خطبة عن ( المخرج من الأزمة: الأسباب. النتائج. الحلول )
ديسمبر 27, 2016خطبة عن(الإسلام جاء ليحل ويعالج مشكلات الأنام)
ديسمبر 31, 2016الخطبة الأولى ( لكل داء دواء ، ولكل أزمة مخرج )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (63) النور
وقال تعالى : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) (98) يونس
، وقال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (53) :(55) الزمر
أيها المسلمون
إن ما أصاب أمتنا الإسلامية من فتن ليس خافيا علينا ، وهذا التمزق والتشتت وفقدان التوازن الذي تعاني منه أمتنا الإسلامية هو سنة كونية قدرية بسبب من البشر، قال – تعالى -: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) آل عمران 165، وقال تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى (30) ،وقد يصل الحال بالفتن إلى درجة ينعدم فيها التمييز بين الحق والباطل، ففي الحديث قال – صلى الله عليه وسلم -: ((عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ وَلاَ يَدْرِى الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ » رواه مسلم . وهذا القدر ندفعه بقدر الله وفق ما أمر الله به، وللتقليل من آثار هذه الفتن يحسن بنا أن نتلمس أسبابها، ومن ثم محاولة إيجاد الحلول المناسبة لها ،على اختلاف تنوعها وآثارها ، لعل ذلك يساعد على الوقاية منها ،والسلامة رأس مال المسلم ، لاسيما سلامة الدين من خدشه أو جرحه ،أو ذهابه بالكلية لا سمح الله. فمن أسباب حدوث الفتن : مخالفة منهج الله –عز وجل- المنزل على رسوله – صلى الله عليه وسلم-، قال – تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور (63) ،وهذا أمر مشاهد وملموس، فكلما انحرف الناس عن دين الله ،جعل الله بأسهم بينهم ، ونزلت عليهم النكبات والشدائد، ويصدق ذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف (5) نقض العهد مع الله – تعالى- القاضي بتوحيده وعدم الإشراك به، قال – تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الاعراف(172): (174) ،وهذا العهد نقضه كثير من المنتسبين إلى الإسلام ،ووقعوا في كثير من أنواع الشرك والمحدثات، (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) يوسف (106) ،الاحتكام إلى غير شرع الله : فقد سنت القوانين الوضعية واستبدلت أحكام الشريعة الصافية بالأعراف والقوانين الكفرية، قال تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة (50) ،بل كل حكم أو عرف بلدي أو قبلي أو حزبي أو طائفي أو نظام عام أو خاص يخالف الشريعة ولا يستند إليها فهو طاغوت ،والتحاكم إليه مناف للإيمان، قال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء (65)
ضعف الولاء بين المسلمين : فقضية الولاء بين المسلمين تمثل أهمية عظمى في ديننا الحنيف قال – تعالى -: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات 10 ، فهذه الفريضة إذا غيبت حل مكانها النفرة والعداوة والبغضاء ، ومن ثم الاستئثار والتنافر التام، وقد تستبدل هذه الأخوة الإيمانية بولاءات أسرية وقومية ووطنية وحزبية بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه. الاغترار بما يروج له الكفرة والملحدون والانبهار بحضارتهم الواهية، ومدنيتهم الزائفة ، والذي نشأ عنه انعدام العزة بالنفس ، وفقد الثقة بها ،وجعل هذه المدنية نموذجاً وهدفاً تسيل من أجله الدماء، وكلنا يدرك مدى الانحلال والتفسخ الاجتماعي الذي وصلت إليه هذه المجتمعات، قال – تعالى-: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) المائدة 49، وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ » . قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ » رواه البخاري ،واتباع الهوى وفساد القصد: فمن اتخذ الهوى إلهاً يحتكم إليه، ومنهجاً يسير عليه، فإن الفتن تسرع إليه في قوالب شتى، سواء الفتن العامة منها أو الخاصة، فقد لا يسلم من فتنة وإن كانت ظاهرة غير ملتبسة، قال – تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) الجاثية (23) ، وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف (28) ،ومن وصل إلى هذه المرحلة أغلق الله قلبه ،وأصبح المعروف والمنكر لديه ما وافق هواه، كما في صحيح مسلم ( يقول صلى الله عليه وسلم عن هذا القلب (وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». فترى هؤلاء يهيمون في كل واد ، ويتأولون أنواع التأويلات الفاسدة تبريرا لمواقفهم، ولا يهمهم أن يكون الكذب والخيانة