خطبة عن (يَنْصُرُ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)
يوليو 22, 2025خطبة عن (اللَّهُمَّ نَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَ)
يوليو 24, 2025الخطبة الأولى (قَدَّرَ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». وفي رواية ابن ماجه: (وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ).
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ): فنحن- (بني آدم) نمرُّ في حياتنا بشتى أنواع الحوادث، فمنها السعيد، الذي نفرح ونُسعد به، ونتمنى أن تطول أيامه، بل ونتمنى أن يدوم، ومنها المحزن، الذي نشعر أنه يُشقينا ويُتعبنا، ونتمنى أن يزول اليوم قبل الغد، علما بأن هذا وذاك هو من قدرنا الذي قدَّره الله تعالى علينا، ففي سنن أبي داود: (قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي»، وفي مسند أحمد وغيره: (عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي. قَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْراً مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَو أَنْفَقْتَ جَبَلَ أُحُدٍ ذَهَباً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَدَخَلْتَ النَّارَ). وفي سنن البيهقي: (عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الإِيمَانِ بِالْقَدَرِ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ).
ولا بد أن نعلم: أن قدر الله تعالى فيه الخير مطلقاً، فلست تدري يا من منعت الذرية ما الذي سيجري لو رزقت أولاداً عاقين أو منحرفين، ولست تدري أيها الفقير لو ملكت المال الوفير ماذا ستصنع به، وكيف ستكون حياتك؟، يقول الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68]، فنحن نرضى بالذي يختاره الله لنا، وصدق ذلك القائل حين قال: “الخيرُ فيما اختار الله تعالى”. فنحن لا ندري أين الخير، فربما كان الابتلاء والشدة خير لنا، ونحن لا نعلم، فقد جعل الله سبحانه وتعالى نجاة يوسف (عليه السلام) من كيد النساء في أن يلبث في السجن بضع سنين.
ولا بد لنا مع كل هذا أن نعلم: أن الله أرحم بنا من أنفسنا، ومن جميع من يُحبنا، فكم نحب أنفسنا؟، فالله يحبنا أكثر، وكم تحب الأم صغيرها؟، فالله يحبه أكثر منها، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – سَبْيٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ». قُلْنَا لاَ وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ. فَقَالَ «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».
أيها المسلمون
(قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ): فهي كلمة عظيمة، تحمل في طياتها معاني الإيمان، والتوكل، والتفويض والتسليم، إن قالها العبد بقلبه، أدرك معنى قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ الحديد:22. وهي تعني: أن نطمئن لقدره في كل ما قضى سبحانه وتعالى، فهو القائل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر:49، وهي تعني: أن نحتسب البلاء، ونرضى ونصبر، لننال الثواب، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (155): (157) البقرة.
(قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ): فهي تعني: أن ننظر إلى الأقدار من خلال علم الله، قال الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة:216، وهي تعني: أن نتبرأ من حولنا وقوتنا، إلى حول الله وقوته، ففي سنن الترمذي: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، وهي تعني: أن ترحم نفسك الضعيفة، فلا تلمها فيما قضى الله به وقدر، بل استعن بالله، ولا تعجز، ففي صحيح مسلم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، فقدر الله وما شاء فعل: ليست اختبارا لقوتنا الذاتية، بل اختبار لقوة استعانتنا بالله سبحانه.
(قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ): فهوِّن على نفسك دومًا بهذه العبارة، فقد بذلت قدر طاقتك، وما شاء ربك أن يكون فقد كان، فارض نفسك، وتيقن برحمة الله، لكي تقوى على التحمل، والمثابرة، ولا تنسى أن لنفسك عليك حقا، فلا تتعجل أبدًا، وهون على نفسك ثقل الأيام، وارح قلبك وعقلك بالرضا، واعلم أنه مهما حدث، سيرضيك الله، ويجبر خاطرك، ليس بالذي تريده فقط، بل بأكثر مما تتوقع، حتى أنك ستتعجب من عوض الله عليك.
