خطبة عن (محبة أهل بيت النبي، وفضائلهم وكيف نحبهم؟)
يناير 25, 2017خطبة عن حديث (ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ،وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ)
يناير 28, 2017الخطبة الأولى (لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ) إنه التابعي (الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الطبراني في معجمه : ( حد ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِذَا دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِذْنٌ لأَحَدٍ حَتَّى يَفْرُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ : ” يَا أَبَا يَزِيدَ لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ ، وَمَا رَأَيْتُكَ إِلا ذَكَرْتُ الْمُخْبِتِينَ ” .
إخوة الإسلام
نقف اليوم مع عَلَمٍ من أعلام التابعين، وواحد من كبار الفقهاء والعُبَّاد والزُّهَّاد، ومن أهل الوَرَع والخشية، مع الذي جعل الله له ذكرًا في العالمين، مع الذي نشأ منذ نعومة أظفاره على طاعة الله، وفَطَمَ نفسه منذ حداثته على تقواه، مع أحد خريجي مدرسة الصحابة – رضي الله عنهم – مع من تَتلمذَ على يد سيدنا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – صاحب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقد تعلَّق هذا التابعي بأستاذه تعلُّق الوليد بأمِّه، وأحبَّ الأستاذ تلميذه حبَّ الأب لوحيده، حتى قال له ابن مسعود في ذات يوم: “يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين”. إنه التابعي الجليل: (الرَّبيع بن خُثَيْم)، إنَّه علمٌ من أعلام التابعين…وأحد الثمانية الذين انتهى إليهم الزهد في عصرهم. فهو عربي الأصل [ ينتهي إلى مضر أحد أجداد رسول الله عليه الصلاة والسلام ]…ويلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جدَّيه إلياس ومُضر. وقد نشأ منذ نعومة أظفاره في طاعة الله…وفطم نفسه منذ حداثتها على تقواه…كانت أمه تنام في الليل ثم تصحو فتجد ابنها اليافع مازال صافاً في محرابه…ســابحــاً في منـــاجاتــه…مُستغرقاً في صـــلاته…فتناديه وتقول :يا بني- يا ربيع- ألا تنام؟. فيقول: كيف يستطيع النوم من جنَّ [غشاه الليل وأظلم عليه]عليه الليل وهو يخشى البيات؟ (هجومُ الخصوم) ولمَّا شبَّ الربيع ونما ،شبَّ معه ورعه ،ونمت بنموه خشيته من الله… كيف لا ،وقد تتلمذ الربيع بن خُثيم على يد عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرب الصحابة هدياً وسمتاً [ هيئة ] من النبي صلوات الله وسلامه عليه. وكان ابن مسعود يرى من صفاء نفس الربيع، وإخلاص قلبه وإحسان عبادته ما يملأ فؤاده أسى على تأخر زمانه عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وحرمانه من صحبته ،ولم يكن عبد الله بن مسعود مغالياً في ذلك . فقد بلغ الربيع بن خُثيم من الخشية والورع والتقوى مبلغاً قلَّما سما إليه أحد من طبقته. روى أحد صحابة الربيع قال: صحبت الربيع عشرين سنة فما سمعته يتكلم إلا بكلمةٍ تصعدُ…وتلا قوله عز وجلّ { إليه يصعدُ الكـــلِمُ الطيِّبُ والعَمَلُ الصَّالحُ يرفعُهُ} سورة فاطر 10، وأخبر عنه عبد الرحمن بن عجلان قال :بِتُّ عند الربيع ليلةً فلمَّا أيقن أنِّي دخلت في النوم قام يصلي: فقرأ قوله جلّ وعزّ { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } (الجاثية 21) فمكث ليله حتى أصبح ما يجوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد .
