خطبة عن (ذكر الله في الأيام المعدودات)
يونيو 23, 2023خطبة عن (ماذا بعد الحج؟) 1
يونيو 23, 2023الخطبة الأولى ( ماذا بعد الحج ؟ ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) النحل 92، وقال تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (19) الحشر
إخوة الإسلام
هذا نداء إلى كل إخواننا الذين من الله عليهم بزيارة بيته الحرام ،فأقول : أخي الحاج الكريم ثبتني الله وإياك على الحق ، بعد أن منَّ الله عليك بنعمة حج بيته الكريم. وأنت تودع البيت الحرام، ما الذي استشعرته وأنت تتهيأ لمغادرة تلك الربوع الطاهرة؟ ،لا شكّ أن وداع تلك المعالم الطاهرة شديد على النفس، وخاصة تلك النفوس التي أخلصت لمولاها تعالى وهي تؤدي مناسك الحج. تذكر وأنت تودع البيت المعظم أنك كنت في أيام طاعات ومواسم قربات وما أسعدها من لحظات، ولكن أخي هل تنقطع الطاعات إذا رجعت إلى وطنك. افتح صفحة جديدة في حياتك، لتنال صفات أهل الحج المبرور ، فقد قال الحسن البصري رحمه الله: “الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة” ،وقال بعضهم: من علامات الحج المبرور إن ذلك يظهر بآخره فإن رجع خيراً مما كان عرف أنه مبرور. واعلم أخي الحاج إن دوامك على الطاعات هو مفتاح فلاحك يوم العرض الأكبر . ففي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ »، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته. فمن علامات الصلاح المداومة على الطاعات وإن قلّت، فعليك أن تتشبث بعمل صالح فتلزمه وتداوم عليه، ولا تستحقر ذلك عسى الله تعالى أن يكتب لك حسن الختام، ويحفظ لك بركة حجك. والنفس بطبعها تحب الكسل والراحة، فلا تعطها مناها حتى لا يجد الشيطان إليك سبيلاً ، قال الحسن البصري: إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوماً في طاعة الله فبغاك وبغاك فرآك مداوماً ملّك ورفضك، وإذا كنت مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك. ولابدّ لك من الصبر على الطاعات وأنت تواصل مشوار حياتك الجديدة ، واصبر أيضاً عن المعاصي، فإن الصبر على الطاعات وعن المعاصي من أرفع درجات الصبر ، قال ميمون بن مهران: الصبر صبران فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية. فجاهد نفسك، ولا تضعف كما جاهدتها أيام كنت بتلك الأماكن الطاهرة، قال الله تعالى: ((وَالَّذيِنَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْدينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنِّ اللهَ لَمَعَ المُحْسنينَ)) العنكبوت 69. وقال تعالى: ((فَأَمَّا مَن طَغَىَ وَآثَرَ الحَيَاَةَ الدُنيَا (38) فَإنَ الجَحيمَ هي المَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَاف مَقَامَ رَبّه وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الَّهَوَى (40) فَإنَّ الجَنَّة هيَ المَأْوَى)). النازعات. ولا يفوتنك أن تكثر من دعاء الله تعالى أن يعينك على الثبات في الطاعات، فأكثر أخي من الابتهال والتوجه إلى الله، أن يسدد خطواتك وأنت تسلك سبيل دينه الحق، وقد كان النبي الأكرم يكثر من سؤال ربه أن يثبته على دينه، ففي سنن الترمذي بسند حسن (شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ،قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ »، وإياك أن تنظر إلى نفسك نظرة أهل الغرور، الذين إذا عملوا القليل من الطاعات، رأوا أنفسهم كأنهم أفضل أهل الأرض. ولكن أخي انظر إلى نفسك دائماً بعين التقصير، فإنك مهما عملت من الصالحات فلن تؤدي شكر الله تعالى في أقل نعمه عليك، وإذا أردت أخي أن تعرف حال الصالحين بعد فعلهم للصالحات فتأمل معي هذه المواقف لتعلم أن عباد الله المخلصين يقرون دائماً بالتقصير.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ماذا بعد الحج ؟ ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
