خطبة عن (كيف نصل إلى منزلة اليقين بالله؟ وكيف نتربى عليه؟)
أبريل 20, 2016خطبة عن ( دلائل اليقين بالله وعلاماته)
أبريل 20, 2016الخطبة الأولى ( كيف يُختبر اليقين؟ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر (97 ) : (99)
إخوة الإسلام
من المواقف التي تتبين فيها مرتبة اليقين بالله تعالى : الموقف عند المصيبة: فمثلا : كثير من الناس يحسن الكلام عن الصبر، وعن الثبات، وعن الإيمان، وعن الجزاء الذي يعطيه الله عز وجل للصابرين في الدار الآخرة، وما أعد لهم من النعيم المقيم، ولكنه إذا وقعت له المصيبة؛ اضطرب وتحرك قلبه، فجزع، ولم يثبت ولم يصبر، وإنما كان متسخطاً على ربه تبارك وتعالى معترضاً على أقداره، وقد يقتل نفسه كما فعل ذلك الرجل الذي جاء ذكره في صحيح البخاري : (عَنْ سَهْلٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَنَظَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا » . فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، وَهْوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مُسْرِعًا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالَ « وَمَا ذَاكَ » . قَالَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ » . وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ » ، فمن كان متحققاً باليقين؛ فإنه عند المصيبة يكون رابط الجأش، ثابتاً، صابراً، حابساً للسانه عن التسخط، ولجوارحه عن فعل ما لا يليق من شق جيبٍ، أو لطم خدٍ، أو نحو ذلك مما يفعله من لا يقين عندهم، كما في صحيح البخاري ، يقول صلى الله عليه وسلم « تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا ) ، الموقف الثالث من المواقف التي تتبين فيها مرتبة اليقين : في حال الحاجة: فإذا احتاج العبد وافتقر إلى المخلوقين، إلى مَالِهِم في فقره ، أو احتاج إليهم في شيء من الأشياء في دنياهم، فإنه بذلك يختبر يقينه، فإذا كان قلبه يتلفت إلى المخلوقين، ويتطلع إليهم، ويتعلق بهم لينال ما عندهم؛ فإن قلبه لم يتحقق باليقين بَعْدُ. وأما إذا كان قلبه متوجهاً إلى الله وحده لا شريك له، لا يلتفت إلى أحد من المخلوقين، ولا يتعلق بهم؛ فإن هذا اليقين هو اليقين الكامل. ففي سنن أبي داود ، يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه قائلا « وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا ». قَالَ فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ. )، وفي سنن الترمذي بسند صحيح (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كيف يُختبر اليقين؟ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الموقف الرابع من المواقف التي تتبين فيها مرتبة اليقين في حال الغنى: فمن الناس من لا يصبر إذا أغناه الله عز وجل، فيصل به ذلك إلى الكفر، ولربما قال العبد: إنما أوتيته على علم عندي، وينسى أن الله عز وجل هو الذي أعطاه وأولاه، وأن الله عز وجل هو مالك الملك وأن العطاء بيده، وأن الكون ملكه بما فيه، قال تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(75)، (76) التوبة ، وها هي قصة أولئك النفر تبين ذلك كما في صحيح مسلم : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى الَّذِى قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ – أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَاقُ – إِلاَّ أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرُ – قَالَ فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا – قَالَ – فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا الَّذِى قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِىَ شَعَرًا حَسَنًا – قَالَ – فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ. فَأُعْطِىَ بَقَرَةً حَامِلاً فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا – قَالَ – فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ – قَالَ – فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ. فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا – قَالَ – فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي .فَقَالَ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ كَأَنِّى أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.قَالَ وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. قَالَ وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَ اللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِىَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ. ) فإذا أردت أن تكون متحققاً باليقين، وأن تعرف ذلك من نفسك؛ فلا تُمْسِ ولا تُصْبِح وفي قلبك أحد أحب إليك من الله، وإذا أردت أن تتحقق باليقين، وأن يكون ذلك وصفاً راسخاً ثابتاً في قلبك؛ فلا يكن أحد من المخلوقين أخوف عندك من الله . وبالتالي فإن صاحب اليقين لا يتعلق بأحد من الخلق لعطاء أعطاه، أو لجمال صورته، أو لغير ذلك، لا يتعلق قلبه به، ويلتفت إليه ليرجو ما عنده، ولا يخاف أحداً من المخلوقين، فيترك ما أمره الله عز وجل به، أو يتردد في التمسك بحبل الله جل جلاله من أجل الخوف من هذا المخلوق، فيكون صاحب اليقين ثابتاً، مرتبطاً بالله عز وجل في كل أحواله، فهو يرجو الله، ويؤمله، ويحبه، وهو أحب شيء إليه، كما أنه يخاف الله عز وجل ولا يراقب أحداً سواه .وفي صحيح مسلم (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ. ) ونواصل الحديث إن شاء الله
الدعاء