خطبة عن (غرور العلم وطغيانه)
نوفمبر 12, 2023خطبة عن (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)
نوفمبر 12, 2023الخطبة الأولى (لا تكن سببا في فتنة المؤمنين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (10) البروج
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر للآية السابقة يتبين له أن المقصود بفتنة المؤمنين والمؤمنات: هو صدهم عن دينهم، إما بإيراد الشبه المضللة، وإما بالقوة والتعذيب، ومن المعلوم أن كفار قريش قد ابْتَلَوُا المؤمنين والمؤمنات من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- وذلك بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار. ومما لا شك فيه أن التعذيب يعد من أكبر الجرائم قاطبة في التصنيف البشري للجرائم، فهو أشد من القتل، على رغم بشاعة القتل، وذلك لأن الضحية في فترة التعذيب المستمرة مرارا وتكرارا يفضل الموت على وجبات التعذيب المؤلمة، ويعتبره الخلاص الوحيد والأفضل له بدلا من آلام التعذيب الذي لا يمكن وصفها. ففتنة المسلم عن دينه جرم محرم وإثم عظيم، وتشتد الحرمة والإثم بحسب نوع الفتنة وأثرها، حتى تكون أشد من القتل وأكبر منه؛ إذا تسببت في الكفر والشرك بالله تعالى، كما قال سبحانه: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]، وقال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]. قال ابن كثير: أي: قد كانوا يفتنون المسلم في دينه، حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل.
وتعذيب المؤمنين لصدهم عن دينهم هو قمة الخزي والعار البشري، ولا يرتكبه إلا ذوو النفوس المريضة الدنيئة، التي انمحت من قلوبها الرحمة، وباتوا بلا ضمير إنساني، ومن المؤسف انه على رغم التقدم الذي تشهده المدنية الحديثة، فإنها لم تستطع أن توقف موجات التعذيب التي تحصل في مواقع عدة من العالم، فما حصل في البوسنة والهرسك لآلاف من البوسنيين، وما يحصل في بعض بلدان العالم الثالث، وليست بعض البلاد العربية بمستثناة من ذلك، ويكفي ما حصل في العراق من جرائم التعذيب، التي لا يطاق سماعها فضلا عن مشاهدتها، بل نستطيع القول أن الجلادين المعذبين للمؤمنين استطاعوا أن يستفيدوا من معطيات التقدم التكنولوجي في الحصول على المزيد من وسائل التعذيب المتطورة، مثل التعذيب بالصعقات الكهربائية، واستخدام كرسي التعذيب، وإلى غيرها مما استحدث.
أيها المسلمون
وقد جاء لفظ الفتنة في القرآن الكريم بمعان متعددة، فمن معاني الفتنة في القرآن: الصد عن دين الله؛ وذلك بتهوين الشر وتسويغه، ليقبله ممن لا علم عنده من المسلمين، وذلك بترْك الاستدلال بالنصوص المحكمة، والاستدلال بنصوص متشابهة؛ كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران: 7].
ومن صور الفتنة: فتنة المنافقين بتخذيل المؤمنين، ومحاولة التأثير على معنوياتهم وتخويفهم، وبث الفُرقة في أوساط المؤمنين، والتجسس على المؤمنين، وتوصيل أخبارهم لأعدائهم من كفرة أهل الكتاب وغيرهم، وكتابة التقارير عنهم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 47 – 48]. فأعظم فتنة هي فتنة المنافقين، لا سيما حينما يصلون إلى مراكز اتخاذ القرار؛ يقول الله عنهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون: 4]. ومن العجيب أن المنافقين يتظاهرون بالرغبة بعدم الفتنة، فيزعمون أن بعض أحكام الله تثير الفتنة؛ فلذا كل من يخالف توجُّهاتهم يصفونه بأنه من دعاة الفتنة، ويُسوغون باطلهم بزعم عدم إثارة الفتنة والمحافظة على النسيج الاجتماعي، فيبين ربنا كذبهم بقوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 49]. ففي قول ربِّنا تبارك وتعالى: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القلم: 5 – 7] . عزاءٌ للمصلحين، فقد اتُّهِم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه – رضي الله عنهم – بالفتنة.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ): فالأصل في القرآن الكريم أن العبرة فيه هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, وعلي ذلك فالآية الكريمة تنطبق علي كل من يسعي إلي فتنة المؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان. وانطلاقا من ذلك حذر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- من فتنة المؤمنين ففي سنن الترمذي: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِى بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الأَوْثَانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي»، وفي مسند البزار وغيره: (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الأُمُورَ بِرَأْيهِمْ يُحَرِّمُونَ الْحَلالَ، وَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ). وبهذا يبقي نص الآية الكريمة صحيحا إلي قيام الساعة، يتهدد كل من سعي إلي فتنة المؤمنين والمؤمنات بعذاب جهنم، وعذاب الحريق، إن لم يتوبوا عن إفسادهم في الأرض, وفي ذلك يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (…وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ قَالَ «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِى سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ» (رواه الترمذي).
