خطبة عن (وكم مريد للخير لن يبلغه)
يوليو 4, 2024خطبة عن (من وصايا رسول الله)
يوليو 4, 2024الخطبة الأولى (كن بارا بوالديك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (23)، (24) الاسراء، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (14)، (15) لقمان، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) الأحقاف:15، وفي الصحيحين: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه – سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ «الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا». قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ. قَالَ «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ». قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
إخوة الإسلام
البر هو أقصى درجات الإحسان، وهو من أعلى درجات الإيمان، وبر الوالدين من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، فهو واجب على كل مسلم ومسلمة، فحق الوالدين على الأبناء حق عظيم، وقد أَولى الإسلام برَّ الوالدين والإحسان إليهما أهمية كبرى، ووعد الله تعالى من يفعله بالأجر والثواب العظيم، وقد قرَن الله سبحانه وتعالى بين عبادته، وبين بر الوالدين، فقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الاسراء:23، وقال تعالى: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) البقرة:83، وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء:36، وقال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الأنعام:151، وهذا الربط بين عبادة الله تعالى وبر الوالدين يرفع من درجة البر عند الله سبحانه وتعالى، والإنسان مهما اجتهد في طاعتهما، والإحسان إليهما، فلن يوفيهما حقهما، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَجْزِى وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ». وَفِى رِوَايَةِ «وَلَدٌ وَالِدَهُ». ويقول أبو موسى الأشعري، رضي الله عنه: (شهد ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يطوف بالبيت وقد حمل أمه وراء ظهره، فقال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: “لا، ولا بزفرة واحدة، ولكنك أحسنتَ، والله يثيبك على الإحسان)، وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (يا أمير المؤمنين، إن لي أمًّا بلغت الكبر، ولا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، فهل أديتُ حقها وشكرها؟، فبكى عمر ثم قال: (إنها صنعت بك ذلك وهي ترجو بقاءك، وأنت تفعله متمنّيًا فراقها بعد حين).
وقد وعد الله تعالى البارين بوالديهم الجنة، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»، وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِىِّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ «وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «ارْجِعْ فَبَرَّهَا». ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ «وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ». قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا». ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ «وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ». قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ»، (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ} أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ،
وإذا كان بر الوالدين من أوجب الواجبات، فإن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ومن أعظم الذنوب والمعاصي، ففي الصحيحين: (سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ»،
أيها المسلمون
ولما كان بر الوالدين من أجل الأعمال، وأفضل القربات، فقد ضرب أنبياء الله المثل الأعلى في بر الوالدين، فهذا نبي الله نوح عليه السلام، كان يدعو ويستغفر لهما، فقال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح :28. وهذا نبي الله ابراهيم الخليل عليه السلام، كان يخاطب أباه بلطف، واشفاق بالغ، وحرص اكيد، ورغبة صادقة في هدايته ونجاته، وخوفا من غوايته وهلاكه، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) (41): (47) مريم ،وهذا نبي الله اسماعيل عليه السلام، يضرب أروع الأمثلة في بر الوالد، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (102) الصافات، وهذا نبي الله عيسى عليه السلام يأتيه الثناء والتبجيل والعظيم من ربه، وهو ما يزال في المهد، بأنه بار بأمه، فقال: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (32) مريم، وهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، يزور قبر أمه، وفاء لها، وبرا بها بعد موتها، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي».
وكان السلف الصالح خير من بر والديه: فقد كان أبو هريرة إذا أراد أن يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمةُ الله وبركاته، فيقول: رحمكِ الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: ورحمكَ الله كما سررتني كبيراً، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك. وكان محمد بن سيرين إذا اشترى لوالدته ثوباً اشترى ألين ما يجد, فإذا كان عيد صبغ لها ثياباً, وما رفع صوته عليها, كان يكلمها كالمصغي إليها, ومن رآه عند أمه لا يعرفه ظن أن به مرضاً من خفض كلامة عندها .وكان الربيع بن خثيم: يميط الأذى عن الطريق ويقول هذا لأمي, وهذا لأبي. وكان علي بن الحسن: لا يأكل مع والديه فقيل له في ذلك فقال: لأنه ربما يكون بين يدي لقمة أطيب مما يكون بين أيديهما وهما يتمنيان ذلك, فإذا أكلت بخست بحقهما)، وكان حيوة بن شريح: يقعد في حلقته يعلم الناس, فتطل له أمه, وتقول له: قم يا حيوة فالق الشعير للدجاج, فيقوم ويترك التعليم.
