خطبة عن (المسارعة في الخيرات)
مارس 31, 2017خطبة عن (الإسراف والتبذير: معناه وصوره وعلاجه)
أبريل 4, 2017الخطبة الأولى ( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجة في سننه : ( عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى أَنْ « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ ». وفي سنن الدارقطني : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ».
إخوة الإسلام
« لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » هذا الحديث هو قاعدة عظيمة عند أهل العِلم ، مع قصر ألفاظه واختصار كلماته إلا أنه يشتمل على قواعد ، وليس على قاعدة واحدة ، وهو يدخل في كثير من الأحكام الشرعية ، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان مصالح الناس ، في العاجل والآجل . ومعنى « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » أن الإنسان لا يجوز له أن يضرّ بنفسه ولا بغيره . فقوله صلى الله عليه وسلم « لاَ ضَرَرَ » والضرر يكون في البدن ويكون في المال، ويكون في الأولاد، ويكون في المواشي وغيرها. وقوله صلى الله عليه وسلم « وَلاَ ضِرَارَ » أي ولا مضارة والفرق بين الضرر والضرار : أن الضرر يحصل بدون قصد، والمضارة بقصد، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة. ومن أمثلة ذلك: رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم، وإذا بالماء يدخل على جاره ويفسد عليه، لكنه لم يعلم، فهذا نسميه ضرراً. مثال آخر: رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم، فقال : لأفعلن به ما يضره، فركب موتوراً له صوت عند جدار جاره وقصده الإضرار بجاره، فهذا نقول عنه ( اضرارا) . فالمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده، وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه. ومن هنا يتبيّن خطأ من يقع في الموبقات والمهلِكات ، أو يتعاطى السموم ، ثم يقول : أنا حُـرّ ! هو في الحقيقة ليس حُـرّاً ، فهو مُخطئ من جهتين : الأولى : أنه يظن أنه حُـرّ ، وهو عبدٌ لا ينفكّ عن العبودية ، سواء عبودية لله أم لشهوته . الثانية : أنه أضـرّ بنفسه ، وأضرّ بصحّته ، بل في الغالب يضرّ نفسه ويضرّ غيره . فالمدخِّن مثلا يضرّ نسفه ويضرّ غيره ، فيما يُعرف بالتدخين السلبي . ويضر أطفاله ، سواء في أثناء الحمل أم من خلال الاستنشاق . ومن هذا الباب فإن العلماء يَحكمُون بالتفريق بين المريض وزوجته إذا كان مرضاً خبيثاً مُنتشراً . ومن هذا الباب أيضا الحجر الصحِّي الذي سَبَق إليه الإسلام وهذا (أُسَامَة بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا » . رواه البخاري ومسلم . وكذلك الإضرار بالزوجة جاء النهي عنه .فمن ذلك أن يُؤذي الزوج زوجته لكي تفتدي منه ، وتردّ إليه ما أعطاها من مهر . ففي المستدرك وسنن البيهقي (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا ) . ورواه البيهقي ، وصححه الألباني .
أيها المسلمون
إن المتأمل في هذا الحديث الشريف يتبين له أنه قليل في مبناه ، ولكنه كبير في معناه ، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى الْعَدُوِّ وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدَىَّ ». والمتأمل فيه أيضا يجد أنه يمنع المسلم من إلحاق الضرر بنفسه ، أو بغيره من الناس ، أو يفعل شيئا يدخل على غيره ضررا لينتفع هو به ،وفي سنن الترمذي :(عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
« لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ ». فالإسلام حرم ذلك بكل صوره ولا سيما في المعاملات: كالبيع والشراء والرهن والارتهان، وكذلك في الوصايا فلا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة. وفي مسند أحمد وغيره (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) ، وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ». ثُمَّ قَرَأَ عَلَىَّ أَبُو هُرَيْرَةَ : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) إِلَى قَوْلِهِ (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فالقاعدة: متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار. وأيضا من أمثلة ذلك في مجتمعاتنا أن الرجل إذا طلق امرأته ولها أولاد منه، فحضانتهم للأم إلا إذا تزوجت، والمرأة تريد أن تتزوج ولكن تخشى إذا تزوجت أن يأخذ أولاده، فتجده يهددها ويقول: إن تزوجتي أخذت الأولاد، وهو ليس له رغبة في الأولاد ولا يريدهم، ولو أخذهم لأضاعهم ، ولكنه قصده المضارة بالمرأة بأن لا تتزوج، مثال آخر: رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر من أجل أن ينقص سهام الورثة، فهذا محرم عليه مع أن للورثة أن يبطلوا ما زاد على الثلث. مثال آخر: رجل له ابن عم بعيد لا يرثه غيره، فأراد أن يضاره وأوصى بثلث ماله مضارة لابن العم البعيد أن لا يأخذ المال، فهذا أيضاً حرام. وحرّم إضرار الأم بولدها ، كما قال الله تعالى : { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } ( البقرة : 233 ) ، فحرّم تغيير الوصية بعد سماعها ، وحرّم إضرار الموصي في وصيّته ، وحفظ للأموات حقوقهم حتى حرّم سب الأموات ، فما أعظمها من شريعة ، وما أحسنه من دين . فلو سرنا على هذا الحديث لصلحت الأحوال، لكن النفوس مجبولة على الشح والعدوان
الدعاء