من أروع الكلمات المعبرة, والمأثورة عن ابن عمر وشريح, وغيرهما, قولهم حين رأوا ما أحدث الحجاج في زمانهم:
“الراكب كثير, والحاج قليل!”. والفرق بين الراكب والحاج هنا كالفرق بين المصلي ومقيم الصلاة, والمصلي هو من يؤدي الصلاة ظاهرًا بحركاتها وأشكالها وقلبه غافل ساهٍ, أما مقيم الصلاة فهو من يؤديها بخشوع وحضور قلب, وهذا الأخير هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر, وهذا ما ألمح الله تعالى إليه في قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]. وهكذا الحج، وإذا كانت تلك العبارة المأثورة قد أطلقها سلفنا الصالح قبل مئات السنين, حيث القرون المفضلة, فما الظن في حجاج عصرنا الحاضر!! ،وإذا أردنا أن ندرك الواقع كما هو دون تزويق, فلنرقب سلوك الحجاج بعد رجوعهم من هذه الشعيرة العظيمة, فكم من حاج أدى حج هذا العام! بل كم من حاج يواظب على أداء هذا النسك كل عام! وربما يمسك عن كثير من المنكرات أثناء تأديته لنسكه, فإذا فرغ من حجه, ورجع إلى بلده, تراه يعود إلى سابق عهده,؛ حيث قطيعة الرحم, أو سوء معاملة القريب والبعيد, أو أكل أموال الناس بالباطل, أو ما يمارسه من ظلم لهذا أو ذاك, ولو شققت عن قلبه لوجدته كما هو, حيث الكِبْر والتعالي, أو العُجْب, أو الحسد والحقد!!، فأين حظ هذا من الحج؟! وهل أدى هذا الحاجُّ نسكه عادة أم عبادة؟!
أيها المسلمون
إن من حج تعبدًا لله تعالى وإخلاصًا له وتقربًا إليه ترى أثر الحج عليه ظاهرًا في سلوكه وأخلاقه، ولو حج مرة في حياته, أما من حج عادة, أو رياء وسمعة ليقال حاج -وقد قيل- فهذا لا ترى أثرًا للحج في سلوكه ومعاملاته مع الله تعالى، أو مع الناس ولو حج كل عام!! بل تراه يعود إلى سلوكه الأول كما هو قبل الحج! وليت شعري أين الحاج الذي يرجع من حجه فيحاسب نفسه, وينظر في أسلوب حياته, وصلاته بوالديه وزوجه وأولاده, وسلوكه في وظيفته وتجارته, وفي مصادر ثروته, وطرق إنفاقه, فيقيسها بميزان الشرع, لا بميزان الهوى! فكم من حاجٍّ يرجع إلى أسلوب حياته -قبل حجه- فيعود إلى التقصير في حقوق والديه، مما كان سببًا في تنغيص حياتهما كما هو على ذلك كل عام, أو تراه يعود إلى ظلم زوجه وأم أولاده وسوء عشرتها، مما كرَّه إليها بسوء معاملته عيشها وحياتها كما هو على ذلك كل عام, أو يعود إلى ما هو عليه من التحايل على أكل أموال الناس بالباطل حتى فاحت رائحته وأزكمت الأنوف, فأين أثر الحج في سلوك هذا وأمثاله؟! ،لقد تخفف هذا الحاج من ملابسه ولبس لباس الحاج، ولم يتخفف من أثقال الذنوب وأوضارها! وحلق هذا الحاج رأسه أو خفف منه ولم يتخفف من ظلم الأهل والأقربين أو المستضعفين! وذبح هذا الحاج نسكه ونحر هديه ولم ينحر هواه الذي زَيَّن له سوء عمله! وبات هذا الحاج في مزدلفة ومِنى ورمى الجمرات الثلاث ولم يرم شيطانه الذي بات في خيشومه, وتربع على عرش قلبه وفؤاده! فكيف يعود من هذا حاله بعد حجه كيوم ولدته أمه, وهو كيوم سافر إلى حجه!!
أيها المسلمون
إن المسلم المخلص في عبادته, والصادق مع ربه, تراه دائم المحاسبة لنفسه, فتظهر أثر العبادة عليه صدقًا لا تصنعًا,
وهذا وحده المنتفع بالعبادة دون كل من سواه.أخي الحاج أختي الحاجة.. إياكم أن تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد تعبها وكدها وسهرها الليالي الطوال، فاحذروا أن تنقضوا العهد، وتخلفوا الوعد؛ وذاك بأنْ تعصوا الله وتقارفوا الذنوب، بعد أن أكرمك بقربه وزيارة بيته، وأداء فرضه، فتزل قدمٌ بعد ثوبتها .
الدعاء