خطبة عن حديث (الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ)
أكتوبر 12, 2019خطبة عن (هل الإسلام هو سبب تخلف المسلمين اليوم؟)
أكتوبر 17, 2019الخطبة الأولى ( لي أمنيتان : تحكيم شرع الله ، والنظر إلى وجه الله الكريم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (96) :(99) الأعراف ، وقال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (28) إبراهيم
إخوة الإسلام
جلست مع نفسي يوما متفكرا ومتأملا ، وسألتها ، ماذا تتمنين ، فكانت الاجابة : لي أمنيتان -أسأل الله أن يحققهما لي ولكل المسلمين- أمنية في الحياة الدنيا ، وأمنية في الدار الآخرة ، أما أمنيتي في الحياة الدنيا فهي : أن يُحكم بكتاب الله ، وأن يسود الأرض شرعه ، وأن تعود للأرض سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما أمنيتي في الدار الآخرة فهي : دوام النظر إلى وجهه الكريم ، ومجاورة رسوله محمد والنبيين ( عليهم أفضل الصلاة والتسليم ) ، ففي أمنية الدنيا يتحقق الأمن والرخاء ،والعدل والمساواة ، ويسود الحب والسلام والوئام ، وتطرح الأرض بركتها ، وتُنزل السماء خيراتها ، ويرضى عنهم رب العالمين ، فقد فرض الله علينا الحكم بشريعته فقال الله تعالى : ﴿ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213].وقال الله تعالى : ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40]. ، وحين يُقام شرعُ الله، فإنُّه يتمُّ كفُّ البشَر عن التشريع بعضهم لبعض، وجُعل التشريع حقًّا خالصًا لله سبحانه وتعالى، فهو الذي يَشرَع، وهو الذي يضَع المعايير، وهو الذي يُحدِّد للبشر ما يجوز لهم وما لا يجوز، لأنه سبحانه وتعالى – هو الخالق، وهو الرزَّاق ذو القوَّة المتين، وهو الحكيمُ العليم، وهو الغني، وهو اللطيف الخبير… إلى آخِر ما يتفرَّد به الله مِن الصِّفات، فالتشريع هو من خصائص ربوبية الله تعالى، فالحلال ما أحله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والحرام ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى هذا: أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديمهما على كل قول ، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة. ولهذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ لأنه سبحانه المنزه عما يصيب البشر من الضعف، والهوى والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم اللطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة ،ليتحقق لهم العدل والخير والسعادة، بل والرضا والاطمئنان النفسي، والراحة القلبية، ذلك أن العبد إذا علم أن الحكم الصادر في قضية يخاصم فيها هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قبل ورضي وسلم، وحتى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أن الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنه لا يرضى ويستمر في المطالبة والمخاصمة، ولذلك لا ينقطع النزاع، ويدوم الخلاف، وإن الله سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التحاكم إلى وحيه، رحمة بهم وإحسانا إليهم، فإنه سبحانه بين الطريق العام لذلك أتم بيان ، وأوضحه بقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:58، 59]
أيها المسلمون
لقد تكفل الله عز وجل لمن تبع شرعه المنزل على رسله بالهداية وسعادة الدارين، قال الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]، قال ابن عاشور رحمه الله: (معناه: أنه إذا اتبع الهُدى الوارد من الله على لسان رسله سَلِم من أن يعتريه شيء من ضلال … أي فلا يعتريه ضلال في الدنيا، بخلاف من اتبع ما فيه هدى وارد من غير الله فإنه وإن استفاد هدى في بعض الأحوال لا يسلم من الوقوع في الضلال في أحْوال أخرى. وهذا حال متبعي الشرائع غير الإلهية وهي الشرائع الوضعية فإن واضعيها وإن أفرغوا جهودهم