خطبة عن (سبحان الله) مختصرة
يناير 4, 2024خطبة عن (يَوْمُ الْفَصْلِ) مختصرة
يناير 4, 2024الخطبة الأولى (كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (25): (28) الطور
إخوة الإسلام
في الجنة العالية، وبين القطوف الدانية، والأنهار الجارية،جلس المؤمنون المكرمون ،يأكلون فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، والغلمان يطوفون عليهم كأنهم لؤلؤ مكنون، فأقبلوا يتحادثون، ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، ويتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والنصب، والخوف من سوء العاقبة، ويحمدون الله تعالى على زوال خوفهم، ورضوان ربهم ونجاتهم، فيقول بعضهم لبعض: كيف وصلتم إلى هذه المنزلة الرفيعة؟. فيرد بعضهم: إنا كنا في الدار الدنيا خائفين ومن عذاب ربنا مشفقين ،فتصدق الله علينا، وأجارنا مما كنا منه خائفين، فقد كنا من قبل ندعوه ونتضرع إليه أن يمن علينا بالمغفرة، ويتجاوز عن التقصير، فاستجاب الله لنا، وأعطانا سؤلنا: مغفرة وجنة نعيم، ووقانا عذاب السموم، إنه سبحانه لطيف بعباده، صادق فيما وعد، رحيم بالمؤمنين. فقال أحدهم لصاحبه: يا فلان! أتدري أي يوم غفر الله لنا؟. قال: يوم كنا في موضع كذا، فدعونا الله، فغفر الله لنا).
أيها المسلمون
وهكذا َتَتَجَلَّى سِعَةُ رحمة الله، وبِره بعباده المؤمنين، فِيمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي دَارِ كرامته يَتَنَعَّمُونَ بِجِوَارِهِ فِي بَحْبُوحَةِ دَارِهِ، يَقُولُونَ وَهُمْ فِيهَا فَاكِهُونَ؛ (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطُّورِ: 28]. فَاللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْبَرُّ بِعِبَادِهِ، الْعَطُوفُ عَلَيْهِمْ، الْمُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، يُوسِعُهُمْ خَيْرًا وَكَرَمًا وَفَضْلًا وَشُكْرًا وَإِجَابَةً؛ وَمَعَ عَظِيمِ بِرِّهِ بِعِبَادِهِ، ومَعَ كَمَالِ غِنَاهُ سبحانه عن خلقه: إلا أنه تعالى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ، وَإِنَابَةِ الْمُنِيبِينَ، فقد جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أنه صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا. فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ”
وقوله تعالى: (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ): فيه بيان أنه ما عُبد الله بمثل الخوف والحزن والشفقة والوجل منه، فهذا دليل على فهم المرء بحقيقة الدنيا، واستعداده لما يستقبل من أمور الآخرة. فالمؤمن العاقل يصبح ويمسي خائفا من سوء الخاتمة، ومشفقا على نفسه من العذاب، وحزينا على ما فاته. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} المعارج (27)، (28).
والمؤمن يشفق على أعماله أن ترد فلا تقبل، قال تعالى في وصف عباده المتقين: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} المؤمنون (60)، (61)، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الآيَةِ ( الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» فمن الغفلة والجهل المبين، أن يعيش الإنسان آمنا مطمئنا، وكأنه أخذ على ربه عهدا بدخول الجنة. فالله تعالى لم يصف عباده المؤمنين إلا بالإشفاق والخوف والوجل والحزن في الدنيا، حتى إذا دخلوا الجنة زال حزنهم وخوفهم وإشفاقهم ووجلهم، وتبدل خوفهم فرحا وأمنا، قال تعالى: {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) غافر (68) :(70)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ): فيه بيان بأن الدعاء من أرجى الأعمال عند الله تعالى، وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتأول القرآن فتدعو الله تعالى، فتقول: (اللهم قنا برحمتك عذاب السموم؛ إنك أنت البر الرحيم)، وفي سنن الترمذي: عَنِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الدُّعاءُ هوَ العِبَادةُ”. والدعاء، استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة ملهوف برب رؤوف، قال تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]. وعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا) [ابن ماجة]، وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) [مسند الإمام أحمد].
وليس شيءٌ أكرَم على الله عز وجل من الدّعاء، وأعجَزُ الناس من عجَز عن الدعاء، ولا يردّ القدرَ إلا الدعاء، فارفَعوا أَكُفَّ الضراعةِ، وادعُوا الله بصدقٍ، وفي سنن الترمذي: (عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ، إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ” ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.)
الدعاء