خطبة عن: (التفاؤل والتشاؤم)
يناير 12, 2019خطبة عن: (الفرح المحمود) مختصرة
يناير 12, 2019الخطبة الأولى : عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ عَدْوَى )
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما 🙁عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ » قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ « كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ عَدْوَى ) فالرسول صلى الله عليه وسلم يربي أمته على الاعتقاد الصحيح ، ونبذ الاعتقادات الباطلة ، والخرافات المسيطرة على بعض العقول والافهام ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (لاَ عَدْوَى ) ،والعدوى : هي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح ، ويكون في الأمراض الحسية : أي: ( الأمراض الجسدية ، كالجلدية وغيرها ) ،ويكون أيضا في الأمراض المعنوية (كالأمراض الخلقية، فيعدي صاحب الخلق السيء ، صاحبه ذا الأخلاق الحسنة ) ،وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ عَدْوَى) يشمل الأمراض الحسية والمعنوية ، وإن كانت في الحسية أظهر ، ومتعارف عليها بين الناس ، فبعض الناس يعتقدون أن العدوى والمرض ينتقل بذاته ، ينتقل بنفسه، يعدي بطبعه ، من دون قدر الله ولا مشيئته، وهذا الاعتقاد ، وهذا الفهم بهذه الصورة باطل، لأن الأمور كلها تقع بمشيئة الله وتقديره ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وكانت العرب تعتقد العدوى، ويقولون: إنه إذا خالط المريض الأصحاء؛ أصيبوا بمثل مرضه، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لاَ عَدْوَى » . فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَرَأَيْتَ الإِبِلَ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهِ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ » ، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم « لاَ عَدْوَى » فهو صلى الله عليه وسلم ينفي العدوى التي يعتقدها الجهال ، وأن المرض كالجرب ونحوه يعدي بطبعه ، وكل هذا يخالف عقيدة المؤمن ، والذي يعتقد أن الأمر كله لله ، وبمشيئته وتقديره ، وأنه قادر على أن يمرض هذا ، ولا يمرض ذاك ، ويشفي هذا ، ولا يشفي الآخر ، فهو على كل شيء قدير ، وبكل شيء محيط ، وهو صاحب الأمر من قبل ومن بعد .
وهنا يسأل سائل : هل مخالطة المريض لا تؤثر ؟ فأقول : هذا لم ينفه النبي ﷺ، بل الخلطة قد تؤثر، وقد لا تؤثر ، كل ذلك بحسب مشيئة الله ، وقد ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح بسبب الخلطة بأمر الله وبإذنه جل وعلا ، وفي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » ، والمعنى: لا يورد صاحب إبل مراض (أي بها مرض) على صاحب إبل صحاح؛ من باب تجنب أسباب حصول المرض، وقد روى البخاري في صحيحه أن (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ » ؛ فقوله صلى الله عليه وسلم : (وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ ) فهو يأمر صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك ، وفيه إثبات لتأثير العدوى ، ولكن تأثيرها ليس أمرا حتميا ، بحيث تكون علة فاعلة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار ، وأن لا يورد ممرض على مصح ،من باب تجنب الأسباب ،لا من باب تأثير الأسباب نفسها ؛ فالأسباب لا تؤثر بنفسها ، ولكن : ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء ، لقوله تعالى : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة 195 ،فلا يمكن أن يقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى ؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع ،والأحاديث الواردة في هذا الشأن . ومن المعلوم أن الشيء قد يكون له سبب معلوم ،وقد لا يكون له سبب معلوم ، فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما ؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم ، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب ، ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب ، ثم يرتفع ولا تموت ، وكذلك الطاعون والكوليرا ،فهي أمراض معدية ، وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون، ويسلم آخرون ولا يصابون . فعلى الإنسان أن يعتمد على الله ، ويتوكل عليه ، وفي سنن ابن ماجة وغيره (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ ثُمَّ قَالَ : « كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلاً عَلَى اللَّهِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ عَدْوَى )
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد أمرت الشريعة باجتناب أسباب المرض مع الإيمان بأن الأمور بيد الله ،وأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره، أما اعتقاد البعض بأن العدوى تنتقل حتماً بنفسها وطبعها فهذا باطل، وإنما قال صلى الله عليه وسلم (لاَ عَدْوَى) ، لبيان أن الأمور بيد الله، وليتضح للناس أن المرض لا يعدي بطبعه، وأنه إنما ينتقل بقدر الله، وهذا الحديث يتوافق مع أحدث معطيات الطب في موضوع العدوى، بل كان الاسلام أول من دعا إلى (العزل والحجر الصحي ) ، ففي الصحيحين : يقول صلى الله عليه وسلم : « الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ». وفي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ . فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا . فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ . فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الأَنْصَارَ . فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ . فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ ، إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ » . قَالَ : فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ
الدعاء