مطيتهم ،طالما كان ذلك في خدمة قضيتهم. الإفراط والتفريط فالإسلام دين الوسطية والاعتدال :وهو وسط بين نقيضين (الإفراط والتفريط )، فقد يفرط أناس في دينهم ،فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ،بل قد تستوي في نظرهم الحسنة والسيئة، والصلاح والفساد، وقد يكون الفساد مرتعاً خصباً يحصلون من خلاله على مطالبهم ،وإشباع نزواتهم وغرائزهم، بينما يقف في الطرف الآخر المتعنتون ، المغالون في الإنكار ،فتستوي في نظرهم حسنات هؤلاء المفرطين وسيئاتهم، بل يغالون إلى حد يجعل من حسناتهم سيئات، وهذا أمر ملموس في التحزبات وأصحاب النظرات الطائفية والقبلية . والتعصب والتحزب: وهو داء جاهلي لا يسلم منه إلا من عصم الله، فالحق لدى المتعصبين والمتحزبين ما عليه آباؤهم وأجدادهم وحزبهم وقبيلتهم وطائفتهم، والباطل ما كان ضد ذلك ،وهذا التعصب والتحزب كانا من أكبر الموانع للدخول في دين الله –عز وجل-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) البقرة (170) ، وهو منهج يسير في ركابه طوائف ضلل بها وزين لها ،بأنها على الحق ،والحق لها فقط، وقريب من ذلك تصرفات الأحزاب السياسية التي ابتليت بها الأمة، فالحزب هو الآمر والناهي، وهو المؤهل للسلطة والحريص على مصلحة الأمة، وخصومه عملاء وفاسدون، وغير جديرين بتولي زمام السلطة، غياب المنهج الصحيح واتباع المتشابه ،فإن المنهج الصحيح هو منهج أهل السنة والجماعة ، العاصم من الزلل والوقوع في المحذور، وهو قائم على تعظيم النصوص الشرعية ، بفهم سلف هذه الأمة ،وعدم التعدي على الحرمات ،ووزن الأمور جميعها بميزان الشرع ، وعدم التأثر بالتهويلات واتباع المتشابه من النصوص ،ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة، والتعجل وعدم الصبر : فإن الإنسان بطبعه خلق عجولاً ،ولهذا تجد كثيراً من الناس يستعجل النتائج ،ويحاول تغيير كل مالا يلائم طبعه ،أو لا يراه مناسباً أو حراماً أو حلالاً ، أو أن غيره أفضل منه،
أيها المسلمون
لكل داء دواء ، ولكل أزمة مخرج ، ولكل خطيئة وذنب توبة ، وبمعرفة الأسباب يمكن استنتاج الحلول لمواجهة ما يعترض الأفراد والمجتمعات من أزمات وفتن ،والتعامل معها بكل جدية وحذر، والخروج الآمن من آثارها، وهذه الحلول لا تخص أزمة دون أخرى ،بل هي شاملة لكل أنواع الابتلاءات ،والتي سبق الإشارة إليها، فمن الوقاية والعلاج ما يلي: – التثبيت في الفتنة من خلال مسلكين رئيسين: أ- التأكد التام من أن هذه الفتنة هي المعنية بذاتها في النصوص الشرعية أو أنها من جملة الفتن التي يجب الحذر منها قال – تعالى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) الاسراء 36، ويكون التأكد بالرجوع إلى أهل العلم قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)النساء 83 ب- كف اللسان في الفتنة : فلا يجوز إطلاق العنان للألسن تجول وتصول في أعراض المسلمين ،لاسيما أهل العلم والفضل منهم ،ولا المشاركة بتحريض بعض المسلمين على بعضهم مما يؤدي إلى تأجج نار الفتنة ،وتوسيع دائرتها ،فإن آفة اللسان في مثل هذه الأحوال كارثية وقد يكون أثرها أعمق من السنان. – الثبات على الدين الحق : فبعض الناس يرق دينه ، ويخور أمام الأزمات والفتن ،وهذه الدار دار ابتلاء وامتحان ، وكلما كان المسلم أشد صلابة في دينه ،ابتلي بالفتن والمحن ، وهي سنة إلهيه ففي القرآن الكريم: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) العنكبوت (2) – الصبر على شدة الفتن : وهو مصير المؤمنين في كل ما يعترض حياتهم من أزمات وفتن ،في شتى نواحي أمورهم الدينية والدنيوية ، قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة (155): (157) ،ومن ذلك الصبر على الشهوات التي تعترض سبيل المؤمنين فيحفظ نفسه من الوقوع فيها أو طرق مقدماتها. – طاعة الله تعال وطاعة رسوله :فالطاعة عاصمة بإذن الله من الأزمات والفتن وتتمثل الطاعة في أوامر الله ونواهيه وأوامر الرسول – صلى الله عليه وسلم – ونواهيه ، قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) المائدة 92 وهي شاملة لكل أحوال العبد ومنها واجبه الشرعي والأخلاقي نحو الفتن التي تعترضه فيتعامل معه وفق مراد الله. مراقبة القلب الذي يدور عليه صلاح الأعضاء :فهو الموجه الرئيسي لبقية الأعضاء، وإصلاحه إصلاح لكل الأعضاء جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » ،وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يكثر من قول: « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ » رواه