خطبة عن (التفكر والتدبر والتأمل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
ديسمبر 21, 2016دروس عن ( معاملة الرسول وأخلاقه مع الآخرين)
ديسمبر 24, 2016الخطبة الأولى ( ما هي عقيدة التوحيد ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (18)آل عمران ،وقال تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) النساء 36 ، وقال تعالى : (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (163) البقرة ،وقال تعالى : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) 102 ، 103 الانعام
وقال تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (2) النحل
وقال تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 30، 31 التوبة
إخوة الإسلام
العقيدة الإسلامية: هي الايمان الجازم بالله ،وما يجب له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين ..
والتوحيد: هو : إفراد الله بالعبادة حسب ما شرع وأحب ، مع الجزم بانفراده في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي ذاته ، فلا نظير له ولامثيل له في ذلك كله . والعقيدة في اللغة : مأخوذة من العقْد، وهو الربطُ والشدُّ بقوة ومن مرادفات لفظ العقيدة: التوحيد، والسنة، والإيمان. واعلموا أن عقيدة التوحيد هي أساس الإسلام وأساس الدين وهي أول ما أمر الله جل وعلا به عباده وبين سبحانه إنما خلقهم لها قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 21، وبها أرسل الله الرسل وأنزل بها الكتب قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء 25، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) النحل 36، ولذلك كان كل رسول أول ما يخاطب قومه بقوله: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) الاعراف 59، فهم يبدؤون دعوتهم بالدعوة إلى التوحيد ، ولقد سار على نهجهم الدعاة ،والمصلحون من علماء هذه الأمة ، فكانوا يدعون الناس إلى التوحيد ، ويبينونه للناس ويوضحونه ، ويدرسون للناس هذا التوحيد لأهميته
والتوحيد أول أركان الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) رواه مسلم . فجعل صلى الله عليه وسلم الشهادتين هما الركن الأول من أركان الإسلام ، وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة ثلاثة عشرة سنة يدعو الناس إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس كبقية أركان الإسلام ، وفي الصحيحين (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا – رضى الله عنه – عَلَى الْيَمَنِ قَالَ « إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا فَعَلُوا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً { تُؤْخَذُ } مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ » هذا مما يبين لنا أهمية التوحيد ، وأنه ما لم يتحقق التوحيد ، فلا فائدة في بقية الأعمال مهما كثرت ، لأن كل شيء يبنى على غير أساس فإنه ينهار، ولذلك اهتم العلماء المحققون ، والدعاة ، والمصلحون بهذه العقيدة دعوة وتعليما وعناية بها قبل غيرها ، فأي دعوة لا تبنى على عقيدة التوحيد ولا تهتم بها فهي دعوة فاشلة ، ودعوة باطلة ، لأنها على غير أساس وإنما تكون لمقاصد أخرى، الله أعلم بها
أيها المسلمون
وللعقيدة الإسلامية أهمية كبيرة تظهر في الأمور التالية: 1- أن جميع الرسل أرسلوا بالدعوة للعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]. 2- أن تحقيق توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] ، 3- أن قبول الأعمال متوقف على تحقق التوحيد من العبد، وكمال أعماله على كمال التوحيد، فأي نقص في التوحيد قد يحبط العمل أو ينقصه عن كماله الواجب أو المستحب ، 4- أن النجاة في الآخرة – ابتداءً أو مآلاً – متوقفة على صحة العقيدة، مما يبرز أهمية تعلمها واعتقادها على المنهج الصحيح. قال -صلى الله عليه وسلم-: « فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ » متفق عليه ، 5- أن هذه العقيدة تحدد العلاقة بين العبد وخالقه: معرفة، وتوحيدًا، وعبادة شاملة لله تعالى: بالخوف والرجاء، والمراقبة والتعظيم، والتقوى والإنابة… ورعاية تامة من الله للعبد: نطفة، وصغيرًا، وكبيرًا، في البر والبحر، رزقاً وإنعاماً، وحفظاً وعناية. 6- أن السعادة في الدنيا أساسها العلم بالله تعالى، فحاجة العبد إليه فوق كل حاجة، فلا راحة ولا طمأنينة إلا بأن يعرف العبد ربه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. 7- أن هذه العقيدة تجيب عن جميع التساؤلات التي ترد على ذهن العبد، ومن ذلك: صفة الخالق، ومبدأ الخلق، ونهايته، وغايته، والعوالم الكائنة في هذا الوجود، والعلاقة بينها، وموضوع القضاء والقدر… 8- تركيز القرآن والسنة على موضوع العقيدة: بياناً وتقريراً، وتصحيحاً، وإيضاحاً، ودعوةً. 9 – أن العقيدة الصحيحة سبب الظهور والنصر والفلاح في الداريْن، فالطائفة المتمسكة بها هي الطائفة الظاهرة والناجية والمنصورة التي لا يضرها من خذلها. قال -صلى الله عليه وسلم-: « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ». رواه مسلم ، 10- العقيدة الصحيحة هي ما يعصم المسلم من التأثر بما يحيط به من عقائد وأفكار فاسدة. وفي الجملة فإن «العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وتصحّ معه الأعمال، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]،
وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
فدلّت هذه الآيات الكريمات، وما جاء بمعناها، وهو كثير، على أن الأعمال لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة من الشرك، ومن ثَمّ كان اهتمام الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم – بإصلاح العقيدة أوّلاً، فأوّل ما يدعون إليه أقوامهم هو عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
أيها المسلمون
فالواجب الاهتمام بهذه العقيدة ، وتدريسها وتعليمها للناس ، في المدارس وفي المساجد وفي المجالس ، وفي وسائل الإعلام ، حتى تترسخ وتتبين ويتبين للناس شأنها وكيفيتها ، فليس المقصود أن الإنسان يعبد ويجتهد في العبادة والعمل دون أن يعرف التوحيد ويخلص العبادة لله عز وجل، وللعقيدة الإسلامية منهج متميز في تلقّيها وأخذها، وكذلك الاستدلال عليها وهو منهج السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من الأئمة وسائر المهديين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أوّلاً: منهج تلقي العقيدة عند السلف يقوم على عدة أسس، منها: 1- الاقتصار في منهج التلقي على الوحي: وهذا مردّه إلى إيمانهم بوجوب أن يعيش المسلم حياته كلها – اعتقاداً وعملاً وسلوكاً – مستمسكاً ومعتصماً بالوحي المتمثل في الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ » سنن البيهقي . ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذرهم الالتفات إلى كتب السابقين التي دخلها التحريف.
2- التسليم لما جاء به الوحي، مع إعطاء العقل دوره الحقيقي: مما يميز المسلمين الذين يؤمنون بما جاءت به العقيدة الإسلامية، أنهم آمنوا بهذه العقيدة على الغيب، وقد جاء مدح هذا الإيمان في القرآن الكريم في آيات عديدة، منها قوله تعالى: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 2، 3]. ولما كانت العقيدة تقوم على الأمور الغيبية، كان مبناها على التسليم بما جاء عن الله جلّ جلاله، وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ظاهراً وباطناً، ما عقلناه منها وما لم نعقله. فوظيفة العقل تتوقف عند التدبر في آيات الله، ومعرفة محاسن العقيدة والشريعة التي جاء بها الإسلام، كما أنه هو الآلة في فهم النصوص الشرعية واستخلاص المعاني المرادة منها. 3- ترك الابتداع: فهذا الدين كامل لا يحتاج إلى تكميل، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فليس لأحد أن يحدث في هذا الدين أمراً لم يأت في الكتاب أو السنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » رواه مسلم ، ثانياً: منهج السلف في الاستدلال على العقيدة يقوم على الأسس التالية: 1- حجية السنة ( المتواترة والآحاد) في العقيدة: فقد اهتم سلف هذه الأمة بالسنة النبوية اهتماماً بالغاً، واعتبروها حجة بنفسها في جميع مسائل الدين: العلمية والعملية، ولم يعرفوا بدعة القول بالتفريق بين السنة المتواترة والسنة الآحادية في الاحتجاج. وهذا مبني عندهم على أسس، منها: أ- أن اتّباع السنة هو من أكبر ما يقتضيه الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-. ب- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالله، وهو المبلّغ عنه دينه الذي ارتضاه للناس، وهو مؤتمن على وحي الله، فالحجة قائمة فيما يبلّغه كله. ج- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلّغ جميع الدين ولم يكتم منه شيئاً، وأنه بلّغه أتمّ بلاغ وأبينه، فالتفريق بين ما بلّغه في إفادته العلم والعمل تفريق باطل، أساسه التقسيمات العقلية المتأثرة بالمنطق اليوناني، الذي أغلب ما فيه جدل عقيم يشكك حتى في البديهيات. 2- ترك التأويل المذموم لنصوص الكتاب والسنة: لأن نصوص العقيدة لا يجوز صرفها عن ظاهرها بغير دليل شرعي ثابت عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، بل يجب اتباع المحكم ورد المتشابه إليه. 3- عدم التفريق بين الكتاب والسنة في الاستدلال: فالكتاب والسنة وحي من الله تعالى، والقبول لهما واجب على حدّ سواء، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمَثْلَهُ مَعَهُ» رواه احمد . 