خطبة عن (الْوَرَعُ)
أكتوبر 21, 2024خطبة عن حديث (الأَعْمَالُ سِتَّةٌ وَالنَّاسُ أَرْبَعَةٌ)
أكتوبر 23, 2024الخطبة الأولى (كُونُوا أَئِمَّةً لِلْمُتَّقِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (73) الأنبياء، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (74) الفرقان
إخوة الإسلام
إن الإمامة في الدين: هي قول باللسان، وتضرع إلى الرحمن، وتصديق بالحال والأفعال، فكم من بيت صالح عمّ صلاحه من حوله، فأصبح مشعلا للخير والدعوة، ومثالا وقدوة ونموذجا يحتذى به، وتزدان مجالسه بالآداب الفاضلة، ومكارم الأخلاق، والكلمة الطيبة،
وربما يظن ظان أن هذا الوصف: {لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} بعيد المنال، وأنه يختص بأناس دون آخرين، وأنه يتطلب العلم الغزير، والأمر خلاف ذلك، فبعض الناس قد يبلغ بصدق نيته، وحسن خلقه، من التأثير في الناس، ما لا يبلغه من يفوقونه علما وفقها، قال الحسن البصري (رحمه الله): “من استطاع منكم أن يكون إماماً لأهله، إماما لحيه، إماماً لمن وراء ذلك، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك منه نصيب”،
فليس شرطاً أن تكون إماماً في محراب الصلاة، ولكن يُمكنك أن تكون إماماً في مجالات شتى، في مجال العلم الديني، والأخلاق، والحياة، (فالصانع ،والزارع، والتاجر، والحرفي، والعامل، والموظف، والمعلم، والشرطي، والقاضي، والمهندس، والطبيب.. وغيرهم)، كل أولئك باستطاعتهم أن يكونوا أئمة في مجالاتهم، وقدوة حسنة في مهنتهم ومجتمعهم.
كما يمكنك أيها المسلم أن تكون إماما في أخلاقك، وزهدك، وتعبدك لله، إماما في الورع والتقوى، إماما في الاخلاص والتوكل واليقين، إماما في مراقبتك لله، وفعل الخيرات، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (73) الأنبياء،
فكن إماما في حالك مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتك وأسوتك, فاجعله لك القائد والمرشد, فبسنته تهتدي, ولطريقه تسلك وتلتزم , وعلى سننه تواظب, وبأخلاقه تتجمل , ولآل بيته وزوجاته وعشيرته وأصحابه مقتفي,
ويمكنك أن تكون إماما للمتقين: أن تكون إماما في حبك للصلاة، والمحافظة عليها، فتنهض إليها مسرعا، ولأركانها مؤديا، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلاَتَهُ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا قَالَ «لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا». وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا».
وفي وسعك أن تكون إماما للمتقين: بأن تكون إماما في أخلاقك، ففي سنن أبي داود: (عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» وفي صحيح البخاري: (إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا»، وفي سنن أبي داود :(عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ»، وفي سنن البزار: (عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ :خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا، أَحْسَبُهُ قَالَ: الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا). وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ»
وفي استطاعتك أن تكون إماما للمتقين: بأن تكون إماما في كثرة ذكرك لله تعالى: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (41)، (42) الأحزاب، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ». قَالُوا بَلَى. قَالَ «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى». فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضى الله عنه مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ). وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ « سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ». قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ».
ولتكون إماما للمتقين: كن إماما في وظيفتك وعملك وحرفتك: قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105) التوبة، وفي صحيح البخاري: (عَنِ الْمِقْدَامِ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، فأد عملك بإخلاص واتقان، ولا تأكل أموال الناس بالباطل ،بالرشوة والغش والخداع وغيرها، وكن أمينا وقدوة في مجال عملك، ومحبوبا من زملائك، ومحترما لرؤسائك، وتذكر دائما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في المعجم: (إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)،
وفي وسعك أن تكون إماما للمتقين: بأن تكون إماما في بيتك: فتسمّ الله عند دخولك وخروجك، وعند طعامك وشرابك، وتكن مع الأهل كريما بأخلاقك، فتشاورهم، وتتحبب اليهم ،فما خاب من استشار، وعاملهم بالإحسان، وكن لينا هينا، فالرفق ما كان في شيء الا زانه ،وما نزع من شيء إلا شانه، وكن لهم بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولكل خير داعيا ومربيا، مستشعرا قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6) التحريم
وفي وسعك أن تكون إماما للمتقين: بأن تكون إماما في معاملتك لجيرانك، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (36) النساء، وفي الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»، فلا تؤذ جيرانك، وأحسن إليهم، وخذ بنواصيهم الى البر والتقوى ما استطعت لذلك سبيلا، ولا تتجسس عليهم ولا تفش أسرارهم، وشاركهم في طعامك، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ». وحافظ على بناتهم وزوجاتهم، ففي صحيح البخاري: (أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» . قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»، وفي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»
وفي وسعك أن تكون للمتقين إماما في الاصلاح بين المتخاصمين، والتقريب بين المتباعدين والمتشاحنين، وإصلاح ذات البين، ففي صحيح البخاري: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ – رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِذَلِكَ فَقَالَ «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ». قَالُوا بَلَى. قَالَ «صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ». ولأهمية الإصلاح بين الناس، أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الكذب للإصلاح بين المتخاصمين، كأن يذكر الذي يصلح على لسان أحد المتخاصمَين مدحاً لخصمه وثناء عليه، من غير أن يكون هذا قوله حقيقة، ففي سنن الترمذي: (عن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا»
وفي وسعك أن تكون للمتقين إماما بتلقيك للعلم، وتبليغه للآخرين، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ». وفي سنن ابن ماجه: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ». وفي سنن الترمذي: (قَالَ «إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ»، وفيه أيضا :(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كُونُوا أَئِمَّةً لِلْمُتَّقِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وبإمكانك أن تكون للمتقين إماما بقضاء مصالح الناس، وأن تمشي في حاجاتهم، ففي صحيح البخاري: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.
وهكذا فبإمكانك أن تكون للمتقين إماما في المجال الذي تحسنه، والعمل الذي تتقنه، بشرط أن تخلص عملك لله، وتكون متبعا ومهتديا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الدعاء