خطبة عن (الزكاة فريضة، وتزكية، وبركة ، ونماء)
فبراير 21, 2017خطبة عن ( اسم الله: (الرَّزَّاقُ )
فبراير 22, 2017الخطبة الأولى ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ .. تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الأعراف ، وروى الحاكم في المستدرك على شرط البخاري ومسلم : (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : في قول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} آل عمران 102، قال : أن يطاع فلا يعصى و يذكر فلا ينسى)
إخوة الإسلام
اللّه( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) ،فهو الذي يخلق ،وهو الذي يرزق ،وهو الذي يدبر الأمر ،وهو الذي يعلم كل شيء ،لذا ، فهو الذي يستحق العبادة دون سواه، لأنه حي قيوم ،خالق رازق، وعالم قادر ، والله سبحانه وتعالى خلق كل شيء : ومن ذلك : خلق السماوات والأرض وما فيهما وما عليهما وما بينهما من السماوات الطباق والأرضين المهاد والكواكب النيرة والنجوم المضيئة والجبال الراسية والمعادن المتنوعة والأشجار المختلفة والمياه النافعة والحيوانات المختلفة والرياح المتجددة والملائكة العظام والإنس والجان والطير والحيوان والجماد والنبات : (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) لقمان/11 . وهذه المخلوقات العظيمة ،تدل على عظمة الخالق ،وكثرتها تدل على قدرة الخالق ، وألوانها وأجناسها تدل على خبرة الخالق ،واختلاف وظائفها ومنافعها يدل على حكمة الخالق ،وحفظها وتدبيرها يدل على حياة الخالق وعلمه وقدرته وقوته وذلك هو : (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) البقرة/255 . إنه الله ربنا الذي علم كل شيء ،وملك كل شيء ،وخلق كل شيء : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) الأعراف/54 . وهو سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى ،ما شاء الله كان ،وما لم يشأ لم يكن ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس/82 . وربنا على كل شيء قدير ،يخلق ما يشاء كيف يشاء : (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) النور/45 ، وربنا قوي عزيز : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) لقمان/10 ، والله ربنا بكل شيء عليم : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) المجادلة/7 . والله ربنا الذي خلقنا وخلق أرزاقنا : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) فاطر/3 . والله ربنا لطيف خبير : (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) لقمان/16 . والله ربنا عليم قدير : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) الشورى/49 – 50 . والله ربنا جواد كريم : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) غافر/64 . والله ربنا الذي خلق البشرية كلها من نفس واحدة : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) النساء/1 . والله ربنا قوي وقدير ،وخالق كل شيء ،ومحيط بكل شيء ،فله الأمر كله ،وتدبير الأمور بيده ، ولذا أمرنا الله ألا نعبد إلا إياه , ولا نحتكم لأحد سواه ، قال تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف/40 ، وأمرنا الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) آل عمران/123 .
وأمرنا بالأخلاق الحسنة ونهانا عن الأخلاق السيئة بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل/90 . وأمرنا الله بالتعاون على الخير وحذرنا من كل شر بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 . والقلوب مفطورة على الإقرار بأن الملك والخلق لله وحده دون سواه ، قال تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) المؤمنون/84-90 .
