خطبة عن (عودة فتح المساجد أمام المصلين
يونيو 7, 2020خطبة عن حديث (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
يونيو 13, 2020الخطبة الأولى ( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن : (عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يحذرنا فيه صلى الله عليه وسلم من الخديعة والمن ، والبخل ، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أي دخولا أوليا (خِبٌّ) أي خداع ، يفسد بين الناس بالخداع (وَلاَ مَنَّانٌ) أي يمن على الفقراء بعد العطاء ،أو من المن بمعنى القطع لما يجب أن يوصل ، وقيل لا يدخل الجنة مع هذه الصفة ،حتى يجعل طاهرا منها ،إما بالتوبة عنها في الدنيا ،أو بالعقوبة بقدرها تمحيصا في العقبى ، أو بالعفو عنه تفضلا وإحسانا ، وقال القرطبي رحمه الله:” المنُّ غالباً يقع من البخيل والمُعجب, فالبخيل تعظم في نفسه العطية ،وإن كانت حقيرة في نفسها, والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة ، وأنه مُنعم بماله على المُعطَى, وإن كان أفضل منه في نفس الأمر, وموجب ذلك كله الجهل , ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه, ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ ، لما يترتب له من الفوائد”. فالمن كبيرة من الكبائر، وهو يستجلب غضب الله سبحانه ،ويستحق المانّ الطرد من رحمته جل وعلا، وهو يوغر الصدور ،ويحبط الأعمال ،وينقص الأجر ،وقد يذهب به بالكلية ، ويحرم صاحب هذه الآفة من نعمة نظر الله وكلامه معه يوم القيامة . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَلاَ بَخِيلٌ. ) فالبخيل هو من يمنع الواجب من المال ، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من البخل ، ورغبنا في الانفاق والجود والسخاء والكرم ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِىٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ » رواه الترمذي. وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من البخل ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَدْعُو « أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ » ، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يَجتمع الشحُّ مع الإيمان في قلب مسلم؛ ففي مسند أحمد ، وسنن النسائي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخِرَيْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَلاَ يَجْتَمِعُ شُحٌّ وَإِيمَانٌ فِي قَلْبِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ » ، وعن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلَقَ الله جنَّة عدن بيده، ودلَّى فيها ثمارها، وشقَّ فيها أنهارها، ثم نظر إليها فقال: قد أفلح المؤمنون، قال: وعزَّتي لا يُجاورني فيكِ بخيل) رواه الطبراني
أيها المسلمون
وللبخل أنواع وصور متعددة في حياتنا ومنها : بخيل المال: فالمال عصب الحياة النابض، اختبر الله به بني آدم، فمَن أدَّى حقَّه نال مِن الله البشارة، ومَن منَع حقَّ الله فيه كان عليه خسارة، وهذا الذي يمنع نفسه من التنعُّم بنعمة المال يظنُّ أنه سيُخلِّده في الأرض، وهو لا يعلم أنه سيتركه للأهل والخلان، ويُعذَّب به يوم القيامة. قال بعضهم: مسكينٌ البخيل؛ يجمع عذابه بيديه ويحرم نفسه منه في الدنيا؛ قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 35]. من هنا جاء الوعد والوعيد لمن يبخل بالمال عن الفقراء والمحتاجين ،بخلاف المُنفق الذي يبتغي وجه الله فيه؛ فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ – وَقَالَ الآخَرُ فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ – أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ أَوْ مَرَّتْ وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ قَلَصَتْ عَلَيْهِ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ ». قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ يُوَسِّعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ. ومن هنا كان الحث الإلهي على الإنفاق وعدم البخل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]. ومن صور البخل في حياتنا : بخيل الماء: فالماء سر الحياة وأصلها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]، من أجل ذاك كان الماء ملكًا عامًّا يشترك فيه كل الخلائق؛ ففي سنن ابن ماجه وغيره (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِى ثَلاَثٍ فِى الْمَاءِ وَالْكَلإِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِى الْمَاءَ الْجَارِىَ. فمن بخل به عوقب أشدَّ عقاب يوم القيامة؛ ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ ، إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ ، وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِىَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ ، فَأَخَذَهَا ، وَلَمْ يُعْطَ بِهَا » ، ومن صور البخل في حياتنا : بخيل السلام: فالسلام: فإلقاء السلام من حق المسلم على أخيه المسلم ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ » ، فالمبادرة بالسلام من السنن التي قرر العلماء أنها أعظم أجرًا من فرضها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ عنه: « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ ». فمن البخل أن يبخل المسلم على أخيه بعدم رد السلام أو إلقائه عليه ،ففي مسند أحمد وغيره (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ لِفُلاَنٍ فِى حَائِطِى عَذْقاً وَإِنَّهُ قَدْ آذَانِى وَشَقَّ عَلَىَّ مَكَانُ عَذْقِهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « بِعْنِى عَذْقَكَ الَّذِى فِى حَائِطِ فُلاَنٍ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَهَبْهُ لِى ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَبِعْنِيهِ بِعَذْقٍ فِى الْجَنَّةِ ». قَالَ لاَ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَا رَأَيْتُ الَّذِى هُوَ أَبْخَلُ مِنْكَ إِلاَّ الَّذِى يَبْخَلُ بِالسَّلاَمِ ». وفي الأدب المفرد للبخاري ( عن أبي هريرة قال: ” أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس من عجز بالدعاء”. مِن أجل هذا كان توجيه سيد الخلائق والبشر ألا نكون من المغبونين في ردِّه؛
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور البخل في حياتنا : بخيل بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذُكر عنده: فرسول الله صلى الله عليه وسلم هادي البشرية لربها، ومُخرجها من الظلمات إلى النور، وهو صلى الله عليه وسلم مَن كان سببًا لرفعتهم على الأمم بأجمعها، وهو من يشفع لهم يوم القيامة، ولا يرتضي أن يدخل أحد مِن أمته النار، وقد وجهنا الله إلى أنه إذا ذُكر اسمه صلى الله عليه وسلم عند أحدهم أن يبادر بالصلاة عليه، ويُشرِّف نفسه بذلك، ويرفعوا من مقامهم عند ربهم بالصلاة على نبيهم، فمن ذُكر اسم الحبيب عنده فامتنع عن الصلاة عليه ، ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْبَخِيلُ الَّذِى مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ » ، وثمرات الصلاة على رسول صلى الله عليه وسلم كثيرة في الدنيا والآخرة، بحسبنا منها: أن مَن أراد أن يُغفَرَ له ذنبه، ويُكفى همَّه، فعليه بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى الترمذي بسند حسنه (عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ». قَالَ أُبَىٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي فَقَالَ « مَا شِئْتَ ». قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ النِّصْفَ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا. قَالَ « إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ »
الدعاء