خطبة عن (قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا)
أغسطس 14, 2025الخطبة الأولى ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (33) محمد
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى ،نتلوها ونتدبرها ،ونتفهم معانيها ،ونسبح في بحار مراميها ،ونرتشف من رحيقها المختوم ، فقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (33) محمد ،فهذا نداء من الله تعالى للمؤمنين يأمرهم الله تعالى بطاعته فيما أمر والانتهاء عما حرم , ويعلمهم أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله ،فما الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مبلغ عن رب العزة تعالى , ومنبهاً إياهم إن هم أطاعوه ألا يبطلوا أعمالهم ويفسدوها بالرياء ،أو الإعجاب بها ،أو بمفسدات تبطلها نتيجة التكاسل عن العلم بكيفية الطاعات ،وشروطها ،وواجباتها ،وفيه تنبيه على عدم قطع الطاعة بلا عذر أو ضرورة سواء كانت فرضاً أو نفلاً.
وقوله تعالى : (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ،قال الامام الطبري في تفسيرها : من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيئ فليفعل, ولا قوة إلا بالله, فإن الخير ينسخ الشر, وإن الشر ينسخ الخير, وإن ملاك الأعمال خواتيمها. وكان الحسن البصريُّ يقول: ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ بالمعاصي، وما يُبطل العمل على الحقيقة هو أمور ثلاثة: الشرك، والرياء، وأداء العمل على غير الوجه المشروع عليه. وقال السعدى : وقوله: { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها، بما يفسدها، من من بها وإعجاب، وفخر وسمعة، ومن عمل بالمعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها، ويشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها. فمبطلات الصلاة والصيام والحج ونحوها، كلها داخلة في هذا، ومنهي عنها، ويستدل الفقهاء بهذه الآية على تحريم قطع الفرض، وكراهة قطع النفل، من غير موجب لذلك، وإذا كان الله قد نهى عن إبطال الأعمال، فهو أمر بإصلاحها، وإكمالها وإتمامها، والإتيان بها، على الوجه الذي تصلح به علما وعملا. وفي الوسيط لطنطاوي قال :أي : يا من آمنتم بالله – تعالى حق الإِيمان ، أطيعوا الله – تعالى في كل ما أمركم به . وأطيعوا رسوله – صلى الله عليه وسلم ولا تبطلوا ثواب أعمالكم بسبب ارتكابكم للمعاصي ، التي على رأسها النفاق والشقاق ، والمن والرياء ، وما يشبه ذلك من ألوان السيئات ، وعن أبى العالية قال : كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – بظنون أنه لا يضر مع ” لا إله إلا الله ” ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية ، فخافوا أن يبطل الذنب العمل . وروى نافع عن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول حتى نزلت هذه الآية ، فقلنا : ما هذا الذى يبطل أعمالنا؟ فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزل قوله – تعالى – : ( إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ) فلما نزلت كففنا من القول في ذلك ، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ، ونرجو لمن يصبها .
أيها المسلمون
من الأمور الخطيرة التي تفسد الأعمال وتحبطها أن يُدِلَ الرجل بعمله، وكأنما على الله شرط أن يقبلَ كُلَ سعي سعاه ساع بغض النظر عن إخلاصه أو تحقيقه الموافقةَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والشرك بالله تعالى أعظم محبط ومفسد للأعمال ،وهو الداء الخبيث ،والمرض القاتل لا محالة إلا أن يتوب صاحبه، ومن تاب، تاب اللَّه عليه، قال تعالى:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (65) الزمر ، فالشرك بالله تعالى لا تقوم أمامه قائمة من عملٍ أبدًا لقوله تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (88) الأنعام ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ « لاَ يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ».
ومما يحبط أعمال العاملين ،ويخيب سعي الساعين (الرياء في العمل) ،وهو أن يطلب العبد بعمله ثناء الناس ومدحهم وذكرهم ، فالرياء من الشرك , لذلك حذرنا ونهانا عنه حتى لا يكون سبباً لحبوط العمل ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ».، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعْدِ بْنِ أَبِى فَضَالَةَ الأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ».