4- صحة فهم النصوص : فصحة فهم النصوص ركيزة أساسية لصحة الاستدلال، ولا يستطيع المرء معرفة مراد الله تعالى، ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا حينما يستقيم فهمه لدلائل الكتاب والسنة، وخاصة في هذا العصر الذي كثر فيه المتحدثون في أمور الدين عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ كالفضائيات والإنترنت، فالمعرفة بهذه القواعد الأساسية التي يرتكز عليه الفهم الصحيح تمكّن من تمييز المتحدثين بحق من المنحرفين عن الفهم الصحيح، وركائز الفهم الصحيح للنصوص كثيرة منها: أ- معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن وتكلم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-. ب- الاعتماد على فهم الصحابة لدلائل الكتاب والسنة لكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، كما عايشوا نزول الوحي، فهم أعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الأمر يتأكد خاصة إذا كثرت البدع والأهواء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ »رواه الترمذي ج- جمع النصوص الواردة في المسألة الواحدة، ثم الأخذ بها جميعاً، فلا يعطلون بعض النصوص ويُعملون أخرى. د- معرفة مقاصد التشريع الإسلامي: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشرّ الشرّين، حتى يُقدّم عند التزاحم خير الخيرين، ويُدفع شرّ الشرّين» .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ما هي عقيدة التوحيد ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن أعظم ما يخل بالعقيدة الشرك والعياذ بالله، قال تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الزمر 65، 66 ،وقال تعالى : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الانعام 88 ، وهذه العقيدة لها ستة أركان وستة أصول بينها الرسول بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ” قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ » ،وأول ما يخل بهذه العقيدة هو الشرك ، إما أن يبطلها إن كان شركا أكبر، وإما أن ينقصها إن كان شركا أصغر، فالشرك الأكبر هو عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادة من دعاء وذبح ونذرا وخضوع وغير ذلك من أنواع العبادة، فكل عبادة لغير الله فهي شرك وإن كانت للأنبياء أو للملائكة أو للصالحين فهي شرك بالله عز وجل ، لا يصلح معها عمل ، ولا يستقيم معه دين أبدا، فالمشرك لا يقبل له عمل ولو عبد الله الليل والنهار ، ما دام خلط العبادة بشرك ، قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) –يعني بشرك – (أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الانعام 82، وقد يسلم الإنسان من الشرك الأكبر ويبغضه ويبتعد عنه ، ولكنه يقع في الشرك الأصغر ، فالشرك الأصغر قليل من يعرفه ويتحرز منه ، وفي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم: « أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ». فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئاً نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَمُ ». والشرك الأصغر أعظمه الرياء والعياذ بالله، والرياء هو أن يرائي الإنسان بعمله ، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ قَالَ « الرِّيَاءُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمُ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً » رواه أحمد ،ومن الرياء أن يقوم الإنسان يصلي ليحسن صلاته لما يرى من نظر رجل إليه، وكذلك من يتصدق لأجل أن يمدح ويثنى عليه أو يبني المشاريع الخيرية من أجل أن يخلد ذكره كما يقولون كل هذا لا ينفعه عند الله سبحانه ، فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم وصواب على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ،فأعظم ما يخل بالتوحيد هو الشرك ، وأعظم ما يخل بالعبادة ويبطلها أيضا البدعة في الدين ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ” وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ». رواه أبو داود وقال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ »متفق عليه . أي مردود عليه لا يقبله الله سبحانه وتعالى ،فالله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه من الشرك ، وصوابا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم خاليا من البدع والمحدثات، هذه هي عقيدة التوحيد ، فاتقوا الله عباد الله ، وتعلموا عقيدتكم ، وتعلموا التوحيد فهناك من الناس من يزهد في التوحيد ، ويقول الناس كلهم مسلمون ، وهذا من جهله أو من زيغه والعياذ بالله، فالمسلم يبين له التوحيد لأجل أن يصحح عقيدته ويتجنب ما يبطلها أو ينقصها
الدعاء