خطبة عن ( إذا الإيمان ضاع فلا أمان)
يوليو 1, 2017خطبة عن ( اسم الله : الْبَرُّ )
يوليو 1, 2017الخطبة الأولى ( كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (14) الصف
إخوة الإسلام
يبين الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين أن سبيلَ النَّصر والعزِّ والتمكين واحد، وهو نصرة دين اللَّه – تعالى – فكما نصره السابقون الأولون، فنصرهم اللَّه – عزَّ وجلَّ – نصرًا مؤزرًا، وأظهر بهم دينه على الدِّين كله، وما النصر إلا من عند اللَّه العزيز الحكيم، يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، ويؤيد بنصره من يشاء، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. وقوله سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ ) يعني كونوا من أنصار دين الله ، وكونوا من أتباع الشرع ، ودعاة الحق ، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فأنصار الله ،هم أنصار دينه ، والدعاة إليه ، وحماته حتى يظهر بين الناس، وحتى يلتزمه الناس ؛ كما قال – عز وجل-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [(7) محمد]. وتنصروا الله أي تنصروا دينه وشريعته، وما أمر به ، وتنصروا ترك محارمه ، وهكذا قوله سبحانه : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) [(41) الحـج ]. ونصر الله أيضا ، بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله – عز وجل – ، وإقامة الجهاد في سبيل الله ، وردع المبطلين عن باطلهم ، وإقامة الحدود عليهم ، إلى غير ذلك ، فهذا كله من النصر لدين الله ، ونأتي إلى هذا السؤال : كيف نصر المؤمنون السابقون دين اللَّه؟ ، لقد قام المسلمون الأولون بنصر دين اللَّه ونصر رسول اللَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – خير قيام حتى حقق اللَّه وعده، فنصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، وكان أول من قام بهذه النصرة لدين اللَّه المهاجرون الأولون، ثم الأنصار، فقال اللَّه – عزَّ وجلَّ – عنهم – وكفى باللَّه شهيدًا -: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 8 – 9]، ولهذا فلا سبيل لنا لتحقيق النصر إلا بمتابعتهم بإحسان، وإحياء منهجهم، وإعزاز دين اللَّه باقتفاء أثرهم وإعلان محبتهم والترضِّي عنهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على من هم أنصار الله ، وكيف حقق المؤمنون السابقون ذلك ، فكيف نحقق نحن اليوم هذا النصر؟فإنَّ أول سبيل لتحقيق النَّصر هو سبيل الإيمان باللَّه – تعالى – : فلا سبيلَ لتحقيق النصر إلا بالإيمان بتجريد توحيد اللَّه – عزَّ وجلَّ – ربًّا خالقًا رازقًا مدبرًا لأمر هذا الكون، وهذا هو توحيد الربوبية. وبتوحيد اللَّه – عزَّ وجلَّ – بأسمائه الحسنى وصفاته العُليا، والتعرف على اللَّه من خلالها دون نفي أو تحريف وتعطيل، ودون تَمثيل ولا تكييف، بل إثبات ما أثبت اللَّه لنفسه من أسماء وأوصاف، والتعبد للَّه – سبحانه وتعالى – بمقتضى هذه الأسماء والصفات، دون تَمثيل ولا تكييف؛ لأنَّه سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. ومن وسائل تحقيق النصر: متابعة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: فلا سبيل للنصر إلا بالاستجابة للَّه ولرسوله، وبمتابعة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – في أقواله وأفعاله وتقريره، بل وفي تركه، وبالسير على منهج السَّلف الصالح الذين حقَّقوا الإيمان والمتابعة، فكانوا بحق أنصارًا للَّه – تعالى – وحقق اللَّه النصر بأيديهم وبجهادهم، حتى رَضِيَ اللَّه عنهم ؛ ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]. فإن متابعة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بإحياء سنته نصرٌ لدين اللَّه ونصر لرسول اللَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – وسبيل للوصول إلى رضوان اللَّه – عزَّ وجلَّ – فإن تخلينا عن هذا كله، وتولَّينا وأعرضنا، نصر اللَّه دينه ونصر رسوله، وجاء بقوم غيرنا يُحبهم ويُحبونهم يُحقق بهم هذا النصر؛ ولهذا فإنه – تعالى – يقول لعباده المؤمنين: ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، ويقول أيضًا: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]، ويقول تعالى معاتبًا كل من يتخلف عن نصرة نبيه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]. وأعظم ما يُتابع عليه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنْ يتابع في أمور الإيمان والعقيدة السليمة التي جاء بها ودعا إليها، وترك ضلالات المضلين من الفلاسفة والمتكلِّمين الذين خاضوا في صفات ذي الجلال والإكرام، وفي قضائه وقدره وحكمته، ووعده ووعيده بعقولهم الفاسدة وقواعدهم المُنحرفة، تاركين منهج الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – الذي أرسله ربه بالهدى وبالعلم النافع ودين الحق الواضح. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]؛ ولهذا نزه اللَّه – سبحانه – نفسه عن مناهج المضلين، وأثنى على منهج الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد حثنا النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – على اتِّباع منهجه وسنته عند كثرة الاختلاف وشيوع الضَّلال؛ لأنَّ العصمة في هذا الاتباع، ففي مسند أحمد (قَالَ عِرْبَاضٌ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ » ، وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » ، ومن وسائل تحقيق النصر : توحيد الصف والجهاد في سبيل اللَّه: فلن يحقق اللَّه لهذه الأمة النصر والظهور إلا إذا توحدت على منهج الحق، وتركت مناهج أهل البدع والضلال، وجندت نفسها للدعوة إلى اللَّه والجهاد في سبيل اللَّه، فإنَّ هذا هو سبيل الفوز والنجاة وتحقيق النصر المبين. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الصف10: 13 ، ولن يتحقق هذا بمجرد الأمنيات ورفع الشعارات، وإنَّما يتحقق بالعمل الجاد الدؤوب؛ لتبصير المسلمين بمنهج أهل الحق أهل السنة والجماعة، والعمل على إحيائه والالتفاف حوله، وإعلان المجاهدة للنفس الأمَّارة بالسوء وللشيطان الرجيم، وللبدع والضلالات وللشرك والمشركين.
الدعاء