خطبة عن فضل طلب العلم والعلماء (مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ )
يوليو 6, 2019خطبة عن (من هم العلماء؟ وما هي مكانتهم)
يوليو 6, 2019الخطبة الأولى ( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن وصححه الألباني: ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ».
إخوة الإسلام
لقد حث الإسلام أتباعه على طلب العلم ، ووعد العلماء بالدرجات العالية ، والمنازل الرفيعة ، فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، وأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض . وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : ( ..وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ » [ رواه الترمذي] . والعلماء هم أمناء الله على خلقه ، وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير ؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وإذا كان الله قد رفع أهل العلم درجات، وفضلهم على بقية خلقه ،بما حملوه من الحكم والآيات ، فقد كلفهم الله بتكاليف شاقة، وحملهم أعباء ثقيلة، وأوجب عليهم واجبات حتمية، ومنها أن يبينوا الحق للناس، وأن لا يكتموا العلم، وقد توعدهم إن هم كتموه بالطرد والإبعاد من رحمته، وفي هذا الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة خير شاهد ودليل ، وكتمان العلم يكون بإخفائه حين تدعو الحاجة إلى بيانه ،والحاجة التي تدعو إلى بيان العلم بالسؤال : إما بلسان الحال ، وإما بلسان المقال .فالسؤال بلسان الحال : أن يكون الناس على جهل في دين الله ، فيجهلون دين الله عز وجل بما يلزمهم في الطهارة ،وفي الصلاة ،في الزكاة ،وفي الصيام ،وفي الحج ،وفي بر الوالدين ، وفي صلة الأرحام ، وغيرها ، فيجب حينئذٍ بيان العلم .أو بلسان المقال : بأن يسألك إنسان عن مسألة من مسائل الدين ،وأنت تعرف حكمها ، فالواجب عليك أن تبينها ،ومن كتم علماً مما علمه الله فهو على خطر عظيم قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) البقرة 159، وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران 187، وليعلم طالب العلم أنه كلما بين العلم ،ازداد هذا العلم ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) محمد 17.
هذا وقد نص العلماء على أن الكتم الملعون صاحبه في الآيات والأحاديث على نوعين : أ – تارة يكون بمجرد إخفاء المعلوم وستره ،مع مسيس الحاجة إليه ،وتوفر الداعي إلى إظهاره. ب – وتارة يكون بإزالته ، ووضع شيء آخر موضعه . فالحاصل أن من علم من دين الله شيئاً ، فإنه يجب عليه أن يعلمه لكل من كان ذا حاجة إليه ، سواء تعلمه في الأصل لمجرد أن يعمل به أم لا؟ وبث العلم من الأعمال التي لا تنقطع بموت صاحبها ، فيظل أجره سارياً عليه ،ما دام هنالك من يعلمه ، أو يعمل به، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ».
أيها المسلمون
وقد بين العلماء أن هناك أسبابا مشروعة قد تمنع العالم من تبليغ العلم ، أو تدفعه إلى كتمانه ، ومنها : إذا كان هذا العلم يدفع المتعلم إلى الاتكال ، وترك العمل ، فقد صحّ عن غير واحد من الصحابة أنه كَتَم شيئا من العلم .فقد كَتَم معاذ رضي الله عنه حديث : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) ، لأنّ معاذا رضي الله عنه سألَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (أَفَلا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ؟ فقَالَ : إِذًا يَتَّكِلُوا . فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا . رواه البخاري ومسلم . وكَتَم أبو هريرة رضي الله عنه أحد الوعائين من العلم ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وِعَاءَيْنِ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ ) ،قال المهلب وأبو الزناد : يعني أنها كانت أحاديث أشراط الساعة ، وما عَرّف به صلى الله عليه وسلم مِن فساد الدِّين ، وتغيير الأحوال ، والتضييع لحقوق الله تعالى ، كقوله صلى الله عليه وسلم : « هَلَكَةُ أُمَّتِى عَلَى يَدَىْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ » . فَقَالَ مَرْوَانُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِى فُلاَنٍ وَبَنِى فُلاَنٍ لَفَعَلْتُ)، فخشي على نفسه ، فلم يُصَرِّح. ومن الأسباب المشروعة في كتمان العلم : إذا ما عَلِم العالم أن السائل قصده التعنّت أو الترخّص واتِّبَاع الرُّخَص ، فله أن يخزِن علمه عنه . وكذلك لو جاء سائل وعَلِم المسؤول أنه يُريد شرًّا فله أن يُفتيه بِخلاف ما يعلم ،ليكفّه عن الشرّ ، فقد جاء سائل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله : هل لِقَاتِل الْمُؤمِن تَوْبَة ؟ قال : لا. فَجَاءَه آخَر وسَألَه عن ذَلك ، فَقَال : نَعم له تَوْبَة . فَقِيل له في ذلك ، فَقَال : إنَّ الأوَّل لم يَكُن قَتَل ، فَمَنَعْتُه عَن القَتْل ، وإنَّ الثَّاني قَتَل ، فأرْشَدْتُه إلى التَّوْبَة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأسباب المشروعة في كتمان العلم : إذا خاف العالم على نفسه : قال ابن بطال : وكذلك ينبغي لكل مَن أمَر بمعروف إذا خاف على نفسه في التصريح أن يُعَرِّض. وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكني عَنْ بَعْضه وَلا يُصَرِّح بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ ، كَقَوْلِهِ : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان ، يُشِير إِلَى خِلافَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنْ الْهِجْرَة . ومن هذا يعلم أن حكم كتمان العلم يتعلق بالسبب والقصد، فكتمان العالم علمَه خوف الخطأ أو تورعا أو لوجود غيره ، فهذا لا إثم فيه، وكتمان العالم علمَه عمن هم بحاجة إليه ،استحبابا للدنيا ،وتهاونا وخلودا للراحة ، فلا إثم فيه ، أما كتمان العلم نصرةً للكفر ، فهو الكفر، فهناك من يكتم العلم ويُخفيه عن الناس ،حتى لا يدخلوا في الإسلام ،ولا يتبعوا شرعه، كالذين نزلت فيهم هذه الآيات ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (159) (160) البقرة
أيها المسلمون
ولا بد أن يُعلم أن هناك فرقا كبيرا بين كتمان العلم والتورع من الفتيا : فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتدافعون الفتوى .قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أحد منهم يُحَدِّث حديثا إلاَّ وَدّ أن أخاه كفاه الحديث ، ولا يُسْأل عن فُتيا إلاَّ وَدّ أن أخاه كَفَاه الفُتيا . وروى من طريق عن جعفر بن إياس قال : قلت لسعيد بن جبير : مالك لا تقول في الطلاق شيئا ؟ قال : ما منه شيء إلاَّ قد سألت عنه ، ولكني أكره أن أُحِلّ حراما أو أحَرِّم حَلالا .
الدعاء