أيها المسلمون
(قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ): فمَنْ عَمِل بتلك الوصيَّةِ، وقام بها على وَجْهِها الأكمَلِ، ثمَّ أصابَتْهُ بعْدَ ذلك مُصيبةٌ، فلا يَقُلْ: «لوْ أنِّي فَعَلْتُ كان كذا وكذا»؛ فإنَّ هذا القولَ غيرُ سَديدٍ، ولكنْ ليَقل مُستَسْلِمًا وراضيًا، ومُؤمِّلًا الخَيرَ: «قَدَّر اللهُ»، أي: وَقَعَ ذلكَ بمُقتَضى قَضائِه، وعلى وَفْقِ قَدَرِه، «وما شاءَ فَعَلَ»؛ فإنَّه فعَّالٌ لِما يُريدُ، ولا رادَّ لقَضائِه، ولا مُعقِّبَ لحُكمِه. ومن الملاحظ في الحديث المتقدم: أنه بعْدَ أنْ نَهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قَولِ كلمةِ الشَّرطِ «لَوْ» في مِثلِ هذا المَوضِعِ، نَبَّهَ على أنَّها «تَفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ» مِن مُنازَعةِ القَدَرِ، والتَّأسُّفِ على ما فاتَ؛ لأنَّ فيها الاعتراضَ على القَدَرِ، والتَّحسُّرَ مِن وُقوعِه، كأنْ يقولَ الإنسانُ حِين تَنزِلُ به مُصيبةٌ: (لوْ فَعَل كذا ما أصابه المرَضُ)، فالمسْلمُ مُطالَبٌ بالتَّسليمِ للقَدَرِ، فما أرادَه اللهُ عزَّ وجلَّ واقعٌ لا مَحالةَ؛ إذْ قَضاءُ اللهِ وقَدَرُه لا يَتخلَّفُ، فما دامَ الإنسانُ قدِ اجتهَدَ في العملِ، وأخَذَ بالأسبابِ، مُستعينًا باللهِ، وطلَبَ الخَيرَ منه سُبحانه؛ فلا عليه بعْدَها إلَّا أن يُفَوِّضَ أمْرَه كلَّه للهِ، ولْيَعلَمْ أنَّ اختيارَ اللهِ عزَّ وجلَّ هو الخَيرُ، حتَّى وإنْ كان ظاهِرُ ما وَقَع له مَكروهًا، ولا يَستطيعُ أحدٌ مِن الخَلقِ دَفْعَ قَدَرِ الخالِقِ عزَّ وجلَّ، وتَغييرَه دُونَ إذْنٍ مِنَ اللهِ، وإنِ اجتَمَعَتْ لذلك الدُّنيا بما فيها، فما من شيء إلا وهو كائن بقدر الله تعالى، ومثل هذا الاعتقاد مما يتسلى به المؤمن عند ورود المصائب عليه، فالله تعالى يقول: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) [التوبة:51]، وقال الله -تبارك وتعالى: (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) [آل عمران:153]،
والامام البخاري -رحمه الله- ذكر بابًا في صحيحه: (باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً)، فـ”لو” على مراتب في الاستعمال؛ فمن ذلك ما جاء في الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لَهَا «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ «لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ»، وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ»، وفيه أيضا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ»، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر (لَوْلاَ) في هذه الأحاديث، فماذا تقول؟ القاضي عياض يقول: هذا كلّه في المستقبل، يعني: ليس ذلك مما جاء النَّهي عنه، وإنما هذه أمور مُستقبلية، يقول: لولا كذا لفعلتُ كذا، في المستقبل، مما لم يفعله أصلاً، فهو لا يتحسّر على أمرٍ مضى، ولكنَّه يذكر شيئًا في المستقبل، فهذا لا اعتراضَ فيه على القدر، ولا كراهةَ فيه، بخلاف ما فات؛ فهذا لا يمكن استدراكه، ولا يدخل تحت قُدرته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (قَدَّرَ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فكل ما يقع في الكون فهذه أمور قدَّرها الله -تبارك وتعالى-، فلا داعي لاجترار الغمِّ والحزن والألم، بتحريكه بمثل هذه الكلمات والجُمَل، التي لا يحصل منها على مطلوبٍ، ولا يعود عليه مفقودٌ. ولكن يقول: بلسان المقال، أو بلسان الحال-: (قدر الله). (بالتشديد أو بالتخفيف) أي: أنَّ الله قدَّر هذا الأمر، ووقع بمُقتضى قضائه وقدره، وما شاء الله -تبارك وتعالى- كان، وما لم يشأ لم يكن، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِى أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» مَرَّتَيْنِ)، وفي رواية مسلم: «تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ آدَمُ أَنْتَ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ». فالله تبارك وتعالى يريد منا أن نصبر عندما نُبتلى، أو حين ينزل القضاء بغير ما نشتهي، وعلينا أن نقول: “قدَّر الله وما شاء فعل”، إنه قدر القوي الحكيم الغالب القاهر وليس لأحد الاعتراض أو التذمر منه، فضلاً عن الرفض.
الدعاء