خطبة عن ( عقبات في طريق الدعوة إلى الله )
يناير 27, 2018خطبة عن ( لأنك أنت الله )
يناير 28, 2018الخطبة الأولى (هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) الحشر ، في الصحيحين البخاري ومسلم : أن(ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ – أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ – »
إخوة الاسلام
( هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) : إنه الله جل جلاله ، فهو سبحانه وتعالى ، يشكر عبده على ما قدم من عمل صالح، وهو سبحانه يأمرك بهذا العمل الصالح الذي فيه صلاح دنياك وآخرتك، فإذا عملته، يكون سبحانه المستحق لشكرك، لأنه يسره لك، وأصلح حالك به، ولكنه بكرمه هو من يشكرك عليه! فهو سبحانه إذا أعطاك أدهشك، وإذا أكرمك أذهلك.. ومن ذا الذي لم يعطه العظيم ويكرمه الكريم؟ نحن في كل لحظة من حياتنا بل في كل جزء من اللحظة نستقبل ما لا يمكن إحصاؤه من العطايا والهبات! فالصحابة الذين بذلوا أرواحهم وأعمارهم وأموالهم نصرة للدين شكرهم الله بأن جعل الكلام فيهم من علامات النفاق، ورضي عنهم وضاعف أجر أعمالهم، وجعلهم خير القرون وقال الله فيهم: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الفتح 18، وكل هذا شيء من شكر الله لما قاموا به من تصديق وجهاد وبذل. فكما يشكر الكريم من عمل معروفاً، فكذلك سبحانه وله المثل الأعلى يشكر شكراً يليق بكرمه وعزته وعظمته، فهو لا يشكر الأعمال العظيمة فقط بل حتى مثقال الذرة منك يشكره وينميه، قال تعالى : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) الزلزلة 7، فهو سبحانه قد أدخل امرأة الجنة بشق تمرة، وبغياً بأن سقت كلباً، وثالثاً كل حياته ذنوب فأمر أبناءه أن يحرقوه ويذروه بعد موته خوفاً من أن يعذبه الله، فأدخله الجنة بأن خاف منه، ورابعاً ليس له إلا حسنة واحدة لأنه تصدق بها على صاحبه، وخامساً قتل مئة نفس! لأنه هاجر إليه.. ومن شكره سبحانه أن يعجل بثواب المتصدق، فيرزقه بركه ويغدق عليه من نعمه، ويخبرنا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: « لاَ يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلاَّ أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ ». أما إن سألت عن أعظم خير يمكنك فعله، فهو أن تسلم وجهك لله، أن تحيا مسلماً، وتعبد الله مسلماً، وتعامل الناس مسلماً، وتنظر وتتكلم وتشعر مسلماً، ثم تموت مسلماً! سئل الإمام أحمد: من مات على الإسلام والسنة مات على خير؟ فقال له: اسكت، بل مات على الخير كله! وقيل لأعرابي: إنك تموت! فقال ثم إلى أين؟ قيل إلى الله! فقال: كيف أكره أن أقدِم على الذي لم أر الخير إلا منه؟
أيها المسلم الموحد
( هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) : إنه الله جل جلاله ، فهل شعرت يوما أنك محتاج إلى من يجبر خاطرك ، ويطيب نفسك ، ويلم شعثك ، ويقوي ضعفك وانكسارك ؟!، فإن من أسماء الله تعالى : الجبار ، ومن معاني الجبار: أنه يجبر أجساد وقلوب عباده، وقد سمى نفسه بالجبار، ليعلّم عباده أنه هو القادر على جبرها فيلتجئون إليه. وعليك أن تتخلق بهذا الاسم ، فإذا رأيت منكسراً فاجبر كسره، وكن أنت الذي يستخدمك الله لجبر الكسور، فلا تنم وجارك جائع، ولا تضحك وأخوك يبكي، ولا تنعم بدفء بيتك وهناك من هدهدت رياح الشتاء أبدانهم الضعيفة ، وكن النافذة التي يتسلل منها الهواء الشفيف على النفوس التي خنقتها أدخنة الحياة الصعبة، تخلّق بخلق الجبر، كن اليد العليا. يزور النبي ﷺ اليهودي المريض! ، ويكنس أبو بكر رضي الله عنه بيت العمياء ويطبخ لها طعامها! نعم إنه الله جل جلاله ، فهل شعرت لحظة أن عقلك أعجز من أن يحدد لك الصواب من الخطأ، وهل تزاحمت في عقلك مميزات فتاتين لا تدري أيهما تتزوج؟ بل هل تعبت من دروب الضياع وتريد أن يمن الله عليك بأن يدلك على طريق النور والهداية؟ إذاً فأنت تحتاج إلى أن تتعرف على هذا الاسم العظيم، وأن تسترشد باسمه الهادي سبحانه ليوقف في نفسك جيوش الحيرة ويهديك إلى السراط المستقيم! فالهادي هو سبحانه الذي يهديك، فيحرف مسارك عن الضلالة إلى الرشد، وعن الغواية إلى الطريق الأقوم ، يهديك بما تظنه صدفة: يهديك بآية تسمعها في صلاة، ويهديك برؤيا تراها، ويهديك بنصيحة عابرة، ويهديك بكلمة تقع عينك عليها في كتاب، ويهديك بومضة غير مسبوقة بتفكير، ويهديك بظروف تدفعك إلى الصواب، ويهديك بالخوف، ويهديك بالحب، ويهديك بالموت! ، وأما سماع القرآن فأصل الهدايات، ومن أعظم ما جعله الله سبباً لهداية عباده، فقد ضمّن فيه كل أسباب الهداية والرشد، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الاسراء 9، فيستحيل على عاملٍ بما في القرآن أن يصاب بزيغ أو انحراف أو نكوص! والهادي قد يهديك ثم لا تقوم بواجب تلك الهداية من شكر وعمل بمقتضاها فيسلبها منك، مثل ذلك الرجل الذي آتاه الله آياته ، قال تعالى: (آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الاعراف (175) ، وقد يهديك فتشكره وتعمل بمقتضى الهداية فيمن عليك بهداية أخرى فتشكره وتعمل بمقتضاها ثم يفضل عليك بهداية ثالثة ورابعة، ويجعل حياتك هدايات يمسك بعضها ببعض. فهؤلاء فتية الكهف.. هداهم الله الهادي بأن جعلهم مؤمنين، ثم هداهم أيضاً بأن جعلهم صابرين على إيمانهم، ثم هداهم بأن دلهم على طريق النجاة، ثم هداهم بأن هيأ لهم حالاً أنجاهم بها، بأن ضرب على آذانهم في الكهف سينين عددا، قال عنهم الله سبحانه: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) الكهف 13، ومن أعظم هداياته إعادة خلقه إليه، ودلالة التائهين عليه، وفتح أبواب التوبة لمن أذبل أرواحهم خريف الحوبة ،والعبد صاحب الروح المرهفة يستنبط هدايات الله سبحانه، ويعلم أن الكون مربوب له سبحانه، وأن الله سبحانه قد يهديه بأي شيء في كونه، وقد يضله والعياذ بالله بأي شيء في كونه! ولن يضل سبحانه إلا من أغلق قلبه عن الهدى ودين الحق.
أيها المسلم الموحد
إنه الله جل جلاله ، فإذا كنت قد تعبت من ذنوبك وخطاياك وشعرت أن شؤمها قد نغص عليك حياتك، وأن ظلاماً وقتامة قد أطفأت في عينيك بهجة أيامك ولياليك، وأنك ما عدت تستلذ بصلاتك، ودعائك، وعبادتك، فاعلم أن الوقت قد حان لتدلف إلى عالم الأنس والمغفرة، متلمساً معاني الغفران والتجاوز في اسم الله: الغفور ، لأن بلاء الروح بالذنب أعظم بكثير من بلاء الجسد بالمرض، روحك تأن تحت وطأة العصيان، نعم قد يكون جسدك استلذ لحظة المعصية، لكن روحك تجأر إلى الله! ،ولو لم يكن هناك جنة ولا نار، الذنوب وحدها جحيم، وحميم، وعذابٌ أليم! هل تعلم أن كل مصيبة من مرض أو وهم أو حزن أو ألم هي بسبب معاصيك؟ اقرأ قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى (30) ، فالإحساس بالذنوب وهي تحيط بك يجعل روحك تأن، وأفكارك تميل إلى اللون الأسود، وكلماتك متوترة جداً، فإذا ما اقتربتْ منها: أستغفر الله احترق الأنين والسواد والتوتر. فقد سمى نفسه بالغفور لأنك بلا مغفرة ستحترق، ستلتهمك الغصص، ستشعر بالاختناق الحقيقي، ستدمن البكاء ،وإذا ظننت أن ذنبك أعظم، اسمع لربك الذي يعلم كل ذنب سيقترفه عباده من لدن آدم وحتى قيام الساعة، يعلم بتفاصيل تلك الذنوب وخطواتها وشناعة أمرها: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 53،، والمهم هو أن تسبق (أستغفر الله) بالإقلاع عن الذنب، أن تتوقف.. فكيف تقول: اغفر لي خطئي، وأنت عاكف على الخطأ؟ ،كيف تُمسح معصيتك، ثم تعود لكتابتها من جديد؟، ولكن عليك أن تتوقف.. واجعل (أستغفر الله) صادقة، تستحق أن تُفتح لها أبواب السماء. والمغفور لهم.. تدمع عيونهم ولكنهم لا ييأسون من رَوح الله أبداً.. ينامون بالليل في طمأنينة، لأن أغرب توقع هو أن يموتوا؟ وماذا لو ماتوا؟ إنهم بلا ذنوب تجعل الموت شبحاً مرعباً ،ألست مشتاقاً لأن تجد الله غفوراً رحيماً؟ استغفره إذن! فالغفور عَلِم أن الذنوب ستفسد عليك حياتك، ستقهر روحك، ستجعل الليل وحشة والنهار ملل، وتفاصيل الحياة وهم، والنوم اختناق، والوحدة بكاء، فقال لك: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ) المائدة 74، فهو سبحانه الغفور ، الذي يغفر دائماً.. ويغفر بكرم، ويغفر ما لا يغفره بشر! ،يغفر ما بين الصلاة والصلاة، وما بين العمرة والعمرة، وما بين رمضان ورمضان، وما بين الحج والحج إذا ما اجتنبت الكبائر! ويغفر ما لا يغفره البشر: فيغفر ذنوب بغيٍّ كل حياتي ذنوب ومعاصٍ بأن سقت الكلب ماء! وأهل بدر اطلع عليهم ربهم وقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إنه الله جل جلاله ، أتشعر بالوحشة؟ هل خذلك صديقك؟ هل تحس أن بينك وبين أعز الناس حجاباً مستوراً، فلم يعد يفهمك كما كان؟ هل روحك تأن شوقاً إلى حبيب تبث إليه لواعجها؟ لماذا لا تنصرف إلى الذي لا يجفو من أتاه متقرباً؟ ، فالله هو القريب ، وهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو الذي ستغدو حياتك أنساً وسعادة معه، ففي الوقت الذي يريدك أن تعلم أنه على العرش استوى، يريدك أن تتيقن أنه أقرب إليك من حبل الوريد! ، تضيع دابّة أحدهم فيمشي مبهوتاً فيراه إبراهيم بن أدهم فيسأله فيقول: ضاعت دابتي، فيقف إبراهيم ويقول: يا الله، لن أمشي خطوة حتى تعيد لهذا دابته، فإذا بها تظهر من منحنى الطريق! ويخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، ويذهب ليطرق بابَ أٌبي بن كعب، فيخرج أٌبي، فإذا برسول الله يخبره: أمرني الله أن أقرأ عليك الفاتحة، يقول أٌبي بذهول: وسمّاني؟ فيقول نعم، فيبكي أٌبي! فلا تتوهم أنه بعيد، أو أنه تخفى عليه منك خافية، فأقرب ما تكون إليه وأنت ساجد، تتمتم بـ (سبحان ربي الأعلى)، فإذا بالسموات تتفتح لتمتمتك، وإذا بالجبار يسمعك! وقربه سبحانه وتعالى قرب علم وقرب سمع وقرب بصر وقرب إحاطة، لا قرب ذات، لأن ذاته العلية منزهة عن مثل هذا القرب ، فينزل سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ». وتأتي امرأة تجادل في زوجها، وعائشة رضي الله عنها في طرف البيت تقول إنها تسمع كلمة وتغيب عنها كلمة، وبعد ذلك الجدل ينزل جبريل على محمد ﷺ أن:(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) المجادلة 1، فيا له من قرب عجيب، وعلم عظيم، وسمع محيط، وبصر نافذ.. إنه القريب ، فقط حرّك شفتيك بذكره، تتفتح أبواب السماوات لصوتك. لقد كان يونس عليه السلام في بطن الحوت ينادي:(لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء 87، فكان الصوت الضعيف المنطلق من الظلمات الثلاث يخترق أجواز الفضاء لتسمعه ملائكة السماوات فتقول للرب سبحانه: صوتٌ معروف، من مكانٍ غير معروف! ففي الصحيحين : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ) ، ،فلأنه قريب، فقط قل يا الله، يكون الرد بأن يذكر اسمك! فما أجل أن تتخيل أن ملك الملوك في هذه اللحظة يقول اسمك! يقول: عبدي فلان بن فلان يذكرني! ، فهو قريب ، ولا تحتاج حتى تصل إليه إلا أن يخطر ببالك، أن تشعر بقربه، أن تحس بأنه يراك، ثم تقول: يا الله.. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) البقرة 186، وهذا القرب علاوة على أنه يجعلك تحبه، وتأنس به وتخشاه، إلا أنه فوق ذلك يجعلك تدمن على استغفاره والتوبة إليه، فالقريب من جهة يستحق أن يُستغفر ويتاب إليه، لأنه بقربه اطلع على كل غدراتك وفجراتك، ومن جهة أخرى فهو قريب قرباً يجعل استغفارك وتوبتك ناجعة، فلن يغفر لك إلا من سمع استغفارك ولن يتوب عليك إلا من علم توبتك، فهو القريب المجيب، وبعد كل هذا تأمل قوله سبحانه وتعالى :(فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) هود 61،
الدعاء