خطبة عن ( الصحابي : ( أَبُو دُجَانَةَ )
مارس 27, 2017خطبة عن (من صفات الله تعالى ( العدْلُ )
مارس 29, 2017الخطبة الأولى ( لعله خير ) ( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة ، وقال تعالى : (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (19) النساء،
، وقال تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (68) القصص
، وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».
إخوة الإسلام
إن المستقبل غيب عنا ، وما يصيبنا في هذه الحياة الدنيا ، لا ندري نتائجه ، أو الحكمة منه ، ولكن علينا أن نستسلم لأمر الله ، ونؤمن أن الله يريد بعباده الخير ،وإن كان في ظاهره غير ذلك ، فالله سبحانه وتعالى يقول لعباده :
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة
فإنه سبحانه وتعالى ،يبين لعباده عجزهم عن إدراك المستقبل، وهذا الغيب الذي طواه عنهم لا يعلمه إلا هو ، وعلينا أن نتوكل عليه ، فإنه قد يجعل في المحن منحًا، وأن المضرة قد يكون في عاقبتها مسرة، والمسرة في قلب المضرة ، وذلك من أفعال الله سبحانه وتعالى في خلقه، فقد يحصل للعبد قَدَرٌ يكرهه؛ لأن فيه مصيبة، لأن فيه فقدٌ لمال، أو نفس، أو ألم نفسي، وحزن، أو خوف، نعم قد يحصل له ما يكرهه ، ولكن المؤمن يعلم بأن الله سبحانه وتعالى علام الغيوب ، فيتوكل عليه، وينتظر الخير من ربه، ولا يصاب بالإحباط والاكتئاب، وإنما يؤمل فيما عند الله ، ويؤمن بقضائه وقدره خيره وشره . وهذا هو المعني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ “. رواهُ مُسْلِمٌ.
أي أنَّ المؤمنَ في الحالَينِ له خَيرٍ عِنْدَ اللهِ ،فإِنْ أصَابتهُ نِعْمَةٌ ورَخَاءٌ في الرِّزْقِ ،شْكُرُ اللهَ وإنْ كانت ضَرَّاءٌ أو مُصِيبةٌ يصْبرُ ولا يشكو ولا يَتسَخّطُ عَلى الله ،بلْ يَرْضَى بقَضَاءِ الله ليكونُ لهُ أجْرٌ بهذِهِ المصيبةِ. وفي قوله تعالى : (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (19) النساء ، يبين الله سبحانه وتعالى لنا ،أنه قد يجعل العواقب أحيانًا بخلاف المشاهد والمنظور، وتختلف عنه اختلافًا تامًا، ولذلك فالعبد لا يقترح على ربه ،بل يفوض الأمر إليه، ويتوكل عليه، ويرضى عن ربه ، فنحن عاجزون عن معرفة كل الاحتمالات في المستقبل، ولذلك يجب أن نفوض الأمر إليه ونتوكل عليه، ونعلم بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا،. قال تعالى 🙁 مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد 22. فقد كُتب كل شيء في اللوح المحفوظ، فما شاء الله كان ، ولم يشأ لم يكن، قال الله عز وجل:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) البقرة 216.
فقد كان المسلمون في بدر يريدون غنيمة سهلة، فتلك القافلة التي خرجت للمشركين معها حراسة محدودة، فخرج من المسلمين أكثر من ثلاثمائة مجاهد في سبيل الله، يرجون فضل الله، وتعويض شيئًا من الأموال التي فقدوها في مكة ولم يريدوا قتالا، قال تعالى 🙁 وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) الأنفال 7. فماذا قدر الله؟ ، لقد قدر الله سبحانه وتعالى لقاء جيش عرمرم من الكفار، يفوقهم بثلاثة أضعاف، وخرج إليهم واقترب من موقعهم، فكره ذلك بعض المؤمنين ، فقال قائلهم خرجنا للقافلة فإذا بالقافلة فاتت، ويقدر الله أن يأتي جيش ثلاثة أضعافنا، ولكن الله يريد أن يحق الحق بكلماته، لو أخذ المسلمون القافلة لكانت شيئًا محدودًا، ولكن أراد الله سبحانه أن ينتصر المسلمون في أول مواجهة مع قريش أمام العرب، أمام الدنيا، وأن يهزم هذا الجيش من الكفار، وأن يأخذ المسلمون من الغنائم أضعافاً مضاعفة، وأن ينكسر من الكفر من انكسر، وأن يقتل من صناديدهم وطواغيتهم من قتل، أو أن يكون نصرًا مبينًا، وأن يتسامع بذلك العرب، وأن تبلغ قوة المسلمين ما بلغت، قال تعالى : (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) الأنفال 41. فأولها كانت مكروهة ، وفي آخرها كانت منحة عظيمة، ومسرة كبيرة، ونصر مؤزر لأهل الإسلام، نعم : (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (19) النساء
أيها المسلمون
