خطبة عن (من جوانب عظمة خلق الرسول) مختصرة
أكتوبر 18, 2020خطبة عن ( من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير )
أكتوبر 23, 2020الخطبة الأولى ( كيف كان الرسول يقضي يومه ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الأحزاب
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم – إن شاء الله – مع : (كيف كان الرسول يقضي يومه) ، فنتعرف على أعمال وأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في يومه ، ليكون لنا في ذلك قدوة حسنة ، وأسوة طيبة ، فقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في استثماره للوقت، وذلك بالنظر إلى الأعباء الجسام التي كانت ملقاة على عاتقه صلى الله عليه وسلم، وأعظمها تبليغ رسالة ربه للعالمين، ومع ذلك ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ،يجمع إلى جانب مهام الرسالة ،مهامَّ أخرى ،كقائد ،ومعلم ، ومربي ، ومشرِّع ، ومُصلح، فضلًا عن مسئولياته في بيته كزوج ، وأب،.. ورغم مسئولياته الهامة والمتعددة ،فقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم بالأمور الشخصية لأصحابه ، ويتفقد أحوالهم ، وإذا تأملنا أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومه العادي ، بعيدا عن أيام السفر ، أو القتال ، فقد كان البرنامج اليومي للنبي صلى الله عليه وسلم يبدأ في الثلث الأخير من الليل، فكان صلى الله عليه وسلم أول ما يفعله إذا استيقظ من نومه – وهو الذي تنام عينه ولا ينام قلبه – أنه يذكر الله عز وجل ويحمده، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ،وأذِنَ لي بذِكرِه» (رواه أحمد). ثم يستعد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك للقيام بين يدي الله ، فيتوضأ ، ويستاك، ويقيم الليل صلى الله عليه وسلم واقفًا يصلي بين يدي الله ، حتى تتورم قدماه، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ ،قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ :أَتَصْنَعُ هَذَا ، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ : « يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ». ويظل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين يدي ربه، يذكره، ويستغفره، ويُناجيه، ويتفكر في خلق السماوات والأرض ،حتى قُبَيل الفجر، ثم يرجع إلى فراشه فيضجع قليلا، فما إن يسمع صوت بلال ،يرفع أذان الفجر ،حتى يثب من فراشه ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للهِ» (رواه مسلم) ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: لما سئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ،قالت: «كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ» (رواه البخاري) ، فإذا خرج من بيته قال صلى الله عليه وسلم: «بِاسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ باللَّه» رواه أبو داود وعن أُمِّ سلَمَةَ رضي اللَّهُ عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا خَرجَ مِنْ بيْتِهِ قالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ، توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أوْ أُزلَّ، أوْ أظلِمَ أوْ أُظلَم، أوْ أَجْهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ» (رواه الترمذي) ،فإذا دخل المسجد أمر بلالًا بإقامة الصلاة، ثم يسوِّي صلى الله عليه وسلم صفوف المصلين، ثم يشرع صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر.. وبعد الصلاة كان صلى الله عليه وسلم يجلس في مصلاه ، يذكر الله حتى تطلع الشمس، ففي مسند أحمد 🙁قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ قَالَ كَانَ يَجْلِسُ فِي مُصَلاَّهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ). وكان أصحابه رضي الله عنهم يجالسونه ،فيتدارس شؤونهم، ويحدثهم ويحدثونه في أمور دينهم ودنياهم ، فيعلمهم ،ويعظهم ،ويستمع إلى شكواهم، وربما ذكروا شيئًا من أمور الجاهلية فيضحكون ويبتسم صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم في صحيحه : (قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ نَعَمْ كَثِيرًا كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِى يُصَلِّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ ،فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ -صلى الله عليه وسلم- ) ،وقد سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى وواظب عليها؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» (رواه مسلم) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا عاد من صلاة الضحى إلى بيته، ربما سأل أهل بيته عن طعام ، فإذا لم يجد طعامًا كان يصوم؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قَالَتْ: «فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ!! قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ» (رواه مسلم) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قُدِّم له طعام يأكله « ومَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ» (متفق عليه). وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل منبطحًا ولا متكئًا؛ ففي البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا» ، وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم أن يأكل على الأرض ،وكانت جلسته للطعام صلى الله عليه وسلم جاثيًا على ركبتيه ،قال صلى الله عليه وسلم : «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» (الألباني في السلسلة الصحيحة) ويضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل في التواضع، فكان يقوم على خدمة أهله ونفسه فكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ،ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، دل على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلت عما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، فقالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ» (رواه البخاري). وقالت أيضًا: «كَانَ بَشَرًا مِنَ البَشَر يُفَلِّي ثَوْبَهُ (أي ينظفه)،وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ» (رواه أحمد).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس لأمر مهم، أمر من يجمعهم له ،أو ينادي فيهم «الصلاة جامعة»، فلما يجتمع المسلمون ينبئُهم بما جمعهم من أجله، فإذا أراد أن يُذكِّرْهم ذكَّرهم وإذا أراد أن يخبرهم بتشريع أو قرآن أخبرهم ،وعندما تحين صلاة الظهر يقوم للصلاة، فكان صلى الله عليه وسلم يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في غيرها؛ حتى يدرك المسلمون الصلاة، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه «كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» (رواه البخاري) ، وكان صلى الله عليه وسلم ينام في الظهيرة – إذا انتصف النهار ، ليستعين بالقيلولة على قيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «قِيلُوا؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ» (رواه الطبراني) أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كيف كان يقضي الرسول يومه)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال الناس في معايشهم ، وتعاملاتهم ،وأسواقهم، فروي «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ ( أي: كومة مجموعة من الطعام) طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ »، قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه مسلم) ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجالس الناس في مجالسهم، ويزور مريضهم ،ويجيب داعيهم ،ويمشي في حاجة الضعيف والمسكين، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان «لَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ» (رواه النسائي ) ،وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه ،ويعود المريض منهم، ومن ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَصِيرِ الَّذِي فِي بَنِي وَاقِفٍ نَعُودُهُ، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى». (الألباني في السلسلة الصحيحة) ، وهكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم ، يقضي عامة وقته بين أمته ، يدعوهم ، ويذكرهم ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويزور مريضهم، ويعين محتاجهم .. فكانت الدعوة وتفقد أحوال الأمة هي شغله الشاغل صلى الله عليه وسلم . وأما عن شمائله وأحواله الخاصة ، فكان صلى الله عليه وسلم خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ،جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ،يبدر من لقي بالسلام، كان متواصل الأحزان، دائم الفكر ،لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ،ويتكلم بجوامع الكلم ،يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا ،لا يذم ذواقا ولا يمدحه ،ولا تغضبه الدنيا ،ولا ما كان لها ،فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ،ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ،لا يغضب لنفسه ،ولا ينتصر لها ،إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها ،وإذا غضب أعرض وأشاح ،وإذا فرح غض طرفه، وجل ضحكه التبسم ،وكان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه، جزء لله ،وجزء لأهله وجزء لنفسه،فإذا جَنَّ الليل، صلى بالمسلمين العشاء، فإن وجد ما يهتم له من أمور المسلمين انشغل به مع كبار الصحابة، وإلا سمر مع أهله شيئًا. وإذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يأوي إلى فِراشه فإنه كان يتوضأ قبل نومه، ثم ينفض فراشه ،ويذكر الله ويدعوه، ثم ينام على جنبه الأيمن؛ لما رواه البراء بن عازِب قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». رواه مسلم
الدعاء