الترمذي وغيره ، فمراعاة القلب والحفاظ عليه من تدنسه بالشهوات والشبهات سبيل إلى نقائه وهدايته ، وقال – تعالى-: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) التغابن 11. – الجهاد ضد الكفرة الملحدين الواقفين للمسلمين بالمرصاد والمعتدين على حرمات المسلمين وأوطانهم في بقاع كثيرة من ساحات بلاد المسلمين فإن الاستسلام والخذلان والدعة من أسباب تسلطهم على المسلمين ونشر فتنة الكفر والفسوق والعصيان والانحلال الفكري والخلقي وهذا ديدنهم على مر التأريخ، قال تعالى : (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) البقرة 217، وهذه القضية من المسلمات التي عايشناها وعايشها آباؤنا ومن قبلهم وهم في صراع مع جحافل المعتدين من الشرق والغرب على حدٍ سواء، قال تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) الانفال 39. القوة في الحق والوقوف ضد المندسين في الصفوف وهؤلاء خطر جسيم يدب في جسم الأمة ويشككها في عقيدتها ودينها ويثبط من معنوياتها وعزائمها وهم اليد الطولى لأعداء الأمة الظاهرين الذين يمدونهم بكل ما يحتاجون إليه من إمكانات مادية ومعنوية وكل ما هو سبب في الفرقة والاسترخاء قال – تعالى- في وصفهم: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) التوبة (48) ، وهكذا هم في كل زمن ومكان أداة طيعة في يد الأعداء توجه لمسخ هوية الأمة تحت شعارات براقة وأساليب ماكرة ينكشف عوارها في كل مناسبة قال – تعالى-: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) المنافقون 4. – التوبة والاستغفار وصدق اللجوء إلى الله: فإن الإنسان ضعيف، و بحاجة إلى عناية الله ورعايته ولطفه وكرمه، ومن وسائل ذلك التوبة الصادقة وكثرة الاستغفار – العبادة والعمل الصالح فهي وظيفة البشر في هذه الحياة ومن لم ينشغل بعبادة ربه انشغل بعبادة غيره تحت مسميات ومبتكرات متنوعة، والفتن إذا عمت انشغل الناس بها وبآثارها ووقفوا حائرين مذهولين منها وقد يقعون فريسة للشيطان فيذعنون لتلبيسه وإضلاله وخير وسيلة للنجاة هو الانشغال بعبادة الله – تعالى- وفي صحيح مسلم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: « الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ ». قال النووي – رحمه الله -: ” المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها وينشغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد” والاعتصام بكثرة العبادة والاستعانة بالله سبيل للنجاة والفلاح، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة (153) – التسلح بالعلم الشرعي فإن العلم نور يضئ الدرب، ويعصم من الزلل وهو العلاج الوحيد لظلمات التخبط والحيرة والشرك والشك قال – تعالى-: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) العنكبوت 43، – لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فإن يد الله مع الجماعة والشذوذ في النار فلا يجوز الانفراد عن جماعة المسلمين بما يفرق الصف ويضعف الأمة قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ) رواه الترمذي ،وقد لا تكون الكثرة بالضرورة هي الجماعة، قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: ” إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك” 12- التسلح بأخلاق الفتن ومنها: أ- الرفق والحلم. ب- الصبر قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْرُ خَمْسِينَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، خَمْسِينَ مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ مِنَّا ؟ قَالَ : خَمْسُونَ مِنْكُمْ.)) رواه البزار ،ج- العدل والإنصاف في كل الأمور ويتأكد ذلك في العدل مع الخصوم فإن النفس أمارة بالسوء داعية إلى الفجور في الخصومة، والمسلم من طبيعته حب الخير للجميع وعدم الشماتة بأحد ولو كان ألد خصومه قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) الانعام 152،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لكل داء دواء ، ولكل أزمة مخرج )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونستكمل الحديث عن طرق الوقاية والعلاج من الفتن ، ومنها : الثقة بنصر الله ووعده والتبشير بذلك فقد تشتد الفتن والأزمات ويعيش الناس في كرب عظيم لكن المؤمن موقن بوعد الله ونصره وأن المستقبل لهذا الدين، قال تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ) يوسف 110. – التعوذ بالله من الفتن الظاهرة والباطنة، وهذا هو منهج الرسول – صلى الله عليه