وهذه أم سلمة أسلمت وزوجها أبو سلمة في مكة من أوائل المسلمين، وكان أبو سلمة رجلًا كريمًا عاشرها عشرة طيبة تعلقت به، ثم صارت الهجرة فكان بيت أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وحصل ما حصل من تفريق الكفار بين أبي سلمة وأم سلمة، حتى أن المرأة أوذيت رضي الله عنها في نفسها وفي أولادها، وهاجرت، وتحملت، وبذلت، ثم اجتمعت مع زوجها في المدينة، وبعد مدة يجري قضاء الله تعالى فيأخذ الله أبا سلمة، فتتذكر أم سلمة الحديث الذي علمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا » رواه مسلم ، فأرادت أم سلمة أن تقولها ، لكنها فكرت وقالت في نفسها مَن خير من أبي سلمة؟ هذا الزوج الكريم، هذا المؤمن القديم، هذا المهاجر الذي يبتغي فضل الله العظيم، قالت: لكني قلتها -قالتها إيمانًا بموعود الله- فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصارت أم سلمة أمنا جميعًا، أم المؤمنين وهي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، ففي صحيح مسلم : (أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ». قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّىَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون
نعم فالخيرة فيما يختار الله ، ولو علمتم ما في الغيب لاخترتم ما في الواقع ، فهذه أم طلحة كانت من أعظم صاحبة مهر في الإسلام؛ لأنها رضيت أن يكون مهرها الإسلام، فلما تزوجت أم طلحة أنجبت غلامًا ولم يلبث هذا الغلام أن مرض وتوفاه الله عز وجلّ وأبوه غائب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم :(عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَاتَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ لأَهْلِهَا لاَ تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ – قَالَ – فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ – فَقَالَ – ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَقَعَ بِهَا فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ قَالَ لاَ. قَالَتْ فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ. قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا ». قَالَ فَحَمَلَتْ – قَالَ – فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ وَهِىَ مَعَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُهَا طُرُوقًا فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- – قَالَ – يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتُبِسْتُ بِمَا تَرَى – قَالَ – تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الَّذِى كُنْتُ أَجِدُ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا – قَالَ – وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلَدَتْ غُلاَمًا فَقَالَتْ لِي أُمِّي يَا أَنَسُ لاَ يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- – قَالَ – فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ « لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ ». قُلْتُ نَعَمْ. فَوَضَعَ الْمِيسَمَ – قَالَ – وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلاَكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِىِّ فَجَعَلَ الصَّبِىُّ يَتَلَمَّظُهَا – قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ ». قَالَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ. قال الراوي فكان لعبد الله سبع بنين كلهم قد حفظ القرآن، واستشهد عبد الله بفارس في سبيل الله وكان له ذرية عظيمة، إذن فقد يذهب الله بما أعطى ، ويجعل الله بدلًا منه شيئًا عظيمًا من عوض في الدنيا أو أجر في الآخرة . ولذلك لا مفر للعبد من التوكل على الله، وتسليم الأمر إليه، وعدم الاقتراح على ربه بل هو مستسلم بين يديه، وقد مات لبعض السلف سبعة في الطاعون ، سبعة من الأبناء دفعة واحدة في الطاعون فقال: اللهم إنا مسلِم مسلّم، هذا هو حال المؤمن، واعلموا أن الدنيا طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار؟ فموقف المؤمنين التسليم، والصبر، واحتساب الأجر، والله لا يخلف الوعد وقد وعد بالعوض فلا بدّ أن يأتي الفرج .
