خطبة عن قوله تعالى (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ)
أكتوبر 5, 2019خطبة عن (تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)
أكتوبر 10, 2019الخطبة الأولى ( لماذا لا يهلك الله الظالمين والمفسدين ؟ أين رحمة الله بالمستضعفين ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (42) إبراهيم وفي الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ :(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود (102)
إخوة الإسلام
سؤال كثيرا ما نسمعه : لماذا لا يهلك الله الظالمين والمفسدين ؟ ، أين رحمة أرحم الراحمين من هؤلاء المستضعفين ؟ ، أين قوة الجبار القوي العزيز وعذابه من هؤلاء الطغاة ؟ ، كيف يقر الرب هذه الشناعة والبشاعة ؟ ، كيف ينهى الله عن الظلم ويبغضه والظلم موجود ويكتوي بناره المظلومين ؟ ، إلى غير ذلك من الأسئلة التي نسمعها تتردد وتدور بين الناس ، وربما استخدمها بعض الزنادقة للتشكيك في الإيمان برب العالمين وللإجابة على هذه التساؤلات فلابد أن نفهم ونعلم بعض الحقائق التي قد تغيب عن أذهان الكثيرين منا وهي : أولا : أن من سنن الله تعالى في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ، فلا يؤاخذ الله الظالم من أول ظلمه، بل يمهله ويمهله حتى لا يكون له عذر ، ويعطيه الله فرصة للتوبة ، ولو آخذ الله كل ظالم من أول ظلمه، ما ترك على ظهر الأرض من دابة ، قال الله تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل (61) ، ثانيا : لا بد أن نعلم أن من صفات الله : ( الصبور ) فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ) رواه البخاري ومسلم ، قال الخطابي رحمه الله : ( الصَّبُوْرُ: هُوَ الذِي لَا يُعَاجِلُ العُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، بَلْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى أجَلٍ مُسَمَّى ، وَيُمْهِلُهُم لِوَقْتٍ مَعْلُوْم). ثالثا : ولنعلم أيضا أن الدنيا هي دار عمل ، وليست دار جزاء ، وأن الآخرة هي دار جزاء ، وليست دار عمل ، والله تعالى يمهل الظالم ليترقى في الظلم، ويرتفع فيه حتى يبلغ السماء، فيراه ويسمع به كل من على الأرض شرقاً وغرباً، حينها يأمر الله به أن يُوضع ،ويهوي في أسفل سافلين، فكلما ارتفع الظالم وعلا ، كان أبين لسقوطه والاعتبار به، ولهذا قال الله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود (102) ، وفي الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود (102) ، فالألم والشدة مجتمعة لا تكون إلا بعد ارتفاع وعلو في الظلم، وهكذا ذكر الله لأخذ الظالمين في القرآن كله موصوف بنوع بطش وقسوة، وهذا لا يتناسب مع مظلمة الدينار والدرهم ،ومظلمة اللحظة والساعة ،لأن الله تعالى عادل ،ولا يُعاقب بعقوبة عظيمة على مظالم يسيرة. وهذا ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » ، فالإملاء إشارة إلى تتابع الظلم ،والترك الإلهي له ليرتفع الظالم فيسمع به البعيد والقريب، ويلوح للرائي من بعيد، فترى عقوبته وتسمع من مكان رؤية الظالم والسماع به، وهنا لا يشفق عليه أحد ، ولا يترحم عليه مترحم .
