خطبة عن (من آيات القدرة ودلائل العظمة)
يونيو 21, 2025خطبة عن (لا بد للحق من قوة تحميه)
يونيو 21, 2025الخطبة الأولى (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (45)، (46) النمل.
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، نتدبر معانيها، ونتفهم مراميها، ونرتوي من نبعها الصافي، ونرتشف من رحيقها المختوم، وبداية: يقول علماء التفسير: معنى قوله تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، أي: (هلا تطلبون المغفرة من الله ابتداء، وتتوبون إليه من شرككم وعصيانكم ،وتدعوه أن يغفر لكم؛ رجاء أن ترحموا، فإن رحمة الله تعالى قريب من المحسنين، والتائب من الذنوب هو من المحسنين)، وقَالَ قَتَادَةُ: (إِنَّ هَذَا القُرآنَ يَدُلُّكُم عَلَى دَائِكُم وَدَوَائِكُم، فَدَاؤُكُمُ الذُّنُوبُ، وَدَوَاؤُكُمُ الاستِغفَارُ). وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ: (يَقُولُ اللهُ تعالى: “يَا عِبَادِي، إِنَّكُم تُخطِئُونَ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاستَغفِرُوني أَغفِرْ لَكُم”. فأول عَلامَاتِ الرُّجُوعِ إِلى اللهِ، وَأَوَّل أَمَارَاتِ الخُضُوعِ، أن تلهج الألسن بِالاستِغفَارِ في اللَّيلِ وَالنَّهَارِ، استِجَابَةً لِدَعوَةِ الرحمن الرَّحِيمِ، وَتَوبَةً إِلى الكَرِيمِ الغَفَّارِ، القَائِلِ في كتابه العزيز: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:199].
فالذنوب والمعاصي أصل كل مصيبة، وسبب كل بلية، ومصدر كل بلاء، ومفتاح كل فتنة، وسبب كل فساد في البر والبحر، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41). والمعاصي والخطايا تورث الحرمان: حرمان التوفيق، وحرمان الهداية، وحرمان الفهم، وحرمان العبادة، وحرمان المغفرة، وحرمان لذة الطاعة، وحرمان إجابة الدعاء، حتى إنها تحرم صاحبها العلم، وتحرمه الرزق، ففي مسند أحمد: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ)، والمعاصي تعقب الخذلان: فهي تقرب العذاب، وتستجلب غضب الوهاب، وتعسر الأمور، وتزيل النعم، وتحل النقم، فما نزل بلاء إلا بذنب، قال الله تعالى: {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا} (نوح:25)، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (الشورى:30)، وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:160،161).
ولما كان كل ابن آدم خطاء، لم يكن أمام الخلق ملجأ يهرعون إليه، ولا باب يلجون منه إلى الله، إلا بالتوبة والاستغفار، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31). وقال تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النمل:46،
فالاستغفار في ذاته عبادة من أجل العبادات، وقربة من أفضل القربات، وله آثار جليلة على المكثرين منه، المداومين عليه، فهو يورث صاحبه راحة البال، وانشراح الصدر، وسكينة النفس، وطمأنينة القلب، والله يمتع صاحبه المتاع الحسن، قال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً} [هود:3]. فما نزل بلاء إلا بذنب، وما دفع ولا رفع إلا بتوبة، وإذا تأملت ما يحدث من غلاء وبلاء، وسوء أحوال، وضنك في المعيشة، وضيق في التجارات، وكساد في الأسواق، فثق وتيقن أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم عباده، ولا يعاقبهم من غير ذنب أو جريرة، وإنما كل ذلك بما كسبت الأيدي، وظلمت الأنفس، وما يعفو الله عنه أكثر، وإنما يذيق الله القرى لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، قال تعالى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} آل عمران:182، وقال تعالى {إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يونس:44، ومن أعظم ما يستدفع به البلاء، وترفع به البأساء والضراء، أن يستكين العباد لربهم، ويستغفروه، ويتضرعوا إليه، ويتذللوا له، تائبين منيبين ،متحللين من المظالم كلها، وعازمين على الإنابة، وحسن العمل، لعل الله أن يكشف البلاء، ويرفع الضراء.
أيها المسلمون
ولعظيم فضل الاستغفار ومنفعته للعباد، جاء القرآن الكريم ليدل عباد الله، ويدعوهم ويوجههم إليه، ويأمرهم بالمسارعة إليه، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133)، وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة:199). وبيَّن سبحانه أن الاستغفار من صفات المتقين، وسبب من أسباب دخول جنات النعيم، وفي الحديث القدسي الذي رواه الترمذي: [قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي].