في تطلب الحق لا يسلمون من الوقوع في ضلالات بسبب غَفلات، أو تعارض أدلة، أو انفعال بعادات مستقرة، أو مصانعة لرؤساء أو أمم رأوا أن من المصلحة طلبَ مرضاتهم … والشقاء المنفي في قوله {ولا يشقى} هو شقاء الآخرة لأنه إذا سلم من الضلال في الدنيا سلم من الشقاء في الآخرة)، وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124]، أي معيشة ضيق وشقاء، وإن كان صاحبها من أهل المال والنعيم المادي، قال ابن كثير رحمه الله: (أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة) ، ومن أهم الفوائد أيضا من تطبيق شرع الله تعالى : نزع شوكة الفساد من الأرض، ففي مجال المعاملات نجد أن تطبيق أحكام الشريعة لها نتائج هي أعظم النتائج في حياة الناس؛ إذ الشريعةُ بما قرر بها الحق -جل وعلا- تستهدف رفع الظلم، وإقامة العدل في الأرض، ولا شك أن الظلم يتبعه الخراب، وأن العدل يتبعه الرخاءُ والنماء، والظلم مدمر، والعدل معمر، ومن ثمّ فتطبيق شريعة الله تعني انفتاح البركات وزيادة الخيرات، ولا شك عند كل ذي لبّ، من مؤمن أو كافر، أن إقامة الحدود -أعني العقوبات الشرعية- هي من أكبر أسباب زيادة الخيرات والبركات؛ لأن قطع يد السارق يعني المحافظة على الأموال، وخروجها من المخابئ، ليعمل بها الناس في التجارات، والزراعات، والصناعات؛ فإذا توفرت له الحماية خرج، وفي خروجه مصلحة للأمة وللبشرية، لكن إذا انتشرت اللصوصية، وقطعت الطرق، وإذا انتشر الظلم، فإن المال يختبئ، وإن صاحبه يهرب به. وأيضًا قتل القاتل فيه ردع عن الجريمة المسببة لخراب العمران، وتقطيع أوصال المجتمعات. وتنفيذ حدّ الزنى قاطع لدابر البغاء، وانتشار الأمراض الفتاكة المهلكة وسلامة الأنساب ونقائها، وراحة الأنفس وصفائها، وبهذا نعطي الفرصة لإقامة الأسرة السعيدة التي يسعد فيها الزوجان وينعم الأولاد بالرعاية والتربية الصالحة، وهذا عامل من عوامل بناء الأمة وقوتها، فالمجتمع الإسلامي الذي يظهر على هذا النحو من النظافة والطهر، سيكون مجتمع الخير، والبركة والنماء؛ قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]
أيها المسلمون
أما أمنيتي في الدار الآخرة فهي أن يتفضل الله علينا بأعظم نعيم في الجنة ، فهو نعيم لا يدانيه نعيم ، إنه النظر إلى وجه الله الكريم ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ – قَالَ – يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ – قَالَ – فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ».، حقا حقا : (فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لي أمنيتان : تحكيم شرع الله ، والنظر إلى وجهه الكريم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة (22) ،(23) ، أي أن وجوه المؤمنين تكون حسنة بهية مشرقة مسرورة بسب نظرها إلى وجه ربها ، قال الحسن (رحمه الله) : ” نظرت إلى ربها فنضرت بنوره “. وقال جل شأنه :(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (31) :(35) ق ، فالمزيد هنا هو:” النظر إلى وجه الله عز وجل ” كما فسره بذلك علي وأنس بن مالك رضي الله عنهما ، وقال سبحانه : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) يونس/26 ، فالحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم ، كما فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في صحيحه (عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) ، فاللهم ائذن لشرعك أن يحكم الأرض وأن يسود ،وائذن لكتابك أن يقود ،وائذن لسنة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم أن تعود ، اللهم حكم فينا شرعك ،ولا تتركنا لأحد غيرك ، اللهم حكم فينا دستور السماء ، ولا تحكم فينا قوانين البشر، اللهم ول أمورنا خيارنا ،ولا تول أمورنا شرارنا ، اللهم ول علينا من يخشاك ،ويحكم بكتابك ولا ينساك ، آمين ، آمين
الدعاء