله للإيمان ، بنور الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وهو ليس كقلب الغافل البعيد عن الحق، الهائم في الظلمات وليس بخارج منها، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ » ،فلولا الله ما تنورت قلوب المؤمنين ، فالله حين يقذف نوره في قلب المؤمن ،يهتدي المؤمن بهدى الله ، ويرى المؤمن ويبصر بنور الله ، فتكون نظرته للأمور قوية وصافية، وتكون نظرته للأمور سديدة وموفقة ، فيرى الحق واضحاً جليا ، ويكون على بينة من أمره ، فلا يشك ولا يرتاب ، وإذا اجتمع للمؤمن نور الفطرة ونور الوحي، – نور على نور – أصبح قلب المؤمن يدرك بالإلهام الإلهي الحق، قال ابن القيم الجوزية : “وهكذا المؤمن مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله ولكن لأمارة له من نفسه، فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه ،وخالطت بشاشته فازداد نورا بالوحي على نوره الذي فطره الله عليه فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة نور على نور ،فيكاد ينطق بالحق وإن لم يسمع فيها أثرا..) الوابل الصيب
أيها المسلمون
وإذا كان الله قد سمَّى الدين والوحي نورا ، فلا بد أن يعرف المسلم ،أن نصيبه من هذا النور، على قدر التزامه بهذا الوحي ، فإذا كان العبد مريداً للحق، مبتغياً له، عاملاً لتحصيله، يجاهد نفسه ،فإن الله سيجعل مدخله من نور ، ومخرجه من نور ، وقوله من نور ، وعمله من نور ، وهكذا، فبنور ( لا إله إلا الله ) التي قامت عليها السماوات والأرض يتنور قلب المؤمن ، ففي سنن ابن ماجة : ( عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ سُعْدَى الْمُرِّيَّةِ قَالَتْ مَرَّ عُمَرُ بِطَلْحَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا لَكَ مُكْتَئِبًا أَسَاءَتْكَ إِمْرَةُ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ لاَ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا أَحَدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلاَّ كَانَتْ نُورًا لِصَحِيفَتِهِ وَإِنَّ جَسَدَهُ وَرُوحَهُ لَيَجِدَانِ لَهَا رَوْحًا عِنْدَ الْمَوْتِ ». فَلَمْ أَسْأَلْهُ حَتَّى تُوُفِّىَ. قَالَ أَنَا أَعْلَمُهَا هِيَ الَّتِي أَرَادَ عَمَّهُ عَلَيْهَا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ شَيْئًا أَنْجَى لَهُ مِنْهَا لأَمَرَهُ ) .
أيها المسلمون
نعم (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )، فنور الإيمان الذي سكن في قلوب المؤمنين ، هو نور متفاوت في الدرجات على قدر تفاوتهم في قربهم من الرحمن، فهذا عبد قد مُلئ قلبه نورا وإيمانا ، وبجانبه من هو أضعف منه نورا وإيمانا ، وهذا النور يقوى حتى يظهر على صفحات الوجه ،حتى إنك ترى بعض الناس وعلى وجوههم إضاءة من نور ، إنه نور الإيمان، ولهذا قال ابن عباس: « إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب».وسأل احد طلبة العلم الامام الحسن البصري: لماذا أهل صلاة الليل أحسن الناس وجوهاً ؟ فقال: خلَوا بالله فألبسهم نوراً من نوره. غير ان هذا النور لا يحصل الا بالمثابرة على الطاعات ، فلا يزال العبد يُنافس في الحسنات ، ويسابق إلى الصالحات ،حتى يقوى نور الإيمان في قلبه، فيظهر عليه في حياته وكذلك عند موته، ونور الله يهتدي به المؤمن في عصر الفتن التي تموج كموج البحر ، يرقق بعضها بعضا ، فبنور الله يبصر المؤمن حقيقة الفتنة ، ويثبت على الحق حتى تنجلي ، فإذا كان المؤمن مستنيراً بنور الله ، يجعل الله له نوراً يمشي به ، ويميز به بين الحق والباطل ، فيهتدي بنور الله ، قال الله تعالى : ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) البقرة257.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )، وفي تلاوة القرآن نور في الدنيا والآخرة ، فهو في الدنيا ينير ظلمات الجهل والشرك والبدعة والضلالة ، وفي الدار الآخرة ينير للمؤمن طريقه إلى الجنة ، قال الله تعالى : ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (12) الحديد ، وقال تعالى : (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (8) التحريم ، وفي معجم الطبراني يقول صلى الله عليه وسلم (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإن ذلك لك نور في السماوات ونور في الأرض ) ، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا شاب المؤمن في طاعة الله ،كان شيبه نوراً له يوم القيامة ، فقد روى الترمذي في سننه أن : (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلاَمِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وفي مسند أحمد : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ رِجَالاً يَنْتِفُونَ الشَّيْبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ شَاءَ فَلْيَنْتِفْ نُورَهُ » ، ويلازم هذا النور المؤمن في قبره كما يلازمه يوم حشره ، ففي صحيح مسلم كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة عندما حضر وفاته (قَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ». وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم (وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ – مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ – نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لاَ يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ) ،وعند المرور على الصراط وفي شدة الظلام يُشرق نور الإيمان لأهله، قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} الحديد:12. فيعبرون على الصراط بهذا النور وينطلقون بكل سرعة نحو الجنان..
أيها المسلمون
فما أحوجنا إلى نور الطاعة والإيمان ، وما أحوجنا إلى النور في يوم الظلمة، يوم تقوم الساعة ويكثر الزحام ، ولذلك جاء في الصحيحين ( وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ، وَفِى بَصَرِى نُورًا ، وَفِى سَمْعِي نُورًا ، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا ، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا ، وَفَوْقِي نُورًا ، وَتَحْتِي نُورًا ، وَأَمَامِي نُورًا ، وَخَلْفِي نُورًا ، وَاجْعَلْ لِي نُورًا » . فإذا نور الله سمع الإنسان ، أصبح لا يسمع إلا ما يحبه الله ،وإذا نور الله بصر الإنسان ، لا يبصر ولا ينظر إلا إلى ما يرضي الله ، وإذا نور قلبه اهتدى إلى الحق ، وإذا نور جوارحه عمل بها بالطاعات ، بما يرضي رب الأرض والسموات
الدعاء