أيها المسلمون
واليوم إن شاء الله نسلِّط الضوء على سيرته العطرة، ونقف معها؛ لنهتدي بها في حياتنا وتعاملنا، فالأمَّة اليوم بحاجة إلى من يحدثها عن سِيَر هؤلاء الأعلام، أمثال: الرَّبيع بن خُثَيْم؛ لتقتدي بها وترى أصحاب الهِمم العالية والعزيمة الصادقة؛ قال الله – تعالى –: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة يوسف: 111]. الصورة الأولى: الربيع يغض بصره عن الحرام: إن إطلاق البصر سببٌ لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد! وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين! وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة، والعياذ بالله! فالعين مِرآة القلب، فإذا غضَّ العبد بصره، غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره، أطلق القلب شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصَرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة. ولذلك؛ كان السلف الصالح يبالغون في غضِّ البصر؛ حذرًا من فتنته، وخوفًا من الوقوع في عقوبته، فكان الربيع بن خُثَيْم – رحمه الله – يغضُّ بصره، فمرَّ به نسوة، فأطرق – أي: أمال رأسه إلى صدره – حتى ظنَّ النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى. وفي ذات يوم قِيلَ له: يا ربيع، لم لا تجلس في الطرقات مع الناس؟ فقال: أنا أخشى ألاَّ أردَّ السلام ولا أغضَّ بصري. هكذا يبالغ الربيع بالغضِّ، حتى يحافظ على قلبه الذي ربَّاه على الإيمان، فأين شباب اليوم من هذه الخصلة، التي هي غض البصر؟! أين الذين ينظرون إلى النساء المتبرِّجات في الطرقات والأسواق؟! أين الذين ينظرون إلى النساء من خلال الأفلام والمسلسلات والأغاني؟! أين الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله إذ يسترقون النظرات إلى النساء؟! فهذا درسٌ عظيم من الربيع إلى كلِّ المسلمين، وخاصة الذين يجلسون في الطرقات والأسواق: أن كفُّوا أبصاركم عن النظر إلى الحرام. الصورة الثانية: الربيع يشتغل بعيوبه عن عيوب الآخرين: لقد اشتغلَ الربيع بعيوب نفسه، وترك الاشتغال بعيوب الآخرين، وطبَّق في حياته ما قاله الله -تعالى – في كتابه الخالد: ﴿ والَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]، ففي ذات يوم قِيلِ له: يا أبا يزيد، ألا تذمُّ الناس؟ فقال: والله ما أنا عن نفسي براضٍ فأذمَّ الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم. نعم والله صدق الربيع، ألا ترون أيها الناس، أننا في مجالسنا نتحدث ونقول: والله نخشى من عذاب الله من أفعال فلان وعلان، ونخاف من عذاب الله من أقوال فلان وفلان، ولكننا ننسى أن نخافَ على أنفسنا من عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا. هذا إبراهيم التيمي، قال – وهو يتحدث عن أخلاق الربيع -: “أخبرني من صحب الربيع بن خُثَيْم عشرين سنة: ما سمع منه كلمة تعاب”، الله أكبر. أيُّ تربية هذه التي كان ينتهجها الربيع مع نفسه، حتى كانت هذه السيطرة على لسانه، فلا يُسمعُ منه كلمة تُعاب مع طول مدة الصُّحبة؟! وجاء رجلٌ إلى الربيع بن خثيم، فاغتاب أخًا له، فقال الربيع بن خثيم: أقاتلت الروم؟ قال: لا، قال: أقاتلت فارس؟ قال: لا، قال: فيَسلَمُ منك فارس والروم، ولا يسلم منك المسلم؟! قُمْ عني. فهذا درسٌ من الربيع لكلِّ من أطلق العنان للسانه بالتكلم على المسلمين، وبذكر عيوبهم، ليشتغل بعيوب نفسه عن عيوب إخوانه من المسلمين، فطُوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. الصورة الثالثة: الربيع يعفو ويقابل السيئة بالحسنة: كان الربيع من الرجال الذين ترجموا قول الله تعالى -: ﴿ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]، في واقع حياتهم، ومن الذين جرَّدوا نفوسهم من الانتقام والثأر والغضب إلا لله.