أيها المسلمون
ومن قصص السابقين التي نستلهم منها الدروس والعبر : (يحكى أنه كان لأحد الملوك وزير حكيم، وكان الملك يقربه منه، ويصطحبه معه في كل مكان، وكان كلما أصاب الملك ما يكدره، قال له الوزير: “لعله خير “، ويحاول الوزير أن يستنبط للملك الحكمة من هذا البلاء الذي وقع به، فيهدأ الملك، وفي إحدى المرات قُطع إصبع الملك، فنظر الملك إلى الوزير! فقال الوزير: “لعله خير “، وسكت!!! فلم يستطع أن يستنبط الحكمة فيما وقع للملك، فغضب الملك غضباً شديداً، وقال: ما الخير في ذلك؟ وأمر بحبس الوزير. فقال الوزير الحكيم “لعله خير”. ومكث الوزير فترة طويلة في السجن، وفي يوم خرج الملك للصيد، وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته, فمرّ على قوم يعبدون صنماً فقبضوا عليه ليقدّموه قرباناً للصنم، ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أنّ قربانهم إصبعه مقطوع، فانطلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضرّ، وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن، واعتذر له عما صنعه معه، وقال: أنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه, وحمد الله تعالى على ذلك. ولكنه سأل الوزير عندما خرج من السجن، فقال له: عندما أمرت بسجنك قلت “لعله خير ” فما الخير في ذلك؟ فأجابه الوزير: أنه لو لم يسجنه.. لَصاحَبَهُ في سفره للصيد، فكان سُيذبح ويُقدم قرباناً بدلاً من الملك ، لأنه ليس به إصبع مقطوع. فكان في صنع الله كل الخير)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لعله خير ) ( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كم من مرة حدث معك موقف معين، حاولت فيه أن تحقق هدفا ما، ولم يحصل؟ وعندها حزنت لذلك، وبعد فترة، أراك الله أن ذلك هو الخير بعينه، فعطاؤه عطاء ، ومنعه عطاء . فمن رحمة الله بنا أن جعل الغيب بيده، وقال لنا أنه قريب منا ندعوه فيستجب لنا، فهو رب عظيم سبحانه. فلو كنا نعلم الغيب لاضطربت حياتنا، والحمد لله أن ملك الملوك الذي يعلم الغيب ، هو من بيده أمورنا كلها، فالحمد لله! ،ففي صحيح مسلم ، يقول صلى الله عليه وسلم : (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ». ففي كل ما قدر الله فهو خير ، وعبارة : “لعله خير”، لهي من أروع وأفضل الكلمات، التي تجعلك تشعر بالراحة في قلبك وبالطمأنينة، وتعينك على التوكل على الله، وعلى زيادة ثقتك فيه، وعلى الرضا بما يقدر ويكتب لك، ومن منا لا يريد أو لا يبحث عن راحة قلبه؟؟ كلنا!! فكل ما نفعل في الحياة هو من أجل راحة قلوبنا، وثقتنا أن الجبار والقوي والملك يعلم الخير لنا فيقدره لنا ،فقد تسعى في مشروع معين، وتحاول وتبذل وتبذل ولا ينجح هذا المشروع. وتحاول كل ما بوسعك ولا يحصل ما تريد، فقد يكون ذلك هو الخير لك دون أن تعلم، ومن ثم تكتشف بعدها أن هذا المشروع ليس هو ما تريد، فتحمد الله أنك لم توفق فيه وقتها. وقد يختبرنا الله في تأخير الرزق (الرزق هو المال، الخبرة، العلم، كل شيء تحصل عليه ملموس أو غير ملموس هو رزق) ليرى هل نستسلم أم نستمر في السعي مستعينين به؟ وفي كل الحالات هو خير لنا ولميزان أعمالنا ؛ وتنقية قلوبنا. فعندما تعود نفسك على الرضا بما قسم الله لك ، وما يقدره عليك ، تشعر بالرضا ، وعندما يرضيك الله يحبك ويعوضك، فهو رب كريم. فاستعن بالله وتوكل عليه واسعَ لتحقيق أهدافك، وإن لم يحصل ما أردت فقل لعله خير، واستمر بطلب الخير والعون من الله، وتيقن أن النتيجة بعد ذلك هي دائما “الخير”. ومن حكايات السابقين : (أنه كان رجل يعيش مع ابنه بقرية تبعد عن المدينة بحوالي يومين ، فقررا الذهاب للمدينة لقضاء بعض الحوائج فتجهزا للرحيل ، ووضعا اغراضهما فوق ظهر الحمار وانطلقا . وفي الطريق تعرض الحمار لكسر في حافره ، فقال الأب:( لعله خير إن شاء الله ، ويدفع الله عنا بلاء عظيما). وفي أثنا السير في الطريق أيضاً، تعرض الأب لجرح في قدمه، وأصابته الحمى، فقال الأب 🙁 لعله خير).
وهما ذاهبان ، والولد يحمل أمتعته وأمتعة أبيه ،تعرض الولد المسكين للسعة أفعى ، فقال الأب 🙁 لعله خير ،ويدفع الله عنا به بلاء عظيما ). وهنا ثار الولد غاضبا ، وقال 🙁 أهناك بلاء أكثر من هذا البلاء ). فلم يجبه الأب ،فعالج الوالد ابنه ، وجلسا في مكانهما يومين ، حتى شفي من الحمى، وبرئ الولد من السم ، واستمرا في طريقهما، إلى أن وصلا إلى المدينة ،فوجداها عبارة عن أرض خراب ،فتعجبا ، وتساءلا ، ما الذي حدث ؟؟، . فعلما أن المدينة أصابها زلزال مدمر قبل يومين ، ولم يبق فيها أحد على قيد الحياة ، فالتفت الأب إلى ولده وقال:( أعلمت الآن أن ما حدث لنا كان خيرا )
أيها المسلم
فلا تنظر تحت قدميك ، ولا تبتئس بما حدث لك، فلعله في المستقبل خير، قال تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23]، كما لا تفرح بما هو آت فقد يكون فيه مهلكتك، ولذلك تقول العرب في أمثالهم :
“شَرُّ أَيَّام الدِّيكِ ، يَوْمُ تُغْسَلُ رِجْلاَهُ”. نعم ، فقد صدق ربي حين قال في كتابه العزيز : ( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (19) النساء ،وقال سبحانه : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة ،وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال : « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » رواه مسلم.
الدعاء