خطبة: من دروس الهجرة (الأخوة في الله)
يوليو 15, 2023خطبة عن (من دروس الهجرة: الثبات على المبدإ)
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى ( لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده (عَنِ ابْنِ السَّعْدِىِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتَلُ ». فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ وَالأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ وَلاَ تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِىَ النَّاسُ الْعَمَلَ » ، وفي مسند أحمد وغيره (قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ الأَرْضِ – قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ لَخِيَارُ الأَرْضِ – إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ فَيَبْقَى فِي الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ الأَرْضُ وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ».
إخوة الإسلام
إذا كانت الهجرة من مكة إلى المدينة قد توقفت بعد فتح مكة ، وبعد دخول الناس في دين الله أفواجا ، إلا أن الهجرة إلى الله باقية ما لم تطلع الشمس من مغربها ، وكما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زالت هجرة الجهاد في سبيل الله باقية ، ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ( لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا »،فجهاد المسلمين في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم ،وصدُّ هجمات الكفار العسكرية والفكرية والسياسية والاقتصادية، والوقوفُ أمامها بحزم وترصد، ومواجهتُها بالحجة والبرهان لا ينقطع، وكذلك الهجرة لا تنقطع ، وأيضا من أنواع الهجرة الباقية : هجر الذنوب والمعاصي ،والتوبة والأوبة والرجوع إلى الله ، فيجب على المؤمنين أن يفروا إلى الله في كل لحظة ،قال الله عز وجل: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات(50) ، وفي مسند أحمد (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ وَالأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ وَلاَ تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِىَ النَّاسُ الْعَمَلَ » ، فالهجرة مستمر من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان ، وهي تَلزَم المسلمين في كل زمان ومكان، ومن أنواع الهجرة الباقية : الجهاد في سبيل الرزق وطلب العيش والكدح على النفس والأهل، وتوفير سبل العيش الكريم لهم من كسب حلال طيب، فعن مجاهد قال: “قلت لابن عمر إني أريد أن أهاجر إلى الشام، قال لا هجرة ولكن جهاد، فانطلِق فاعرض نفسك فإن وجدت شيئا وإلا رجعت” ، ومن أنواع الهجرة الباقية : جهاد النفس وتزكيتها بالإيمان وحصرها عن المنكرات والرذائل، وهجر وساوسها وهواجسها، وقمعها ومنعها وردها إلى فطرتها وأصل خِلقتها، روى الترمذي في سننه (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ » ، ومن أنواع الهجرة الباقية : هجر رفقاء السوء وقرناء الغفلة والمعاصي، وخِلاَّن الرذيلة والمنكر، وصُحبة الصالحين المربين المجددين للدين والإيمان، والالتحاق بركب الصالحين الذين تظهر عليهم علامات الصلاح وسمات الاستقامة، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة (119) ، وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ». ومن أنواع الهجرة الباقية : هجر الظالمين الذين لا يقبلون الإسلام ولا ينتصحون، وهجر مخططاتهم ومناهجهم وبرامجهم المعارضة للإسلام المبعدة له عن واقع الحياة، المسببة في الذلة والاستسلام والانهزام والتبعية، وترك الميل والركون إليهم وموالاتهم، وهجر السكوت عن جرائمهم وحربهم الشعواء على الإسلام واستضعافهم وإقصائهم للمسلمين الصادقين، وهجر أنظمتهم الفاسدة وتكتلاتهم الضالة وأحزابهم العلمانية التي أظهر الواقع أنها تطمس الدين، وتخذل المسلمين وتوالي الكافرين، وتعادي الصادقين وتعمِّي على برامجهم ومشاريعهم، قال الله عز وجل: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) هود (113) ، وقال الله لرسوله الكريم آمرا له بترك الكافرين: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (10) المزمل ، ومن أنواع الهجرة الباقية : هجرُ الراحة والخمول والتقاعس والبخل والترف، إلى التضحية من أجل هذا الدين بالنفس والمال والأهل، واستلهام روح الامتثال والتضحية والبذل التي كانت تميز الصحابة في كل مرحلة من مراحل الإسلام، واقتداء بالصحابة الذين خدموا الإسلام بكل ما يملكون، ومن أنواع الهجرة الباقية : هجر التفرق والتمزق والتشتت والاختلاف الظاهر على المسلمين إلى الائتلاف والوحدة والتعاون، والوقوف صفا واحدا في وجه الأعداء الذين يواجهوننا متوحدين، وكذلك هجر كل ما يقطع الرحم ويباعد المسلمين ويشتت وحدتهم ويمزق صفهم ويفرق كلمتهم، قال الله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) آل عمران 103 ، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (4) الصف ومن أنواع الهجرة الباقية : هجرة الغفلة وترك الابتعاد عن الله ،إلى ذكره وشكره ، وعدم الفتور عن ذلك باللسان وبالقلب سرا وجهرا ليلا ونهارا، قياما وقعودا وعلى الجنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (41) ،(42) الأحزاب
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
على المؤمنين أن يهاجروا إلى الله ، وأن يتوبوا إلى الله توبة صادقة وينكسروا بين يديه خشوعا وتذللا، وينهضوا متعاونين لمعانقة وعده، ووعده الحق، موقنين بالفتح والنصر ،ومهاجرين أوضاعهم السيئة على جميع الأصعدة، التربوية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية، واعلموا أن الهجرة هجرتان: الأولى هجرة قلبية: وتكون بالهجرة إلى الله –تعالى- بعبادته وحده لا شريك له، وفعل أوامره، واجتناب مناهيه وزواجره، وإلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- باتباعه، وفعل ما به أمر، وترك ما عنه نهى وزجر، كما قال صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ” رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وهذه الهجرة ملازمة للمسلم طُوال حياته لا يتركها أبدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم –كما سبق-: “لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا”. والهجرة الثانية: هجرة بدنية وهي تتضمن الهجرة القلبية وهي الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وتجب عند الحاجة إليها إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه في بلاد غير المسلمين ، قال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (النساء: 100).
الدعاء