ففي ذات يوم، وبينما هو في المسجد ورجل خلفه، فلمَّا قاموا إلى الصلاة، جعل الرجل يقول له: تقدَّم، ولا يجد الربيع مكانًا أمامه، فرفع الرجل يده وضرب بها عنق الربيع، ولا يعرف أن الذي أمامه هو الربيع بن خُثَيم. فماذا تظنون من الربيع أن يفعل؟ ضربه هذا الرجل، وأهانه أمام الناس وبدون سبب. وأنا على يقين أن نفس الربيع في تلك اللحظات دعته للانتقام أمام هذه الإهانة، ولكنه داس على نفسه، وقابلها بعكس ما تريد، أتدرون ماذا فعل؟ التفت الربيع إلى الرجل الذي ضربه، فقال له: رحمك الله، رحمك الله، وإذا بالرجل يبكي بكاءً شديدًا حين عرف الربيع، أرأيتم كيف قابله بهذا الخلق العظيم؟! وفي ذات يوم اشترى فرسًا بثلاثين ألفًا، فغزا عليها، ثم أرسل غلامه يحتشُّ، وقام يصلي وربط فرسه، فجاء الغلام، فقال: يا ربيع أين فرسك؟ قال: سرقت يا يسار، قال: وأنت تنظر إليها؟ قال: نعم يا يسار، إني كنت أناجي ربي – عز وجل – فلم يشغلني عن مناجاة ربي شيء ، اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه، اللهم إن كان غنيًّا، فاهده، وإن كان فقيرًا، فأغنِه (ثلاث مرات). سُرِق فرسه، والفرس يعادل في زماننا السيارة الحديثة الغالية الثمن، ومع ذلك دعا له بالخير! أما في زماننا، فهناك من المسلمين إذا سُرِق حذاؤه من المسجد، أقام الدنيا ولم يقعدها على السارق، ويبدأ يسبُّ ويشتم ويلعن ويدعو عليه بالهلاك! فهل هناك من يفعل مثلما فعل الربيع؟. فالربيع من خلال موقفه يخاطب المسلمين، فيقول لهم: اجعلوا قول الله تعالى -: ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34 – 35]، شعاركم في مواجهة من اعتدى عليكم، وعوِّدوا ألسنتكم على الكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة صدقة. الصورة الرابعة: الربيع يثبت أمام إغراء النساء: فاسمع إلى هذا الموقف، وهذه القصة، وتدبَّر ما فيها من عِبرة: كان الربيع معروفًا بجماله، فكان جميلاً كأشد ما يكون الجمال، حتى إن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفًا من الله، وكان عُمره لا يجاوز الثلاثين؛ وكان في بلده فُسَّاق وفُجَّار يتواصون على إفساد الناس، وليسوا في بلد الربيع فقط، بل هم في كل بلد، ثُلَّة تسمى فرقة الصدِّ عن سبيل الله، يهمُّها أن تقودَ شباب الأمة وشيبها ونساءها إلى النار. هؤلاء تواصوا على إفساد الربيع، فجاؤوا بأجمل امرأة عندهم، وقالوا: هذه ألف دينار، قالت: علام؟ قالوا: على قُبْلة واحدة من الربيع، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني، ثم ذهبت وتعرَّضت له في ساعة خلوة، وأبدت مفاتنها، ووقفت أمامه، فلما رآها صرخ فيها قائلاً: يا أمة الله، كيف بك إذا نزل ملك الموت، فقطع منك حبل الوتين؟! أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟! أم كيف بك يوم تقفين بين يدي الربِّ العظيم؟! أم كيف بك إن لم تتوبي يوم تُرمَيْن في الجحيم؟! فصرخت وولَّت هاربة تائبة عابدة عائدة إلى الله – عز وجل- تقوم من ليلها ما تقوم، وتصوم من أيامها ما تصوم، فلقِّبت بعد ذلك بعابدة الكوفة، وكان هؤلاء المفسدون يقولون: أردنا أن تفسد الربيع فأفسدها الربيع علينا؛ قال تعالى ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ﴾ [الأنعام:116]. يا تُرى ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل هي قلة الشهوة؟ إن الشهوة لعظيمة؛ إذ هو في سن أوج الشهوة وعظمتها – سن الثلاثين – ومع ذلك ما الذي ثبَّته هنا، وما الذي عصمه؟ إنه الإيمان بالله، إنها الخشية من الله تعالى. الصورة الخامسة: الربيع شديد الخوف من الله: كان الربيع بن خثيم يتجهَّز لتلك الليلة التي سيفارق فيها أهله وماله، فيروى أنه حفر في بيته حفرة، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة، فيقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون : 99 ، 100]، ثم يجيبُ نفسه، فيقول: “قد رجعت يا ربيع”، فيُرى فيه ذلك أيَّامًا؛ أي: يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل. وكانت أمُّ الربيع بن خُثَيْم تنادي ابنها الربيع ، فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام؟ فيقول: يا أمّاه من جنَّ عليه الليل، وهو يخاف البيات، حقَّ له ألاَّ ينام، فلمّا بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسَّهر، نادته، فقالت: يا بني، لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال: نعم يا والدة، قد قتلت قتيلاً، قالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى تَتحمل على أهله، فيعفون؟ والله لو يعلمون ما تلقى من البكاء، والسَّهر بعد، لرحموك، فيقول: يا والدة، هي نفسي؛ أي: قتلتُ نفسي بالمعاصي. وهكذا هم طلاب الآخرة في صراع دائم مع أنفسهم التي تدعوهم إلى السوء، ويدعونها للصلاح، تجذبهم بقوة خارج الصراط، ويجذبونها بقوة نحو الصراط. وقالت له ابنتهُ : يا أبت، لم لا تنام والناس ينامون؟ فقال: إن البيات في النار لا يدع أباك أن ينام. الصورة السادسة: الربيع محافظ على الصلاة في المسجد: كان الرَّبيع بعدما سَقَطَ شِقُّه؛ يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبدالله يقولون: يا أبا يزيد، لقد رخَّص الله لك، لو صليتَ في بيتك، فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح، فمن سمع منكم ينادي: حي على الفلاح، فليجبْه، ولو زحفًا، ولو حَبوًا.
فأين شبابنا والأقوياء منا الذين تركوا الصلاة في المساجد، ويصلون في بيوتهم، وقد رزقهم الله الصحة والعافية؟!
أين الذين إذا بعد المسجد عن بيوتهم قليلاً، تركوا الصلاة فيه، وأصبحوا يصلون في بيوتهم؟! لا أخالهُم الآن يجدون جوابًا لهذه التساؤلات. وقيل للربيع بن خُثَيْم: ألا ندعو لك طبيبًا؟ قَالَ: أَنْظِروني، فتفكَّر، ثم قَالَ: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان : 38]، قَالَ: فذكر حرصَهم على الدُّنيا ورغبتهم ، فيها، وقال: قد كانت فيهم أطباء، وكان فيهم مَرضَى، فلا أرى المداوي بقي، ولا أرى المداوى، وأُهلِك النّاعتُ والمنعوت، لا حاجة لي فيه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ) إنه التابعي (الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أقوال الربيع بن خُثَيْم الخالدة : أعدّ زادك وخذ في جهازك وكن وصي ّ نفسك … كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل . السرائر السرائر اللاتي يخفين من الناس وهنّ لله بواد ، التمسوا دواءهن ، وما دواءهن إلا أن تتوب فلا تعود .. الداء الذنوب ، والدواء الاستغفار ، والشفاء أن تتوب فلا تعود . إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك ، وإذا هممت فاذكر علمه بك ، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك وإذا تفكرت فاذكر اطلاعه عليك ، فإنه يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء أية 36. وقيل له : لو جالستنا . فقال : لو فارق قلبي ذكر الموت ساعة فسد عليّ . وإذا قيل له كيف أصبحت يا أبا يزيد ؟ قال : أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا . وإذا أصبح قال : مرحباً بملائكة الله ، اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم ، سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر .
وأما أفعال أبي يزيد رحمه الله .. فعديدة لا تعدّ.. تراه أصاب في كل عبادة بسهم . وكل خلق بحظ .. وترى باطنها أكثر من ظاهرها وسرها أكثر من علانيتها، ومن هذه الأعمال ما يلي : كان إذا أقبل الليل ووجد غفلة الناس ،خرج إلى المقابر فيقول : يا أهل المقابر ،كنا وكنتم فإذا أصبح كأنه نشر من قبر . وكان بعض أصحابه يعلّمون شعره بعلامة عند المساء وكان ذا وفرة ثم يصبح والعلامة كما هي فيعرفون أنه لم يضع جنبه ليله على الفراش. وكان إذا سجد كأنه ثوب مطروح فتجئ العصافير فتقع عليه . قال أحدهم صاحبه سنين عدداً : ما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة : أمك حية ؟ كم لكم مسجد ؟. قالت سرّية له : كان عمله كله سراً إنه كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف أي : ( فتحه للقراءة ) فيغطيه بثوبه . قال الأعمش : مرَّ أبو يزيد في الحدادين فنظر إلى كير الحداد فصعق ( كأنه تذكر جهنم ) قال الأعمش: فمررت بالحدادين لأتشبه به فلم يكن عندي خير … ومن وصاياه : لا يغرنك كثرة ثناء الناس عليك ، فإن الناس لا يعلمون منك إلا ظاهرك …واعلم انك صائرٌ إلى عملك …وإن كل عملٍ لا يبتغي به وجه الله يضمحل [ يتلاشى ] اتق الله فيما علمت … وما أستؤثر عليك بعلمه فكِلهُ إلى عالمه ..يا منذر ، لا يقل أحدكم : اللهم إني أتوب إليك ثم لا يتوب فتكون كذبة …ولكن ليقل : اللهم تب عليَّ فيكون دعاء .واعلم يا منذر أنه لا خير في كلامٍ إلا في تهليل الله [ قول لا إله إلا الله ] .. وتحميد الله …وتكبير الله …وتسبيح الله …وسؤالك من الخير …وتعوذك من الشر …وأمرك بالمعروف …ونهيك عن المنكر …وقراءة القران والناس شهود الله في أرضه … فتعالوا نختم حديثنا ببعض ما قيل عنه : 1- قال الشعبي : حدثنا أبو يزيد وكان من معادن الصدق وكان أورع أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما . 2- قال عنه أحد أصحابه : صحبته عشرين عاماً ما سمعت منه كلمت تعاب وما تكلم إلا بكلمة تصعد.3- قال عنه الذهبي : قليل الرواية إلا أنه كبير الشأن وكان يعد من عقلاء الرجال. وبعد هذا وذاك … نتذكر قول الله عز وجل :{ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ( الحج آية 34،35 ) والله إن حاله ينطبق على حالة المخبتين المذكورة في الآيات .وصدق أبن مسعود رضي الله عنهما حين قال : وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين . فقد ظل الربيع حياته كلها يترقب الموت ويستعد للقائه. فلما احتضر جعلت بنته تبكي فقال: ما يبكيك يا بُنية وقد أقبل على أبيك الخير؟ ثم أسلم روحه إلى بارئها… فرحم الله أبا يزيد الربيع بن خثيم الثوري المتوفي قبل سنة 65هـ
أيها المسلمون
نعم ” يَا أَبَا يَزِيدَ لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ ، وَمَا رَأَيْتُكَ إِلا ذَكَرْتُ الْمُخْبِتِينَ ” ..فاسأل نفسك أخي وأنت أعرف بحالك .. فهل لو رآك محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحال أحبك ؟؟ إن كان كذلك فاحمد الله وازدد. وإن كان غير ذلك ..فاسألن نفسك ثانية.. يا نفس ألا تودين أن تحظين بمحبة حبيب الله وخليل الله ونبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن المرء يحشر مع من أحب ؟؟؟ وأسألها ثالثة ورابعة وألفاً .ألا تخافين البيات؟ فو الله إن أحدنا ليود محبته صلى الله عليه وسلم ويرجوها بنفسه والنفيس
الدعاء