خطبة عن (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً)
يونيو 12, 2019خطبة عن (الله ينادي: يا عبادي)
يونيو 13, 2019الخطبة الأولى ( كيف تبني لك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ؟)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11) التحريم
إخوة الإسلام
لقد كانت امرأة فرعون إحدى الأمثلة البارزة التي ضربها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، لتكون نموذجًا يحتذى ،وقدوة تُتَّبَع، وكانت إحدى سيدات نساء العالمين، مع السيدة مريم والسيدة خديجة والسيدة فاطمة عليهنَّ جميعًا سلام الله ورضوانه. لقد كانت امرأة فرعون تعيش عيشة مرفهة منعمة ،فهي تعيش في ظل أعظم حكَّام الأرض وأقواهم، إنه فرعون مصر ، هذا الحاكم الذي بلغ جبروته وطغيانه أن ادَّعَى الألوهية، ومع ذلك ، لم تغرَّها امرأة فرعون هذه الحياة المنعَّمة، وإنما فضلت رضا الله سبحانه وتعالى على كل مُتع الدنيا وزخارفها، فآمنت بسيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وحين علم فرعون بإيمانها طلب منها أن ترجع، فرفضت، ولم ترجع عن إيمانها، فعذبها، فتحملت العذاب في سبيل الله ، فأراها الله تعالى بيتها في الجنة، ونسيت ما هي فيه من العذاب، وضحكت، فقالوا عند ذلك: “هي مجنونة ، تضحك وهي في العذاب”، وهنا ، وهي في العذاب ، رأت نعيم الجنة فقالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11) التحريم
أيها المسلمون
قال العلماء : لقد اختارت امرأة فرعون الجار (جل جلاله) قبل أن تختار الدار، فجوار الله (جل وعلا) أعظم مما سواه، ومنزلته وهي الجنة أعظم ما يطلبه المؤمنون من ربهم، وحري بكل مؤمن، ومؤمنة أن يدعو بهذا الدعاء: { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } [التحريم:11]. فبيوت الجنة هي من نعيمها الذي أعده الله تعالى فيها لأهلها؛ فهي مبنية من نعيم لأهل النعيم في دار النعيم، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمِ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا» مسلم. وعَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ” فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: ” لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ” أحمد ،
فهل تتمنى أخي المسلم ، وأختي المسلم ، أن يكون لك بيتا في الجنة ؟ ،هل تتمنى أن تكون في جوار الرحمن ، وبجوار سيد الأنام ؟ فإليك بعض هذه الأعمال التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن من عمل بها في الدنيا مخلصا ، كان جزاؤه بيتا في الجنة ،ومنها: أولا : بناء المساجد : ففي صحيح مسلم : (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يقول إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَنْ بَنَى مَسْجِدًا – يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ » وَفِى رِوَايَةِ « بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ » ، ثانيا : قراءة سورة الإخلاص : ففي مسند أحمد : ( عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ قَرَأَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْراً فِي الْجَنَّةِ ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذاً أَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ »ص الألباني ، ثالثا : الحمد والاسترجاع حال وقوع المصيبة في الولد : ففي سنن الترمذي بسند حسنه : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِى. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِى فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ». رابعا : دعاء السوق : قال صلى الله عليه وسلم من دخل السوق فقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ،كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة) الحديث عن ابن عمر ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ،خامسا : سد الفرج في صفوف الصلاة : أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عن عَائِشَةَ قالت : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي صَفٍّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } قال الألباني ( صحيح ) السلسلة الصحيحة ،سادسا : المواظبة على السنن الرواتب : فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ عَمْرٌو مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ. سابعا : من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وجاهد : ففي سنن النسائي وغيره : (فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« أَنَا زَعِيمٌ – وَالزَّعِيمُ الْحَمِيلُ – لِمَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَهَاجَرَ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَأَنَا زَعِيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجَنَّةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا وَلاَ مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا يَمُوتُ حَيْثُ شَاءَ أَنْ يَمُوتَ » قال الألباني (صحيح)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كيف تبني لك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ؟)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأعمال الصالحة التي إن فعلتها لله بنى الله لك بيتا في الجنة : ترك الجدال ولو كنت محقا ،وترك الكذب ولو كانت مازحا، وحسن الخلق: ففي سنن أبي داود وغيره : ( عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ». قال الألباني ( حسن ) صحيح الترغيب والترهيب ،وفي الحياة الدنيا من يبني له بيتا فإنه يجمّله بالأشجار والنخيل ، فمن أراد أن يجمّل بيوته وقصوره في الجنة بالأشجار والنخيل فليكثر من ذكر الله : ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ : « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِى تَغْرِسُ ». قُلْتُ غِرَاسًا لِي. قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا ». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ ». صححه الألباني ، وفي سنن الترمذي بسند حسنه :(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّى السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ»
أيها المسلمون
ألا فاسألوا الله بيتا في الجنة ، وكونوا لله طائعين ، ولرسوله متبعين ، ولجنته مشتاقين ، ولعمل الخيرات فاعلين
الدعاء