وإذا كانت هذه الآيات نزلت في قوم هلكوا على الكفر، ولكن لأن الأمر دائماً مرتبطٌ بكل زمن يقع فيه ذلك، ومع أن هذا خبر، لكنه دعوة إلى التوبة، والمدعو هنا هو من يسمع هذه الآيات بعد ذلك، ممن فتنوا المؤمنين والمؤمنات وعرضوهم للفتنة، وآذوهم بسبب التزامهم بالدين وطاعتهم لله عز وجل، فهم قتلوا أولياءه، ومع ذلك فتح لهم باب التوبة! وهذا له أهمية كبرى في نفس المؤمن، بحيث إنه يعمل لله عز وجل لا لنفسه، فهو لا يريد الانتصار لنفسه، ولا يستبعد أن يتوب الله عز وجل على من آذاه، ولا يقول: لابد أن ينتقم الله من عدوي، ولابد أن يأخذه الله عز وجل بأنواع العذاب في الدنيا قبل الآخرة، فلربما فتح الله له باب التوبة، كيف لا وقد وقع ذلك لمن آذى نبيه صلى الله عليه وسلم؟! ففي الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ « كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ) [آل عمران:١٢٨]، فقد تاب الله على طائفة ممن كانوا يقودون الكفرة في حربهم ضد الإسلام
أيها المسلمون
وفي صحيح مسلم: (قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ فَقَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، فهذا الأمر النبوي المتكرر لأصحابه يُشعر بخطورة ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يتعوذوا بالله منه، فإن استعاذة المؤمن من شيء لا تكون إلا من مرهوب، والفتن تصرف الإنسان عن الحق إلى الضلال، وبها يُنقص الدين، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من الفتن، وكلنا سنُفتن ونخُتبر في معاشنا وفي مماتنا، ولذلك نحن نتعوذ بالله من فتنة المحيا ومن فتنة الممات، وليس التعوذ هنا بأن لا نختبر؛ إنما التعوذ أن لا نسقط في الاختبار، فما منا إلا مختبر، فكل لحظة في حياة الإنسان هي اختبار له، وكل موقف هو اختبار له، إما أن يوفَّق إلى هدى وينجح، وإما أن يخذل فلا يوفق إلى ما يجب عليه في ذلك الموقف فيُفتن. ولذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- يستشعرون الفتنة ويبادرون إلى المعالجة ففي موطإ الامام مالك: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ فَطَارَ دُبْسِيٌّ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلاَتِهِ فَإِذَا هُوَ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ. فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ لَهُ الَّذِى أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ)،
ومن أسباب الوقاية من الفتن: اللجوء إلى الله، وصدق الإقبال عليه والتضرع بين يديه، ولذلك كان الدعاء بالسلامة من الفتنة كثيرًا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان يعلِّم أصحابه الدعاء الذي يسألون الله تعالى فيه الوقاية من الفتن كما يعلمهم السورة من القرآن، ومن أسباب الوقاية من الفتن: المبادرة للأعمال الصالحة: لذلك جاء في صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لا تكن سببا في فتنة المؤمنين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب الوقاية من الفتن: تقوى الله فهي تجلب للإنسان الخير، وتصرف عنه الشر، والاستجابة لله ولرسوله، ومن أسباب الوقاية من الفتن: لزوم الكتاب والسُّنة، فكلما ازداد الإنسان لزوما بالكتاب والسنة، كان ذلك من دواعي سلامته من الفتن الظاهرة والباطنة. ومن أسباب الوقاية من الفتن: دعاء الله أن يقيه من الفتن، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «تعوذوا بالله من الفتن»، ومن أسباب الوقاية من الفتن: الخوف من الفتنة، وعدم الأمن من مكر الله، ولذلك كان من دعاء الصالحين والنبيين الصادقين أن يتوفاهم الله تعالى على الإيمان، ومن أسباب الوقاية من الفتن: أن يُكثر المؤمن ذكر هادم اللذات، لأنه سيذكر أنه سيقف بين يدي الله تعالى، وسيسأله عن الدقيق والجليل، وسيحاسبه على ما كان منه من عمل، فيكون ذلك حاملا له على الاستقامة، معينا له على مراجعة المسار، ومن أسباب الوقاية من الفتن: الإقبال على القرآن العظيم، حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، فبقدر ما يكون معك من الإقبال على كتاب الله عز وجل، بقدر ما تحيى روحك ويسلم قلبك، ويستنير فؤادك، وتبصر مواقع الهدى وتخرج من الظلمات إلى النور، فالقرآن يثبت الفؤاد، ويحفظه من المزللات والمضلات، ومن أسباب الوقاية من الفتن: التحلي بالصبر، ولذلك كان أعظم ما يُعطاه العبد الصبر، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»، فبالصبر يتوقى المؤمن الشبهات والشهوات، ويقوم بالطاعات، ويتوقى السيئات، فيبلغ أعلى الدرجات.
الدعاء