رابعا : لا بد أن نعلم أن الله تعالى من صفاته أنه (عليم ، وحكيم ) قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (26) النساء، وقال الله تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة ، فهو سبحانه يقدر بعلم وحكمه ، ولا يتعجل الأمور بعجلتنا ، ولكن كل شيء عنده بمقدار وميقات محدد، ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة من قريش ، والله يعلم أن منهم من سيدخل في الاسلام ، بل وسيكون جنديا من جنود الله ،ويقهر الله به الكافرين ، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (128)، (129) آل عمران ، وفي صحيح البخاري : (حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ « اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا » . بَعْدَ مَا يَقُولُ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ » . فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ) إِلَى قَوْلِهِ ( فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) (128) آل عمران ، خامسا : أن من سنن الله تعالى أن يبتلي الله الناس بعضهم ببعض، ليعلم الصادق في إيمانه ، والصابر على قضائه ، من الكاذب في إيمانه ، والساخط على قضائه ،قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) الفرقان (20) ، ففي الوقت الذي يمهل الله فيه الظالم ليزداد ظلما وفسادا ، فتشتد عليه العقوبة في نار الجحيم ، يبتلي الله المؤمنين به ، لترتفع درجاتهم في جنات النعيم ، قال الله تعالى : (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) محمد 4، وقال الله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (2) :(4) العنكبوت ، وقال الله تعالى : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (179) آل عمران ، ففترة الإمهال الطويلة ينزل الله ظلم الظالم على الناس بحكمة، إما عقوبة لأفراد فيظلمهم الظالم بالزيادة على ما يستحقون، وإما ابتلاءً وتمحيصاً ورفعة وتكفيراً لآخرين، وقد تجتمع هذه كلها. ولو عاقب الله الأفراد بمظالمهم التي يقعون بها لأول مرة، لتنافى هذا مع الرحمة والعفو والصفح الإلهي، ولكن الله لحكمته البالغة يمهل الظالم ليعتبر به من في الأرض كلهم ولو وكلهم إلى عقوبات الصغائر والكبائر اللازمة لما زادهم إلا تمرداً.
أيها المسلمون
إن سنن الله الكونية في عباده لا تتبدل ولا تتغير، فلا يردها قوي مهما بلغت قوته، ولا تتعجل لمستعجل حتى تبلغ أجلها الذي ضربه الله تعالى لها ، قال الله تعالى : {سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62]. ،ومن سنن الله تعالى في عباده سوق الظالمين إلى مهالكهم، وإيباقهم بما كسبت أيديهم. وهي سنة في الظالمين ثابتة لا تتغير ولا تتخلف، سواء كان ظلمهم لأنفسهم، أم كان لغيرهم، لأن تحريم الظلم مطلق محكم لا يجري عليه أي استثناء، فلا يباح الظلم أبدًا، فلا مصلحة تبيحه، ولا ضرورة ؛ وذلك ليُقطع الطريق على الظلمة فلا يسوغون ظلمهم، ولا يعتذرون باضطرارهم إليه، أو تحقيق المصالح به. وإذا كان تحريم الظلم محكمًا مطلقًا مغلظًا، فإن الله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بظلم اقترفه؛ ولذا قال سبحانه {هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:47] . وعقوبة الظالم لا تتخلف أبدًا؛ فهي عقوبة تصيبه في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما جميعًا، وكل الأمم التي عذبت وأهلكت علق هلاكها بظلمها، وهي أمم كثيرة كما دل على ذلك القرآن {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ . فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف:4-5] ، فسنة الله تعالى ماضية في عذاب الظالمين وإهلاكهم. وفي تعبير قرآني آخر {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا} [الحج:48]، و{كَأَيِّن} إنما تستخدم عند العرب لتكثير العدد، وهذا يدل على كثرة تلك القرى التي أخذها الله تعالى، وهذا يدل على أن هذه السنة الربانية في الظالمين مضطردة لا تتخلف، فيستبشر المظلومون بها، ويوقنون بأن الله تعالى منتقم من الظالمين لا محالة، وأن ظلمهم للضعفاء لا بد أن يعود ضرره عليهم؛ فللكون رب يدبره، وله سبحانه حُكم يفرضه، وله تعالى قدر يُنْفِذُه، وله عز وجل سنن يمضيها، فلا ييأس مؤمن يعلم ذلك ويوقن به، وقد يستبطئ المظلوم هلاك الظالم؛ لشدة ما يعاني من الظلم، وما يجد من القهر، وما يحس به من الغبن، ولا سيما إذا كان الظلم ظلمًا في الدين، وأذى في ذات الله تعالى، واستباحة للدماء، وانتهاكًا للأعراض، وتهجيرًا من الديار، ولكن ما يريح المظلوم المقهور لو قرأه فتدبره قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لماذا لا يهلك الله الظالمين والمفسدين ؟ أين رحمة الله بالمستضعفين ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إذا أيقن المظلوم أن الله تعالى مطلع على ظلم الظالم، مع علمه بأنه سبحانه يهلك الظالمين؛ علم أن الله تعالى إنما يؤخر هلاك الظالم لأمر يريده، فيه مصلحة للمظلوم، وهذا من تمام لطف الله تعالى بالمظلومين. وفيه عقوبة للظالم ، فليحذر المؤمن من استبطاء وعد الله تعالى في الظالمين؛ لأن سنن الله تعالى في عباده تجري على وفق علمه وحكمته، ولا تتكيف سننه سبحانه بأهواء الخلق ورغباتهم، وإلا لكان الخلق يشاركون الله تعالى في خلقه وأمره، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ، قال الله تعالى : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]، وقال الله تعالى : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22]. وقد دل القرآن على أن لعذاب الظالمين موعدًا مضروبًا، وأجلًا محتومًا، قد قدره الله تعالى، فلا يستقدم عنه لرغبة المظلومين، ولا يستأخر عنه لرغبة الظالمين ، قال تعالى : {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف:59]. وهذه السنة في هلاك الظالمين، واستخلاف المظلومين بعدهم؛ وعد من الله تعالى أوحى به إلى رسله عليهم السلام؛ تأكيدًا على أن هذه السنة الربانية جارية في الأمم كلها قال تعالى : {فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ} [إبراهيم:13-14] وقد وقعت هذه السنة العظيمة في الأمم السالفة، قال الله تعالى في فرعون وجنده : {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ . وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:136-137]. فالله تعالى يملي للظالمين حتى يأمنوا، ويولي بعضهم بعضًا ليفرحوا، ويمدهم في طغيانهم ليعمهوا، ثم يديل عليهم فيُهزموا، وما من ظالم إلا وقد حاك أسباب هلاكه بيديه، ومشى إلى حتفه برجليه؛ قَدَرًا من العليم القدير؛ ليوقعه في شر أفعاله، فيبكي ندمًا على حياته وأعماله، ولات حين مندم ، قال تعالى :{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]،
أيها المسلمون
إن هذه السنة الربانية المتكررة عبر الأزمان يحتاج إلى قراءتها وفهمها كل البشر في هذا العصر سواء أكانوا من الظالمين أم من المظلومين ، فالظالمون يحتاجون إلى قراءتها وتدبرها وفهمها، لعلهم يرتدعون عن ظلمهم ويرعوون عن كفرهم فيشكرون الله – تعالى – على ما مَنَّ به عليهم من القوة والسيادة في الأرض بإقامة العدل، ورفع الظلم، وعدم استغلال ضعف الضعفاء بالتسلط عليهم، ونهب ثرواتهم ومقدراتهم، وتبديل دينهم وثقافتهم، يحتاج الظالمون إلى معرفة السنة الربانية في إهلاك الظالمين لعلهم يجتنبون الظلم، والمظلومون في أَمَسّ الحاجة إلى معرفتها أيضًا، ولا سيما إذا كانوا من المسلمين أتباع الأنبياء – عليهم السلام – لأن معرفتهم بعواقب المجرمين ومصارع الظالمين تزيدهم إيمانًا بدينهم، ويقينًا إلى يقينهم، وثباتًا عليه مهما كانت التبعات والتضحيات. كما أن فيها تسلية لهم، وفتحًا لأبواب الفرج والنصر، وكلما زاد ظلم الظالمين، واستكبار المجرمين، وأصروا على تغيير معالم الدين علم المؤمنون أن هلاك الظالمين بات وشيكًا، وأن سنة الله الماضية في الظلم وأهله قد أَزِفَ وقوعها، لتكون عذابًا على أعداء الديانة، ورحمة ونجاة لأتباع الرسل – عليهم السلام -، كما مضت سنة الله – تعالى – في الظالمين السابقين الذين هلكوا في أوج قوتهم وسيادتهم، واستفحال ظلمهم وطغيانهم ، قال تعالى : “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ, حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مٌّبلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ” (الأنعام: 44-45)، وقال تعالى : “وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ” (هود: 102).
الدعاء