أيها المسلمون
وإذا كان اللّه هو الذي يخلق ،وهو الذي يرزق ،وهو الذي يدبر الأمر ،وهو الذي يعلم كل شيء ،فهو سبحانه الذي يستحق العبادة دون سواه ،لأنه حي قيوم خالق رازق عالم قادر ،وغيره عاجز ضعيف لا يخلق ولا يرزق ولا يملك نفعاً ولا ضراً ، قال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) النحل/19-22 . فالله تبارك وتعالى هو الخالق، الذي خلق المخلوقات، وصور الكائنات، وأوجد الموجودات كلها، في العالم العلوي، وفي العالم السفلي. وهو سبحانه الكامل في ذاته، الكامل في أسمائه وصفاته ، ولا يكون عن الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله إلا الفعل المحكم، والصنع المتقن. وهو سبحانه الخالق الذي خلق كل شيء، وأحسن كل شيء خلقه وأتقنه، قال تعالى : {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [النمل: 88]. وهو سبحانه الذي خلق عباده حنفاء على الفطرة كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ» متفق عليه ، وقال الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: « .. خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أحْلَلْتُ لَهُمْ وَأمَرَتْهُمْ أنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا» أخرجه مسلم . فخلق الله عزَّ وجلَّ العباد حنفاء، ولكن الشياطين أخرجوهم عن سنن الحنيفية، وأفسدوا فطرهم وقلوبهم بالشرك والمعاصي، فأرسل الله الأنبياء بسنن الهدى رحمةً بالبشر. وبالأضداد والأغيار يخرج من شاء الله من المخلوقات عن سنن الإتقان والحكمة ،ولولا ذلك لكانت في مرتبتها كالمولود يولد على الفطرة. فالماء مثلا : خلقه الله طاهراً مطهراً، ولكن بمخالطته أضداده من الأنجاس والأقذار تغيرت أوصافه، وخرج عن الخلقة التي خلقه الله عليها، فكانت تلك النجاسات والأقذار بمعنى أبوي الطفل اللذان يفسدان فطرته. وكما أن الماء إذا فسد بمخالطته النجاسات والقاذورات لم يصلح للطهارة، فكذلك الآدمي إذا فسد بالأغيار لم يصلح لمجاورة الرب ودخول الجنة.
أيها المسلمون
إن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ ، ثم تَجِد بعد ذلك من يغيِّر شرع الله، ومَن يعاند منهج الله، ومن يعارض أوامر الله، ومن يصُدُّ عن سبيل الله، إنها مأساة! مأساة اليوم وكلِّ يوم أن يغيَّر البشر شرْع الله؛ فقال الشيوعيون والمادِّيون: ليس له الخلْق أو الأمْر، وقال المشْرِكون والعلمانيون: له الخلق .. ولنا الأَمْر! أمَّا المؤمنون فقالوا: نعَم، له الخلْق، ولَه الأمر، والشَّرْع خط أحمر، والدِّين أصل الأمر. وهذا سيدنا محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يحبُّ قِبْلة أجداده السابقين من الأنبياء والمرسَلين، وأراد الله – عزَّ وجلَّ – أن يحوِّل وجوهَهم صَوْب القدْس بعد الهجرة، لكنَّ النبِيَّ المرسَل، والرسول المؤدَّب، لم يشَأ أن يقترح حتَّى مجرَّد اقتراح، أو أنْ يَدعو حتَّى مجرَّد دعاء لتحويل القبلة، وإنما كان يقلِّب وجْهَه في السماء، في أدَبٍ جَم، وسُمُو فريد، وتواضع رفيع، مع ربِّه وخالقه ورازقه. فهل يغيِّر شرع الله؟ كلاَّ! هل يَتحايل على أمْر الله؟ كلاَّ! هل يبتَدِع في دِين الله؟ كلاَّ ثم كلا! حاش لله أنْ يفعل ذلك رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فما بالُنا بالذين يغيِّرون شرْع الله في كلِّ صباح؟! بقوانين وضْعية وقرارات أرضيَّة، وعادات اجتماعية وسلوكيَّات فرْدية وجَماعية، وأعراض تُنْتَهك وحقوق تُغتَصب وحرِّيات تمتَهن، بل دماء تُسكَب وأرواح تزهَق – باسْم قوانين وقرارات، وعادات وسلوكيات ما أنزل الله بها من سلطان! وعَنْ جَابِرٍ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ « أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً ». فَقَالُوا يَوْمُنَا هَذَا. قَالَ « فَأَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً ». قَالُوا شَهْرُنَا هَذَا. قَالَ « أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً ». قَالُوا َلَدُنَا هَذَا. قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا هَلْ بَلَّغْتُ ». قَالُوا َعَمْ. قَالَ « اللَّهُمَّ اشْهَدْ » رواه أحمد . وقال – صلى الله عليه وسلم -: « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ » ؛ صحيح البخاري. نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب ويرْغَب، لكنْ هل يَقترح؟ لا، هل يَطلب؟ لا؛ لأنَّ الدِّين لا يتغيَّر، والشرع لا يتبدَّل، وهو رسول الله ومصطفاه، وحبيبه وخليلُه، فلا يحبُّ أبدًا أن يَطلب منه تغييرًا في الشَّرع أو تبديلاً في الدِّين، لكنَّه كان يرغب أن يتحوَّل قِبَل الكعبة، مثْلَما كان أيُّوب – عليه السلام – يئِنُّ من المرض، ولكنَّه كان متأدِّبًا مع ربه، لا يقترح عليه حتى مجرد الشِّفاء؛ ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83] مسَّنِي الضرُّ وأنت يا ربِّ به أعْلم، والعبد عندما يرجع إلى ربه يناديه ويخشاه، فإنَّ الله يَهديه إلى مبتغاه، يلبِّي طلباته ويحقِّق رغباته، هكذا الأنبياء، وكذا سالِكُو دَرْب الأنبياء، الصَّالحون المصْلِحون، الذين يبلِّغون دَعْوة الله، ويحْفَظون الدِّين ويَحملون هَمَّ المسلمين، قال تعالى:﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39]. ولكنَّنا في هذا الزمان ، زمان الفتن ، زمان الفساد والضلال ، زمان الانحراف والزيغ ، زمان الباطل والفسق ، نرى ونسمع أقوامًا اقترحوا تغْيير الدِّين ،وتبديل الشرع، والتحايل على أوامر الله، (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) الانعام (132)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ .. تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولنا في قصص السابقين عبرة ،فيمن غيروا وبدلوا وتحايلوا على شرع الله وأحكامه ، فقد كان اليهود لا يَعملون يوم السبت، وإنما يتفَرَّغون فيه لِعَبادة الله، فقد فرَضَ الله عليهم عدم الانْشغال بأمُور الدُّنيا يوم السبت بعد أن طَلبوا منه – سبحانه – أنْ يخصِّص لهم يومًا للراحة والعبادة، لا عمَل فيه سِوَى التقَرُّب إلى الله بأنواع العبادة المختلفة. ولقد ابتلاهم الله – عزَّ وجلَّ – بأنْ جعَلَ الحيتان تَأتي يوم السبت للسَّاحل، وتترَاءى لأهل القرية، بحيث يَسْهل صيْدها، ثم تَبتعد بقيَّة أيَّام الأسبوع، فانْهارت عزائم فرْقة من القوم، واحتالوا الحِيَل – على شيمة اليهود – وبدَؤوا بالصيد يوم السبت، لم يَصْطادوا السمك مباشرة، وإنَّما أقاموا الحواجز والحُفَر، فإذا قدِمَت الحيتان حاطوها يوم السبت، ثم اصطادوها يوم الأحد، كان هذا الاحتيال بمثابة صيْد، وهو محرَّم عليهم. فانقسم أهْل القرية لثلاث فرق، فرْقة عاصية، تَصطاد بالحيلة، وفرْقة لا تَعصي الله، وتقف موقفًا إيجابيًّا مما يَحدث، فتَأْمر بالمعروف وتنهى عن المكر، وتحذِّر المخالِفين من غضب الله، وفرقة ثالثة سلبيَّة، لا تَعصي الله، لكنَّها لا تَنهى عن المنكر. فماذا كانت نتيجة التحايل على شرع الله ؟ وماذا كانت نتيجة تغيير حكم الله؟ ، لقد كان العذاب شديدًا، فقد مسَخَهم الله، وحوَّلَهم إلى قردة عقابًا لهم؛ لإمْعانِهم في المعصية، وتحايُلِهم على شرْع الله، وتحديهم لقانون السماء؛ قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 65 – 66]. وهذا جزاء الذين يَتحايلون على شرع الله، إنَّهم ملعونُون إلى يوم الدِّين؛ قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [النساء: 47]. والتحايل على شرع الله ، كان سببا في هلاك ثمود بعد الهداية ، قال تعالى : ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، وهكذا كلُّ مَن يتحايل على شرْع الله – عزَّ وجلَّ – سيؤْخَذ أخْذَ عزيز مقتَدِر إلاَّ ما رَحِم ربِّي! فما أكثرَ الذين حازوا النياشين لأنَّهم تحايلوا على الشَّرْع وعارضوا الدِّين! وما أكثرَ الذين أُعْطُوا هدايا لأنَّهم قالوا بغير ما أنزل الله ربُّ العالمين! فأين هم من هذه الآيات؟! قال – تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ أيْ: لا يَجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يَجب عليهم أن يُحَكِّموا شرع الله في كل شيء؛ فيما يتعلَّق بالعبادات، وفيما يتعلق بالمعاملات، وفيما يتعلَّق بالقوانين والدساتير والقرارات؛ في جَميع الشؤون الدِّينية والدنيوية؛ لكونِها تعمُّ الجميع، ولأنَّ الله – سبحانه – يقول في محكم آياته:
﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50] ، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44] ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47]. فهذه الآيات عامَّة لِجَميع الشُّؤون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها؛ قال تعالى : ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾[الشورى: 10 ولهذا قال سبحانه : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [النساء: 65] يعني الناس من المسلمين وغيرهم ﴿ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ﴾؛ يعني محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – وذلك بتحكيمه – صلَّى الله عليه وسلَّم – حال حياته، وتحْكِيم سنَّتِه بعد وفاته، فالتحكيم لسنته هو التحكيم لِمَا أُنْزِل من القرآن والسنة ﴿ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء : 65] أيْ: فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم، أنْ يحكِّموا القرآن الكريم، والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم – في حياته، وبعد وفاته باتِّباع سنَّته التي هي بيانٌ للقرآن الكريم، وتفسير له، أما قوله سبحانه: ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65] أيْ: يَجِب أن تنشَرِح صدُورُهم لِحُكمه، وألاَّ يَبقى في صدروهم حرَجٌ ممَّا قضَى بِحُكمه – عليه الصلاة والسلام – لأنَّ حُكْمه هو الحق الذي لا رَيْب فيه، وهو حكم الله – عزَّ وجلَّ – فالواجب التَّسْليم له وانشراح الصَّدْر بذلك، وعدَمُ الحرج، بل عليهم أن يسلِّموا لِذَلك تسليمًا كاملاً؛ رضًا بِحُكم الله، واطمئنانًا إليه. هذا هو الواجب على جَميع المسلمين فيما شجَر بينهم من دعَاوى وخصومات، سواءٌ كانت متعلِّقةً بالعبادات أمْ بالأموال، أم بالأَنْكحة أم الطلاق، أمْ بغيرها من شؤونهم. وهنا يَنتفي الإيمان بالله ورسوله إذا ساد حكمٌ آخَر غير حكْم الله، فمَن زعَم أنَّه يجوز الحكم بغيره، أو قال: إنَّه يجوز أن يتَحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوَضْيعة التي وضَعَها الرجال – قال العلماء برِدَّته. فمَن رأى أنَّ شرْع الله لا يَجِب تحْكيمه، ولكنْ لو حُكِّم كان أفضل، أو رأى أنَّ القانون أفْضل، أو رأى أنَّ القانون يُساوِي حكْمَ الله – فهو كذلك. وهي ثلاثة أنواع: النَّوْع الأول: أنْ يقول: إنَّ الشرع أفضل، ولكنْ لا مانع من تحكيم غير الشرع. النَّوْع الثاني: أن يقول: إنَّ الشرع والقانون سواءٌ، ولا فرق. النوع الثالث: أنْ يقول: إنَّ القانون أفضل وأَوْلَى من الشَّرْع، وهذا أقبح الثلاثة، وكلُّها كفْرٌ ورِدَّة عن الإسلام. أمَّا الذي يرَى أنَّ الواجب تحكيم شرع الله، وأنَّه لا يَجوز تحكيم القوانين ولا غيرِها مِمَّا يخالِفُ شرع الله، ولكنَّه قد يَحكم بغير ما أنزل الله؛ لِهَوًى في نفْسه ضدَّ المحكوم عليه، أو لِرِشوة، أو لأمور سياسيَّة، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، وهو يَعْلم أنه ظالِم ومخطِئ، ومخالِف للشرع – فهذا يكون ناقصَ الإيمان، وقد انتفى في حقِّه كمال الإيمان الواجب. إذًا؛ لا بدَّ أن يُعَاد الحكم لله، ولا بدَّ أن يُّعاد الأمر لله، بل لا بدَّ أن ترجع كل الأمور لله حتى تستقيم الحياة، وتطيب الدنيا، ونصل في الآخرة إلى سفينة النجاة، حتى وإن كذبوا؛ قال تعالى :﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [فاطر: 4]، والحق ما قال ربنا : (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الأعراف
الدعاء