خطبة عن (للظلم والظالمين نهاية)
أغسطس 15, 2022خطبة عن (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)
أغسطس 15, 2022الخطبة الأولى (كتمان الأسرار نجاة) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: ( قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَسَرَّ إِلَىَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِرًّا فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ)،وأخرج الطبراني في معاجمه “عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمةٍ محسودٌ) (صحيح الجامع)
إخوة الإسلام
في كتمان الأسرار نجاة من كيد الأشرار، فقد قال الله تعالى حكايةً عن كتمان يوسف عليه السلام للرؤيا التي رآها بأمر من أبيه: (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يوسف: 5]،فعلى المسلم أن يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان، ولا يفشي سره لأحدٍ؛ لأنه ربما يكون ذلك سببًا من أسباب حسده وفشله وسوء عاقبته، و ربما كان ذلك سببًا في ذله لمن أفشى له سره، وكان يقال: “أحزم الناس من لا يفشي سره إلى صديقه؛ مخافة أن يقع بينهما شر فيفشيه عليه” فعلى المسلم أن يحفظ سر نفسه، ولا يفشيه لأحد، ولنأخذ مثلا من كتمان الصَّحابة رضوان الله تعالى عنهم لأسرار النَّبيِّ ﷺ، وعلى رأس هؤلاء: فاطمة ابنة رسول الله ﷺ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا فَقَالَ « مَرْحَبًا بِابْنَتِي ». ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ مَا كُنْتُ أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سِرَّهُ. قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْمَرَّةِ الأُولَى فَأَخْبَرَنِي « أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ وَإِنِّي لاَ أُرَى الأَجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ». قَالَتْ فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ فَقَالَ « يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَيْ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ». قَالَتْ فَضَحِكْتُ ضَحِكِي الَّذِى رَأَيْتِ).
أيها المسلمون
ومن الأمور التي ينبغي للمسلم أن يحفظها ويكتمها ولا يفشي أسرارها: أعمال السر التي بينه وبين ربه: ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ (وذكر منها).. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ .. ». فإفشاء الاعمال الخيرية فيه مدعاة للرياء والعجب والمخيلة والسمعة فيكون ذلك سببا في احباط العمل وحرمان الأجر. ومن الأمور التي ينبغي للمسلم أن يحفظها ويكتمها ولا يفشي أسرارها: الأسرار الزوجية، وكذا المشكلات الزوجية: فقد أخرج الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: (أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ « لَعَلَّ رَجُلاً يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا ». فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقُلْتُ إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ. قَالَ « فَلاَ تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كتمان الأسرار نجاة)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن حفظ المشكلات الزوجية : فالتعامل مع المشكلات الزوجية يقتضي عدم إدخال طرف آخر بالمشكلة، لأن ذلك يعقد المشكلة أكثر، ويكون سببا في تفاقم الأمور ، ومن الأمور التي ينبغي للمسلم أن يكتمها ولا يفشي أسرارها: قضاء الحوائج : روى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمةٍ محسودٌ) (صحيح الجامع). ومن الأمور التي ينبغي للمسلم أن يكتمها ولا يفشي أسرارها: الأحلام السيئة: ففي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ «لاَ تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ». وفي سنن أبي داود: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ ». قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ « وَلاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ» ومن الأمور التي ينبغي للمسلم أن يكتمها ولا يفشي أسرارها: نقاط ضعفه : فلا تخبر أحدا عن يدِك التي تؤلمك ،فقد يأتي زمان ويلويها، ولا تخبر أحدا بسر دمعتك ، فيعرف كيف يبكيك، فلا تكشف نقاط ضعفك أمام أحد أبداً، ومما ينبغي للمسلم ألا يفشي أسرارها: أملاكه ومشروعاته، وما أنعم الله به عليه من المال والولد والزوجة الصالحة ،فعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (استعينُوا على إنْجَاحِ الحَوَائِجِ بالكتمَانِ، فإنَّ كلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ) ويدل على جواز كتمان النعم، خوفاً من الحسد، قوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يوسف (5)، وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى (11) ،فالحديث بالنعمة: أن يرى الله أثر نعمته عليك، فلا تكن غنيا وتعيش عيشة الفقراء، ولاتكن عالما وتكتم العلم عن الناس، وهكذا، وفي الختام أوصيكم ونفسي بحفظ الأسرار حتى تأمنوا كيد الفجار .
الدعاء