وسلم- في حياته، فإن الدعاء سلاح المؤمن وهو الركن الوثيق الذي يلجأ إليه في المدلهمات والنكبات، فقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يدعو مستعيذاً بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وشرع ذلك لأمته قال – صلى الله عليه وسلم-: ((وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ )) رواه الترمذي، والدعاء هو افتقار وذل من العبد إلى خالقه الذي بيده ملكوت كل شيء وقد تكون الفتنة ظاهرة يعرفها كل أحد وقد تكون خفية لا يفطن إليها إلا من وفقه الله، ولهذا قال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -: ((« تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )) رواه مسلم ، – النظر في عواقب الأمور ومآلاتها وهذه نظرة العقلاء الذين يزنون الأمور بموازين دقيقة ولا يغترون بالظواهر دون اكتراث بالعواقب والنتائج ولا يستفزون من خلال شعارات براقة وجمل تستهوي الضعفاء والبسطاء بعيدة عن الحكمة والمنطق والتصرف السليم بل قد يكون السكوت في بعض الأحوال خير من الكلام، – الحذر من الإشاعات والأكاذيب فإن اليقظة والحيطة في التلقي توجب الحذر مما تتداوله الألسن دون أن يكون له رصيد من الحقيقة، – متابعة الأخيار والعلم بمخططات الأعداء ومواجهتها وهذا يتطلب يقظة تامة لأهل الحق الذين هم صمام أمان للمجتمع ويتوجب عليهم كشف مخططات الأعداء بخطوات متأنية و فهم عميق لهذه الخطط قال – تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الانفال 60. – البعد عن مواطن الفتن فإن الفتن قد تبدو بمظهر جذاب ينجذب إليها كثير من الناس، وقد يتخيل بعضهم سلامتهم منها ولكنهم قد ينغمسون فيها دون إدراك منهم لحقيقة ذلك، والبعد عنها هو من باب لا تتمنوا لقاء العدو، وقد جاء في سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا ». وقد تشتد الفتن فيخاف من ضررها والتأثر بها، ففي هذه الحالة قد يشرع للخائف اعتزال الناس حماية لنفسه من الوقوع فيها كما في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ » . وهذا لا يتنافى مع أصل المخالطة التي قال فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم « الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الَّذِى لاَ يُخَالِطُهُمْ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » رواه أحمد وغيره. – الرجوع إلى الحق : فقد يتردد المرء في أمر يحجم عنه، أو يجزم فيندفع إليه، فإن صدر منه بعد اجتهاد وتأمل أو بعد استشارة لأهل العلم والدين، فإنه مأجور في حال خطئه وصوابه؛ لأن فعله وتركه لم يصدر عن هوى وحظ نفس، ثم قد يظهر له بعد ذلك الخطأ فلا مناص والحالة هذه أن يعود إلى جادة الصواب، فإن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها، ولا يعيبه الرجوع عن حاله السابقة بل هو دليل وعيه وتعقله وبعده عن العصبية المقيتة، فعند أبي يعلى والحاكم وغيرهما، عن أبي جروة المازني قال: سمعت علياً يقول للزبير: ” نشدتك بالله أما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( إنك تقاتلني وأنت ظالم لي؟ قال: بلى، ولكن نسيت)) ثم مضى الزبير منصرفاً. – التقشف وترك التنعم أيام الرخاء : فعند نزول البلاء والمحن يحتاج الناس حينها إلى التقلل من الزاد والحاجيات والبعد عن الرفاهية والتوسيع في المطاعم والمشارب والحياة العامة وفي هذا ثقل كبير على المرفهين والمنعمين الذين يصعب عليهم التأقلم والتعايش أيام الأزمات والفتن لأنها تحول دون رغباتهم وحصولهم على ما كانوا يتمتعون به أيام الرخاء وتمرين النفس وحملها على التخفف والتقشف أيام الرخاء خير معين على التحمل أيام الشدائد والمحن، وقد جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: « السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ » رواه الترمذي . وأخيراً.. هناك ضابط مهم لمعرفة وقوع الشخص في الفتنة ،أو بعده عنها ،ذكره الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – الراوي المتخصص في نقل الفتن التي أخبر بها الرسول – صلى الله عليه وسلم -، قال حذيفة: ” إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا، فلينظر، فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماًً فقد أصابته الفتنة وإن كان يرى حراماً كان يراه حلالاً فقد أصابته الفتنة” ، وهذا ضابط جيد ومعناه أن الفتنة إذا لم تغير نظرته إلى ما يراه حراماً أو حلالاً قبل حدوث الفتنة فقد سلم، وأن غيرت الفتنة بعد حدوثها نظرته فقد وقع فيها.
الدعاء