خطبة ( تَعَلَّمُوا أَنْسَابكُمْ، واحذروا أن تتفاخروا بالأنساب) مختصرة
أغسطس 29, 2021خطبة حول قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
أغسطس 31, 2021الخطبة الأولى ( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (72) ،(74) آل عمران
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، واليوم -إن شاء الله- موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (73) ،(74) آل عمران ،ففي هذه الآيات يُخبر الله تعالى عن طائفةٍ خبيثةٍ أرادتِ المكيدةَ للمسلمين، بالتلبيسِ على الضُّعفاء أمرَ دِينهم، فتشاوروا بينهم أنْ يُظهروا الإيمانَ بما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّل النهار، فإذا جاء آخِرُ النهار كفَروا به؛ ليقول الضعفاءُ من النَّاس: لو كان هذا الدِّين حقًّا، ما ارتدَّ عنه مَنْ آمَن به من أهل الكتاب؛ يُريدون بذلك أنْ يَرجِعَ المسلمون عن دِينهم ويَتركوه. كما أخْبَر الله تبارَك وتعالَى عنهم بأنَّهم تواصَوْا فيما بينهم بألَّا يؤمنوا إلَّا لِمَن كان على دِينِهم ومِلَّتهم، ثمَّ أَمَرَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأن يردَّ عليهم بجملةٍ اعتراضيَّة، فقال له: قل لهم- يا محمَّدُ-: إنَّ الهُدَى والتوفيقَ مِن الله؛ فهو المتكفِّلُ بهدايةِ المؤمنين إلى الإيمانِ بما أَنزلَه على نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ثم عادَ السِّياقُ إلى كَلامِ اليَهودِ بَعضِهم لبعضٍ، ووصاياهم فيما بَينَهم؛ إذ قالوا: ولا تُصدِّقوا أنْ يُؤْتَى أحدٌ من البَشر مِثلَ الَّذي أُوتيتُم مِن الكتابِ والحكمةِ والفضائلِ والكراماتِ، أو أنَّ أحدًا يُجادِلُكم عند ربِّكم؛ فأنتُم أصحُّ دِينًا منهم، وأكرمُ عندَ الله، فقال اللهُ لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قلْ لهم- يا محمَّد-: إنَّ التَّوفيقَ والهِدايةَ والإحسانَ يُعطيها اللهُ مَن أراد مِن عِبادِه؛ فهو واسعُ الفضلِ، كثيرُ الإحسان، عليمٌ بمَن هو أهلٌ للإحسانِ؛ فيَهَبه له، ومَن لا يَستحقُّه فيَحْرِمه منه، وهو يَختصُّ برحمتِه مَن يشاءُ مِن عِبادِه؛ فهو صاحبُ الفضلِ الواسعِ الكثيرِ. وجاء في تفسير الطبري ) قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (73) ،(74) آل عمران ، أي : قل إن التوفيق للإيمان والهداية للإسلام ، بيد الله وإليه ، دونكم ودون سائر خلقه ” يؤتيه من يشاء ” من خلقه ، يعني : يعطيه من أراد من عباده ، تكذيبا من الله – عز وجل – لهم في قولهم لتباعهم : ” لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ” . فقال الله – عز وجل – لنبيه – صلى الله عليه وسلم – : قل لهم : ليس ذلك إليكم ، إنما هو إلى الله الذي بيده الأشياء كلها ، وإليه الفضل ، وبيده ، يعطيه من يشاء ” والله واسع عليم ” يعني : والله ذو سعة بفضله على من يشاء أن يتفضل عليه ” عليم ” ذو علم بمن هو منهم للفضل أهل . وفي الوسيط لطنطاوي : قل لهم يا محمد إن هداية الله- تعالى- ملك له وحده، وهو الذي يهبها لمن يشاء من عباده، فهي ليست حكرا على أحد، ولا أمرا مقصورا على قوم دون قوم، وإذا كانت النبوة قد ظلت فترة من الزمان في بنى إسرائيل، فالله- تعالى- قادر على أن يسلبها منهم لأنهم لم يشكروه عليها وأن يجعلها في محمد العربي صلّى الله عليه وسلّم لأنه أهل لها وهو- سبحانه- أعلم حيث يجعل رسالته. ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾، ﴿ ذُو الْفَضْلِ﴾ أي: صاحب الفضل العظيم يعني الواسع الكثير، فلا فضل أعظم من فضل الله عز وجل، وانظر إلى ما أنعم الله به على العباد من أول الدنيا إلى آخرها، وكل ذلك لم ينقص من عند الله شيئًا، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
أيها المسلمون
لقد أدى بزوغ فجر الإسلام إلى حدوث تشنجات ومواقف تعصبية من أهل الكتاب، ومحاولات إضلال المسلمين، ومعارضتهم آيات الله في التوراة والإنجيل، وترك العمل بمقتضاها، وخلط الحق بالباطل، والإيمان ببعض الكتاب أو القرآن والكفر ببعضه الآخر، وخلط كلام الله بكلام البشر المخترع الباطل، وكتمان الحق الصريح الواضح، وهو البشارة بالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم التي هي في الكتب السابقة. وقد سجّل القرآن الكريم هذه المواقف لأهل الكتاب، فقد روي أن معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، دعاهم اليهود إلى دينهم، وترك دين الإسلام، فنزلت الآية التالية: (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) آل عمران: 69) ، وهذا دليل على حبهم العميق لفتنة المسلمين وإضلالهم ، ثم أخبر الله تعالى عن موقف متعصب آخر لليهود، وهو أن طائفة من أحبارهم من يهود خيبر أرادوا خديعة المسلمين، فقال الله تعالى: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (آل عمران 72-74)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التربوية في هذه الآيات القرآنية : أولا : يُستفادُ من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) : أنَّ المسلمَ يَرُدُّ كيدَ أهل الباطل بإعلانه أنَّ الهدى هُدى الله، وأنَّهم مهما حاولوا أنَّ يَصُدُّوه عن دِينه وقد أرادَ اللهُ هدايتَه؛ فإنَّ ذلك لا يَضُرُّه ثانيا : يَنبغي للإنسان أن يُعلِّقَ الرجاء بالله؛ خوفًا وطمعًا؛ لقوله: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) ، ثالثا : أنَّه لا نِهايةَ لمراتب إعزازِ الله وإكرامِه لعِبادِه، وأنَّ قصْرَ إنعامِه وإكرامِه على مراتبَ معيَّنة وعلى أشخاصٍ معيَّنين جَهلٌ بكمالِ اللهِ في القُدرة والحِكمة ،ومن الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف البيانية : أن في إخبارِ الله تعالى عن تواطئهم على إظهارِ الإيمانِ أوَّلَ النَّهار والكفرِ آخرَه كما في قوله تعالى: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأولُ : أنَّ هذه الحيلةَ كانت مَخفيَّةً فيما بينهم، وما أَطْلعوا عليها أحدًا مِن الأجانب، فلمَّا أَخبر الرسولُ عنها كان ذلك إخبارًا عن الغيبِ، فيكون معجزًا. الثاني: أنَّه تعالى لَمَّا أطْلَع المؤمنين على تواطئِهم على هذه الحيلةِ لم يَحصُلْ لهذه الحيلةِ أثرٌ في قلوبِ المؤمنين، ولولا هذا الإعلانُ لكان ربَّما أثَّرت هذه الحيلةُ في قلبِ بعضِ مَن كان في إيمانِه ضعفٌ. الثالث: أنَّ القومَ لَمَّا افتَضحوا في هذه الحيلةِ صارَ ذلك رادعًا لهم عن الإقدامِ على أمثالِها مِن الحيلِ والتَّلبيس
الدعاء