فبِالاستِغفَارِ تَطِيبُ الحَيَاةُ، وَيُمَتَّعُ العِبَادُ بِهَا، وَبِهِ تُستَنزَلُ الأَمطَارُ، وَتُجرَى الأَنهَارُ، وَبِهِ تُستَمَدُّ الأَموَالُ، وَيُطلَبُ الأَولادُ، وَيُرفَعُ المَرَضُ وَالفَقرُ، وَإِلَيهِ يَفزَعُ مَنِ اشتَكَى الضَّعفَ وَقِلَّةَ الحِيلَةِ وَالهَوَانَ، قَالَ تَعَالى – عَن نُوحٍ – عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿فَقُلْتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا﴾ [نوح:10–12]، وَقَالَ -تعالى- عَن نَبِيِّهِ هُودٍ – عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿ وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ ﴾ [هود: 52]،
وَالاستِغفَارُ هُوَ دَيدَنُ الأَنبِيَاءِ، وَبِهِ أَمَرُوا أَقوَامَهُم، مِن لَدُنْ آدَمَ وَزَوجِه – عَلَيهِما السَّلامُ – ﴿ قَالا رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِن لم تَغفِرْ لَنَا وَتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف:23]، وَقَالَ نُوحٌ – عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿رَبِّ اغفِرْ لي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتيَ مُؤمِنًا وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا﴾ [نوح:28]، وَقَالَ إِبرَاهِيمُ – عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿رَبَّنَا اغفِرْ لي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسَاب﴾ [إبراهيم:41]، وَقَالَ مُوسى – عَلَيهِ السَّلامُ – لَمَّا قَتَلَ رَجُلاً مِنَ الأَقبَاطِ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفسِي فَاغفِرْ لي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص:16]، وَقَالَ نَبيُّ اللهِ شُعَيبٌ – عَلَيهِ السَّلامُ – لِقَومِهِ: ﴿وَاستَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود:90]، وَقَالَ نَبيُّ اللهِ صَالِحٌ – عَلَيهِ السَّلامُ – لِقَومِهِ: ﴿ فَاستَغفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود:61]، وَأَمَّا نَبِيُّنا وَإِمَامُنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – فَقَد كَانَ وَهُوَ المَغفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، يُكثِرُ مِنَ الاستِغفَارِ، فَعِندَ البُخَارِيِّ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “وَاللهِ إِنِّي لأَستَغفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ في اليَومِ أَكثَرَ مِن سَبعِينَ مرَّةً “، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ: (أَنَّهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلى رَبِّكُم، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيهِ في اليَومِ مِئَةَ مَرَّةً “،
أيها المسلمون
وللاستغفار فضائل وفوائد وثمرات متعددة وكثيرة: فمن منافع الاستغفار: أنه سبب لقوة الجسم، وصحة البدن، والسلامة من العاهات والآفات، والأمراض، قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} [هود:52]. كما أنه سبيل لدفع الكوارث، والسلامة من الحوادث، والأمن من الفتن والمحن، ومانع وحافظ من نزول عذاب الله، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال:33). ومن أراد غيثا مدرارا، وذرية طيبة، وولدا صالحا، ورزقا واسعا، ومالا حلالا، فليلزم الاستغفار كما قال نوح: {فقلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا يرسل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10ـ12] وفي الاستغفار تكفير السيئات، وزيادة الحسنات، ورفع الدرجات، قال تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:58].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وفي الاستغفار استرضاء لرب الأرض والسموات، مع الاعتراف بالذنب والتقصير في حق المنعم المتفضل، ويقول الإمام ابن كثير: “من اتصف بصفة الاستغفار يسر الله عليه رزقه، وسهل عليه أمره، وحفظ عليه شأنه وقوته.. فإن كان ضعيفا قوي، أو مريضا شفي، أو مبتلى عوفي، أو محتارا هدي). والاستغفار له ألفاظ عديدة، وسيدها على الإطلاق ما رواه البخاري في صحيحه: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، (وعَنِ ابنِ مَسعُودٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ” مَن قَالَ: أَستَغفِرُ اللهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ، غُفِرَت ذُنُوبُهُ وَإِن كَانَ قَد فَرَّ مِنَ الزَّحفِ ” رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رضي الله عنه -. أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيم»، وفيهما أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ «رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»،
وَقَد كَانَ لِلأُمَّةِ أَمَانَانِ مِنَ العَذَابِ، فَذَهَبَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الآخَرُ، ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – وَبَقِيَ الاستِغفَارُ مَعَنَا، فَإِذَا ذَهَبَ الاستِغفَارُ هَلَكنَا، قَالَ اللهُ -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرُونَ﴾ [الأنفال:33]، أَلا فَأَكثِرُوا مِنَ الاستِغفَارِ؛ فَإِنَّهُ وَظِيفَةُ العُمُرِ كُلِّهِ، بَعدَ العِبَادَاتِ، وَفي خِتَامِ المَجَالِسِ، بَل وَفي خِتَامِ الأَعمَارِ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن ثَوبَانَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ استَغفَرَ ثَلاثًا وَقَالَ: “اللَّهُمَّ أَنتَ السَّلامُ وَمِنكَ السَّلامُ تَبَارَكتَ ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ”، وَقَالَ سُبحَانَهُ عَنِ المُتَّقِينَ: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات:17،18]. أَلا فَلْنَقتَدِ بِنَبِيِّنَا وَلْنُكثِرْ مِنِ استِغفَارِ رَبِّنَا، وَلْنَحرِصْ عَلَى مَا وَرَدَ عَنهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – في ذَلِكَ وَمَا حَثَّ عَلَيهِ مِن صِيَغِ الاستِغفَارِ، فَإِنَّهُ أَعلَمُ النَّاسِ بِرَبِّهِ، وَأَفقَهُهُم بِمَا يُرضِيهِ وَيُنزِلُ رَحمَتَهُ، فَمَا أَقرَبَ الفَرَجَ وَأَدنى الـمَخرَجَ مِنَ التَّائِبِينَ المُستَغفِرِينَ.
الدعاء