خطبة عن (النِّيَّة: معناها وحكمها وأهميتها)
أكتوبر 17, 2023خطبة عن (نصرة غزة) مختصرة
أكتوبر 19, 2023الخطبة الأولى (كيف ننصر المسلمين في غزة وفلسطين وغيرها؟)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة (71)، وروى البخاري في صحيحه: (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»، وفي الصحيحين: (قال صلى الله عليه وسلم :«المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً» وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ). وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»
إخوة الإسلام
لقد أراد الله سبحانه وتعالى لنا نحن- المسلمين- أن نكون أمة واحدة، دما واحدا، وجسدا واحدا، وهدفا واحدا ، ومصيرا واحدا، وصفا واحدا، فقال الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} الأنبياء (92)، وفي الحديث النبوي المتقدم يقول صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»، وفي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ)، وفيهما أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، هكذا حرص الإسلام على أن يعيش أبناؤه في ترابط وتعاون وتكافل وتناصر واتحاد؛ حتى يسود المجتمعَ الأمنُ والأمان، والمحبة والحنان ؛فالحقوق محفوظة ومصونة، والواجبات معروفة ومطلوبة، ومن شأنها أن تشد الروابط بين المسلمين، وتزيد الألفة فيما بينهم في مشارق الأرض ومغاربها، فتحفظ وحدتهم، وتصون كرامتهم، وتحفظ حقوقهم، فالمؤمن من حقه أن يعيش عزيزاً؛ فهو يحمل رسالة عظيمة، وينتمي لأمة عظيمة، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو أعظم الرسل، وبقدر تمسك الفرد منا بهذه القيم والواجبات، بقدر ما يكون قريباً من الله، قريباً من خَلقه.
وإذا كان الإسلام قد أمر بالوحدة والاتحاد والترابط بين المسلمين، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلبية، والتخاذل والتقاعس في نصرة المسلم لأخيه المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقِفنَّ أحدُكم موقفًا يُقتلُ فيه رجلٌ ظلمًا فإنَّ اللَّعنةَ تنزِلُ على كلِّ من حضر حين لم يدفعوا عنه ولا يقِفنَّ أحدُكم موقفًا يُضربُ فيه رجلٌ ظُلمًا فإنَّ اللَّعنةَ تنزِلُ على من حضره حين لم يدفعوا عنه» رواه الطبراني، فليعلم هؤلاء الذين يقفون متفرجين على المظلوم، إنما يعرضون أنفسهم للخذلان يوم القيامة، ففي مسند أحمد وسنن أبي داود: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ»، ويعرضون أنفسهم أيضا للسؤال والمقت والتعنيف، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي . قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي». وخذلان المسلمين سبب للفتنة والفساد الكبير: قال الله تعالى: {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال : 73]، قال ابن كثير:” أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت الفتنة في الناس، وهو التباس الأمر، واختلاط المؤمن بالكافر، فيقع بين الناس فساد منتشر طويل عريض”. وخذلان المسلمين سبب لعذاب القبر: فعند ابن حبان بإسناد صحيحٍ قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال :علام جلدتموني؟ قالوا :إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره».
أيها المسلمون
والله سبحانه وتعالي أوجب علي المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة: مناصرة إخوانهم بني دينهم، حتى ولو أبوا أن يهاجروا معهم، ويشاركوهم في بناء دولتهم، فقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (الأنفال :72-74)، يقول ابن كثير: (وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين)، فنصرة المسلم لأخيه المسلم من أوجب الحقوق، ففي الصحيحين عَنِ الْبَرَاءِ – رضي الله عنه – قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ..)،
أيها المسلمون
ألا وقد تعرض إخواننا في غزة وفلسطين وغيرها من البلاد لهذه الاعتداءات الغاشمة من أعداء الإسلام، فأصبحت نصرتهم واجبة على كل مسلم ومسلمة، فنصرتنا لإخواننا في أرض الرباط هي دفاع عن ديننا، وأرضنا، ومقدساتنا، بل دفاع عن أولي القبلتين، وثالث الحرمين ،فإذا كانت إنارة بيت المقدس عبادة، فكيف بمن دافع عنه، وجاهد من أجل تحريره، ففي مسند أحمد وغيره: (عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ «أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلاَةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ» وفي رواية «فِيمَا سِوَاهُ». قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ قَالَ « فَتُهْدِى لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ». وفي رواية: «فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ»، ونصرة المؤمنين أمارة دالة على صدق الإيمان: قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» [رواه أحمد وأبو داود]، ونصرة المسلمين ومواساتهم والوقوف بجانبهم فيه اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح مسلم، عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ، عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:«{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ}، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». وفي نصرة المسلمين تفريج للكربات، فالجزاء من جنس العمل. ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :«وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ». ونصرة المسلمين سبب لمعونة الله تعالى: ففي صحيح مسلم: (قال صلى الله عليه وسلم :«وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، ونصرة المسلمين والسعي لقضاء حوائجهم والوقوف معهم أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «ولئن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام» [رواه ابن أبي الدنيا]. ونصرة المؤمنين وموالاتهم مجلبة لرحمة الله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وسلم :«الرَّاحمون يَرْحمهم الرحمن»، وقال: «مَنْ لا يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ» [رواه البخاري ومسلم]