أيها المسلمون
وبر الوالدين من أسباب الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فكما جاء في أحاديث المقدمة: «وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ»، (وقَالَ صلى الله عليه وسلم: {رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ}، وبر الوالدين من أسباب استجابة الدعاء: ففي سنن ابن ماجه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ». وبر الوالدين من أسباب تفريج الكروب، ففي حديث الثلاثة الذين آووا الى الغار، كما في الصحيحين: (فَقَالَ أَحَدُهُمُ اللَّهُمَّ، إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً. فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ – قَالَ – فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبِيْةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ)، وبر الوالدين من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، فيشعُر من يبرّ والديه بمحبة الله له، من خلال توفيقه في حياته، كما يرزُقه الله سبحانه وتعالى بأبناء بارّين له في المُستقبل. قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رِضَا الرَّبِّ في رَضَا الوَالِدَيْنِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِهِمَا»، وقال ابن عمر رضي الله عنهما لرجلٍ عنده أُمُّه: «والله لو ألفتَ لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخُلَنَّ الجنة ما اجتنبتَ الكبائر»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كن بارا بوالديك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وبِّر الوالدين يعني إدخال السرور عليهما، في كل قولٍ أو فعلٍ، لا ضرر عليك فيه، وصور البر والإحسان كثيرة ومتعددة: ومنها: طاعتهما، والاحسان إليهما، وادخال السرور عليهما ،والاستغفار لهما، وقضاء حوائجهما، وعدم التأفف منهما، والانصات لهما، والصبر على طباعهما، والدعاء لهما في حياتهما، وبعد موتهما، ففي سنن أبي داود: (عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ «نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا». ومن صور البر: الصدقة عنهما، وبذلك ينال الوالدان الأجور المستمرّة حتى بعد وفاتهما، وذلك من عظيم أنواع البرّ بهما. ومن صور البر: الترويح عنهما، والمبالغة في التوقير والاحترام، ومن ذلك: تقبيل الرأس واليد تحبّبًا، وتواضعًا، ومن صور البر: مدحهما وذكر فضلهما، فإن مدح المرء والديه وذكّرهما بذلك في كبرهما، من طرق برّهما، وإدخال السرور إلى قلبيهما. ومن صور البر: تفقّد حاجاتهما وقضائها، ومشاورتهما في بعض الأمور الخاصة؛ ومن صور البر: حسن الاستماع إليهما، وإعطائهما الاهتمام إذا تكلّما، وإشعارهما بالتفاعل بما يناسب كلامهما؛ وإظهار الابتسامة متى استلزم ذلك. ومن صور البر: الاتصال بهما إذا كانت الزيارات قليلةٌ أو صعبةٌ، فإنّ الاتصال يظهر شيئًا من الودّ والاهتمام، إن كان الحضور صعبًا. ومن صور البر: إجابة ندائهما دون تراخٍ، وقد يخرج الإنسان من صلاته إذا كان يصلّي نافلةً، ليجيب نداء والده،
فعليك ببر الوالدين بما تستطيعه، إرضاء لربك أولا، ثم إرضاء لوالديك، فرضاهما من رضا ربك، فهما جنتك ونارك، وفي حالة غضب أحدهما فعليك أن تكون هادئا، لا ترفع صوتك فوق صوت والديك، ولا ترد على كلام والديك، وكن على استعداد لتحمل كل ما يصدر منهما، وابتسم دائما في وجهيهما، واصبر على إيذائهما، وتحمل ظروفهما النفسية، وكن سعيدا ببر والديك وحبك لهما، واغتنم حياتهما قبل موتهما، وامنحهما المال والهدايا بقدر طاقتك، وأطعهما، وتأدَّب معهما في المعاملة، ومن الإحسان إليهما الإنفاق عليهما إذا كانا محتاجين، والسمع والطاعة لهما في المعروف، وخفض الجناح لهما،
والأم حقها أعظم، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ «أُمُّكَ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «أُمُّكَ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أَبُوكَ»، فبين عليه الصلاة والسلام أن أحق الناس بالبر والإحسان أمك، ثلاث مرات، ثم أبوك في الرابعة، وهذا يوجب للولد العناية بالوالدة أكثر، والإحسان إليها أكمل، ثم الأب يليها بعد ذلك، فبرهما والإحسان إليهما جميعًا أمر مفترض، فكُن باراً بوالديك، ثم انظر إلى آثار رحمة الله عليك.
الدعاء