خطبة عن (إنها السننُ، إنها السننُ )
ديسمبر 31, 2022خطبة عن ( إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ )
يناير 2, 2023الخطبة الأولى ( لا كرب وأنت رب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (63) ،(64) الأنعام، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ – عَلَيْهَا السَّلاَمُ – وَاكَرْبَ أَبَاهُ. فَقَالَ لَهَا «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ»
إخوة الإسلام
شعار المؤمن في الحياة الدنيا: (لا كرب وأنت رب)، فما دام لي رب ألجأ إليه، فليست هناك معضلة، فالمعضلة فيمن ليس له رَبٌّ يلجأ إليه، وانظروا معي: فهذا نبي الله موسى (عليه السلام) يجمع بني إسرائيل، وهم بقايا ذرية آل يعقوب؛ ليذهب بهم إلى أرض الميعاد، وسرعان ما أعدَّ فرعون جيشه وجمع جموعه، وسار خلفهم يتبعهم إلى ساحل البحر، فإذا بموسى وقومه مُحَاصرين: البحر من أمامهم، وفرعون بجيشه من خلفهم، وليس لهم مَخْرج من هذا المأزق. هذا حُكْم القضايا البشرية المنعزلة عن ربِّ البشر، أما في نظر المؤمن فلها حَلٌّ؛ لأن قضاياه ليست بمعزل عن ربه وخالقه؛ لأنه مؤمن حين تصيبه مصيبة، أو يمسه مكروه، ينظر فإذا ربُّه يرعاه، فيلجأ إليه، ويرتاح في كَنَفِه. وهنا جاء الأمر من الله تعالى لموسى-عليه السلام- ليُخرجه وقومه من هذا المأزق: {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} [طه:77].
(فلا كرب وأنت رب). وحينما فر نبي الله موسى هاربا من فرعون إلى مدين، وانقطعت به السبل ،لجأ إلى ربه: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص (24) ، فيأتيه الفرج: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) القصص (25)،
(لا كرب وأنت رب)، فالمؤمن في حياته الدنيا إذا تعرض لما لا طاقة له به، فإنه يلجأ إلى الله تعالى، ويدعو ربه أن يكشف كربه، ويفرج همه، وهو موقن أن الله تعالى على كل شيء قدير ، يقول للشيء كن فيكون، وأنه لا كرب وهو رب، وهذا نبي الله نوح عليه السلام يلجأ إلى ربه: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) القمر (10)، فجاءه الفرج: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) القمر (11): (14)، وهذا نبي الله أيوب (عليه السلام) يلجأ إلى الله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (83) الأنبياء ) فيأتيه الفرج (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) الأنبياء (84)، وهذا نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ربه كلما حزبه أمر، وضاق عليه سبيل، في سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»، وفي صحيح البخاري: (عن ابن عباس: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه اللجوء إلى الله تعالى لقضاء حوائجهم ،ودفع الضر عنهم، ففي صحيح مسلم: (عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ». وَكَانَ يَرْوِى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-)، وفي سنن الترمذي بسند صحيح: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذَ أَحَدُنَا مَضْجَعَهُ أَنْ يَقُولَ «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرَضِينَ وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَفَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَالْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنِّى الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ»، وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَقَالَ لَهَا «قُولِي اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنِّى الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ»، وهناك أدعية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه ليذهب الله بها عنهم الهم والغم، ويبدله فرحا وسرورا، ومنها: ما رواه أبو داود وغيره: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ »، وما أخرجه أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ. قَالَ « أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ ».. وأخرج أحمد وأبو داود: (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ »، وفي الصحيحين البخاري ومسلم: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»، وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه: (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ». وأخرج أحمد والترمذي: (عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ».
ومن دعاء بعض الصالحين: «اللهم يا مسهل الشديد، ويا ملين الحديد، ويا منجز الوعيد، ويا من هو كل يوم في أمر جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق، بك أدفع ما لا أطيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، رب لا تحجب دعوتي، ولا ترد مسألتي، ولا تدعني بحسرتي، ولا تكلني إلى حولي وقوتي، وارحم عجزي، فقد ضاق صدري، وتاه فكري وتحيرت في أمري، وأنت العالم سبحانك بسري وجهري، المالك لنفعي وضري، القادر على تفريج كربي وتيسير أموري».
أيها المسلمون
(لا كرب وأنت رب)، فمهما بلغ الكرب، واشتد الأمر، وضاقت السبل، وانقطعت الأسباب، ونفذت الحيل، فلا (تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)، ولا تقنطوا من رحمة الله ،(وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (56) الحجر، فإن لك ربا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فقدرته فوق الأسباب، وفرجه يأتي من حيث لا تحتسب، وأمره بين الكاف والنون، يقول للشيء كن فيكون، وهو سبحانه يجبر كسر المؤمنين، ويسد خلل المتوكلين، فلا يأس مع الإيمان، وإنما اليأس سمة من سمات الكافرين. قال الفخر الرازي وهو يبيِّن علاقة الكفر باليأس في لمحة رائعة لم يسبقه إليها غيره: “واعلم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بكريم، بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر، ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا” .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لا كرب وأنت رب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(لا كرب وأنت رب)، يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: “والذي ييأس في الضرّ من عون الله يفقد كل نافذة مضيئة، وكل نسمة رخيّة، وكل رجاء في الفرج، ويستبدّ به الضيق، ويثقل على صدره الكرب، فيزيد هذا كله من وقع الكرب والبلاء.. ألا إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلاّ بالرجاء في نصر الله، ولا سبيل إلى الفرج إلاّ بالتوجّه إلى الله، ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضرّ والكفاح للخلاص إلاّ بالاستعانة بالله، وكل يائسة لا ثمرة لها، ولا نتيجة إلاّ زيادة للكرب ومضاعفة الشعور به”. فالمؤمن له صلابةٌ إيمانية تصد عنه أحداث الحياة؛ فالحياة كلها أكدار، وثباتها على حال من المحال، والدهر أيام، يوم لك، ويوم عليك، واليأس والقنوط سبب من أسباب فساد قلب العبد، وفتور همته، وضعف عزيمته، وقلة ثباته. وجاء في الأثر: “لا كَرْبَ وأنت رَبُّ”. فما عزَّ عليك بقانون الأرض، فاطلبه بقانون السماء، وما دام المؤمن قد أخذ بالأسباب وتوكَّل على الله؛ فليثق أن الله يمِدُّه بما هو فوق الأسباب {إنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} [يوسف: 87] .إنه خبر الوحي على لسان النبي المعصوم؛ فإياكم أن تحتار عقولكم فيه؛ وترتاب قلوبكم حوله، فالعقول لها سقف معلوم لا تتجاوزه، وقد لا تعقل ما وراءه، وأما صنائع الله ففوق مُدْركات العقول، فإياكم أن تستغربوها بعقولكم فتجزعوا، وأن تُكذِّبوها بقلوبكم فتيأسوا. وما يَعِزُّ عليكم بقانونكم فالجأوا فيه إلى الله. وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) رواه أبو داود. كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه رضي الله عنهم على التفاؤل وعدم اليأس والقنوط .
الدعاء