خطبة حول آيات التخويف وقوله تعالى (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)
يونيو 20, 2020خطبة عن حديث (مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا)
يونيو 20, 2020الخطبة الأولى : كتمان السر ( إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داوُد : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الكريم ، والذي يحثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتمان السر ، وحفظ الأمانة ، فعن قوله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ) ، يقول المباركفوري: أي : إذا حدث الرجل أي عند أحد بالحديث أي الذي يريد إخفاءه ثم التفت أي يمينا وشمالا احتياطا ،فهي أي ذلك الحديث :أمانة : أي عند من حدثه ،وحكمه حكم الأمانة فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها. وقال ابن رسلان: لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد، وأنه قد خصه سره، فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة. وقال العلقمي: أي إذا حدث أحد عندك بحديث ثم غاب صار حديثه أمانة عندك ولا يجوز إضاعتها، ففسر التفت بغاب ، والظاهر هو الأول. وقال المناوي في شرحه لهذا الحديث : إذا حدث رجل رجلًا بحديث ثم التفت. أي: غاب عن المجلس، أو التفت يمينًا وشمالًا، فظهر من حاله بالقرائن أنَّ قصده أن لا يطَّلع على حديثه غير الذي حدَّثه به. فهي. أي: الكلمة التي حدثه بها. أمانة. عند المحدث أودعه إياها، فإن حدَّث بها غيره فقد خالف أمر الله، حيث أدَّى الأمانة إلى غير أهلها، فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها؛ إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، وقال العلماء: وهذا الحديث من جوامع الكلم، لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة، وحسن الصحبة، وكتم السِّر، وحفظ الودِّ، والتحذير من النَّمِيمَة بين الإخوان ،
أيها المسلمون
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ أعراض الناس ،وحقوقهم، وحرمت الطعن في أعراضهم ، أو النيل من حقوقهم، ولذلك فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم إفشاء الأسرار، ونقل الحديث، والغيبة والنميمة، وكل ما يحصل به فساد ،أو إفساد بين الناس، وذلك من أجل أن تبقى الأمة الإسلامية أمة متحابة ، مترابطة، وعند ذلك تتوفر فيهم صفات الاستخلاف في الأرض، ودخول الجنة في الآخرة ، فحفظ الأسرار وكتمانها من الأمانات ، وهي من العهود التي يجب الحفاظ عليها ، ويجب التغليظ على من يفشونها ، فيخونون الأمانة ، وينقضون العهد ، ومن المعلوم أن الأسرار تتفاوت فيما بينها ،من حيث التغليظ في إفشائها ،إذ منها ما يكون ضرره عاما ،وعظيما ، كإفشاء السر إلى الكفار ، فيكون به هزيمة المسلمين ،أو فوات النصر عليهم ،وهو ما يصطلح عليه حديثا باسم الخيانة العظمى ومنها ما هو دون ذلك : من مثل ما يكون ضرره خاصا، إلا أن كلَّها تشترك في كونها خيانة للأمانة وإخلافا للعهد ، قال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ) الإسراء 34 ، وإذا كان الحفاظ على السر واجبا فإن إفشاء السر حرام ، فقد أسرَّ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم المؤمنين عائشة وحفصة ( رضي الله عنهما ) بحديث وائتمنهما عليه ، فأظهرتاه ، فعاتبهما الله تعالى على ذلك ، قال الله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (3) التحريم ، ثم قال الله تعالى : (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (4) التحريم ، وفي السنة النبوية نجد الترهيب من نشر ما لا ينبغي نشره من الأسرار ، ومنها ما جاء في ذمِّ من نشر أسرار الزوجية ، بل وجعله من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة . ففي صحيح مسلم : (أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ». وقد كان العقلاء وأهل الدِّين يوصون صاحب السرِّ بعدم إفشائه ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ – قَالَ – فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ مَا حَبَسَكَ قُلْتُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَاجَةٍ. قَالَتْ مَا حَاجَتُهُ قُلْتُ إِنَّهَا سِرٌّ . قَالَتْ لاَ تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ. وإفشاء الأسرار من علامات النفاق ، إذ إنه يدخل في خيانة الأمانة (فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ » رواه مسلم ، وليس من شروط الأمانة أن يخبر المتكلمُ السامعَ بأن هذا الكلام سرٌّ ،فلا تخبر به أحدا ، بل يكفي أن تدلَّ القرينة على ذلك ،كما لو أخذه بعيدا عن الناس ليحدِّثه ، أو جعل يحدِّثه وهو يتلفَّت ، خوفا من أن يسمع الناس حديثه ،
أيها المسلمون
وقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في حفظ السر، وعدم إفشائه، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه : أن (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّىَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ . قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِى . فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ، فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا . قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ . فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَىَّ شَيْئًا ، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّى عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَىَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَىَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّى قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا ) ، فينبغي للمسلم أن يحفظ أسراره ولا يبديها إلا لمن هو أهل لذلك، فمن أصعب الأمور حفظ الأسرار، وكما قالوا: حفظ الأموال أيسر من حفظ الأسرار, وإذا حفظ الإنسان سره فإنه لا يندم على ذلك، ولكنه يعض أصابع الندم عندما يسمح لغيره بالاطلاع على أسراره، ممن يعرفون بعدم حفظ الأسرار، فتفشو أسراره، عند ذلك يندم ،وكما قال علي بن ابي طالب (رضي الله عنه) : سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره . واعلموا أن أحط الناس ،وأرذلهم ،وأقلهم قدرا ،واسوأهم منزلة، أوليائك الذين يتفكهون في مجالسهم بأسرار بيوتهم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : كتمان السر( إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أقوال السلف الصالح ، والعلماء الربانيين في كتمان السر : قال عمرو بن العاص: (ما وضعت سري عند أحد أفشاه علي فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه) – وأسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثا، فقال لأبيه: يا أبت، إن أمير المؤمنين أسرَّ إلي حديثا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإن من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه) قال: قلت: يا أبت، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السر). فأتيت معاوية رضي الله عنه فحدثته، فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رق الخطأ – وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: القلوب أوعية الأسرار، والشفاء أقفالها والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره – وعن الحسن رحمه الله، قال: ( إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك) – وقال أبو حاتم: (من حصن بالكتمان سره ،تم له تدبيره ،وكان له الظفر بما يريد ، والسلامة من العيب والضرر – وقال ابن الجوزي: (رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرهم، فإذا ظهر، عاتبوا من أخبروا به. فوا عجبًا! كيف ضاقوا بحبسه ذرعًا، ثم لاموا من أفشاه؟!) – وقال الراغب الأصفهاني: (إذاعة السر من قلة الصبر وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال والصبيان والنساء)
الدعاء