أيها المسلمون
ويقول الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) الأنفال:72، فكل مسلم مظلوم في دينه أو في دنياه، أو معتدى عليه في نفسه أو في أهله أو ماله، فهو أهل للنصرة، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) الأنفال (72)
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ننصر إخواننا من المسلمين في غزة أو في فلسطين أو في غيرها من بلاد المسلمين المستضعفين؟ ، والجواب: للنصرة في الإسلام صور متعددة وأنواع مختلفة، منها النصرة الإغاثية وتكون بتوفير ما يحتاج إليه المعتدى عليه من طعام أو شراب أو دواء وغير ذلك من ضرورات الحياة.. والنصرة الإعلامية، ونعني بها الإعلام بالظلم الواقع على المظلومين والتشهير بجرائم الظالمين، بالصوت والصورة، أو بالقلم والنصرة السياسية، وهي التدابير الكفيلة بنصرة المظلوم، مما يقوم بها الحكام والقادة وأهل الحل والعقد من المسلمين، من إدانة الظلم وملاحقة الظالمين وسن القوانين الصارمة لرعاية الحقوق، ثم تسخير جميع أجهزة الدولة في تحقيق ذلك. ومنها النصرة العسكرية، وتكون بقتال الظالمين المعتدين على حقوق الناس والمنتهكين لأعراضهم، أو بإعانة المعتدى عليهم ومدهم بما يدفعون به الظلم، يقول تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) النساء (75)، ومنها النصرة بالدعاء، وهي من أهم أنواع النصرة وأنفعها للمنصور، وأفتكها بالمنصور عليه، ويدل عليها قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (9): (12) القمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى هذه الوسيلة الناجعة لنصرة المظلومين، فقد كان يدعو في القنوت كما في الصحيحين: (يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ « اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِى يُوسُفَ)، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». قَالُوا إِذاً نُكْثِرُ. قَالَ « اللَّهُ أَكْثَرُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كيف ننصر المسلمين في غزة وفلسطين وغيرها؟)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
أنصروا إخوانكم من المسلمين المستضعفين بكل ما تستطيعون، انصروهم بتوحيدكم لربَّكم؛ فلا تشركوا معه في الحكم طاغوتًا ولا قانونًا، ولا تشركوا معه في العبادة حيًّا ولا ميتًا، ولا تُشابهوا في أسمائه وصفاته من عطَّل ومن جسَّم؛ وانصروهم بالولاء والبراء في الله؛ فقرِّبوا من قرَّب الله وإن بعُد، وأبعدوا من أبعد الله وإن قرُب. وانصروهم بمحبة المؤمنين ومناصرتهم؛ كلٌّ على قدْر ما معه من الإسلام والسنة. وانصروهم بمعاداة الكفار والضُّلال والظالمين والفاسقين؛ كلٌّ بما عنده من الجاهلية. وانصروهم بالكفر بكل طريقٍ لا يفاصِل فيه أهلُه الكفرَ، ولا يرون الجهاد وحده سبيلًا. وانصروهم بحفظ الحدود، وأداء الفرائض، واتقاء الفتن، وانصروهم بإحياء شعيرة الجهاد؛ في نفوسكم وفي أبنائكم وفي المسلمين، وانصروهم بالدعوة إلى الله ورسوله؛ كلٌّ بما يستطيع ويحسن، وانصروهم بإصلاح قلوبكم؛ مع الحق حبًّا وإخلاصًا، وفي الخلق برًّا ومرحمةً. وانصروهم بإقامة العدل فيما بينكم؛ لعل كثيرًا من ظُلم عدونا لنا بتظالمنا فيما بيننا. وانصروهم بإعداد نفوسكم؛ كَفًا لها عن سفاسف الأمور، وحَمْلًا لها على معاليها. وانصروهم بأموالكم؛ ادَّخروا من أطيبها خيرًا لأمتكم، ولا تنسوا أن حملات المقاطعة مؤثرة جدًا لتدمير اقتصادهم، فلا تشتري منهم منتجًا أو سلعة، فبأموالك يصنعون رصاصة أو صاروخًا يقتلون به إخواننا في غزة وفلسطين. وانصروهم بقراءة التاريخ والاعتبار بسنن الله فيه، وفقه الواقع بدون تفريطٍ أو شططٍ. وانصروهم بإعداد أجسادكم؛ كلٌّ بما يقدر عليه من رياضةٍ، وصية رسولكم وأصحابه. وانصروهم بإعداد ما تستطيعون من قوةٍ علميةٍ وعمليةٍ؛ وإنَّ علمَ اليوم لعملُ غدٍ. وانصروهم بالتفقه في الاعتقاد والعبادات والمعاملات؛ كلٌّ بما يستطيع من وسيلةٍ. وانصروهم بالزهد في الدنيا؛ من اطمأن بها ملأ الله قلبه وَهَنًا، ونزع مهابته من قلب عدوه. وانصروهم بمعرفة الجاهلية؛ ثقافاتها وأوثانها وأنظمتها وقوانينها وسُبلها وأخلاقها. انصروهم بالدعاء الخالص والاستغاثة الصادقة؛ فالدعاء سلاح عظيم، قال رسول الله -ﷺ-: “لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاء”، فكيف يمكننا الاستخفاف بهذا السلاح العظيم، انصروهم بنشر قضيتهم في الناس؛ كلٌّ بما يحسن ويستطيع، وانصروهم بالاجتماع على قواعد الإسلام ومعاقده؛ وانصروهم بالضرب على يد الطغيان -حيث كان- بلا هوادةٍ؛ فاجتهد أخي المسلم وأختي المسلمة في نصرة إخوانك واعلم أن النصرة تتحقق بتحقيق سبيل واحد من كل هذه السبل، ولكن اجتهد وسدد وقارب،
الدعاء