وإن من أسباب حبوط العمل: أن يتهاون العبدُ بطاعة من الطاعات ،أو عبادة من العبادات ،فربما كانت سبباً في حبوط عمله وهو لا يدري ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ »
وقد يضل سعي العبد ويحبط عمله بسبب كلمة قالها وهو لا يدري ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ».،فكثير من الناس قد يفعل الكثير من الحسنات ،وقد يقوم بالكثير من النوافل والطاعات وقد يزل زلة أو يقع في مهواة أو يتكلم بكلمة من عجبٍ أو جرأة على الله تعالى فأحبطت عمله وجعلت سعيه يضل هباء منثوراً أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أو كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً . ففي سنن ابن ماجة بسند صحيح: (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ». قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ».،فالجرأة على المعاصي في الخلوات أمر خطير، قال سحنون : ” إياك أن تكون عدوا لإبليس في العلانية صديقا له في السر ” ، وقال وهيب بن الورد: ” اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك ” .
ومن أسباب حبوط العمل التألي على الله: فربما يحبط العمل بكلمة يظن العبد أنه فيها محتسباً أو يظن أنه يقول فيها غضباً لله ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَ « أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فَإِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ »، وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ الْيَمَامِيِّ قَالَ قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ يَا يَمَامِيُّ لاَ تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَداً . قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لأَخِيهِ وَصَاحِبِهِ إِذَا غَضِبَ. قَالَ فَلاَ تُقُلْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَانَ فِي بَنِى إِسْرَائِيلَ رَجُلاَنِ كَانَ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِداً فِى الْعِبَادَةِ وَكَانَ الآخَرُ مُسْرِفاً عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ فَكَانَ الْمُجْتَهِدُ لاَ يَزَالُ يَرَى الآخَرَ عَلَى ذَنْبٍ فَيَقُولُ يَا هَذَا أَقْصِرْ. فَيَقُولُ خَلِّنِي وَرَبِّى أَبُعِثْتَ عَلَىَّ رَقِيباً. قَالَ إِلَى أَنْ رَآهُ يَوْماً عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ أَقْصِرْ. قَالَ خَلِّنِي وَرَبِّى أَبُعِثْتَ عَلَىَّ رَقِيباً. قَالَ فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَداً. قَالَ أَحَدُهُمَا قَالَ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا وَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي. وَقَالَ لِلآخَرِ أَكُنْتَ بِي عَالِماً أَكُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي خَازِناً اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ ». قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِى الْقَاسِمِ بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ ). ونسمع بعض الناس في هذا الزمان ربما ذكر عنده اسم رجل من الناس أو تكلم في شخصية من الشخصيات فيقول بكل طمأنينةٍ وبكل عجبٍ أو بكل ثقة ذاك ليس من أهل الجنة أو هو من أهل النار أو ذاك لا يرحمه الله أو ذاك بما فعل بالعباد إن الله لن يغفر له.
ومن محبطات الأعمال ومفسداتها ظلم الناس والاعتداء عليهم قولا أو فعلا لأن حقوق الناس مبنيةُ على العدل والمقاصة بينهم من أكل مال مسلم أو هتك عرضه بقول أو فعل أو هضمه حقا كان له فالموعد هناك عند القنطرة حين يكون القصاص وأخذ الحقوق.. روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عله وسلم : ” مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ “.
ومن محبطات الأعمال ومفسداتها : الردة عن دين الله، قال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]. وقال الله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137]. وتكون الردة بالقول؛ كسبِّ الله تعالى أو رسله أو ملائكته، وتكون بالفعل؛ كالسجود للصنم والحجر والشجر، وعمل السحر، والحكم بغير ما أنزل الله. وتكون بالاعتقاد؛ كاعتقاد أن الزنا حلال، أو أن الخبز حرام أو أن الصلاة غير واجبة. وتكون بالشك؛ كمن شك في تحريم الشرك، أو شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو رسالة غيره من
الأنبياء .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن محبطات الأعمال ومفسداتها : عدم اعتقاد كفر الكفار أو الشك في كفرهم، أو تصحيح مذهبهم، أو اعتقاد جواز التدين بغير دين الإسلام، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
ومن محبطات الأعمال ومفسداتها : النفاق الاعتقادي، قال الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 3]. وذلك كمن يكذب بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو ببغضه، أو يبغض ما جاء به، أو الفرح بهزيمة المسلمين، أو الحزن لانتصارهم.
ومن محبطات الأعمال ومفسداتها : إتيان الكهان والعرافين وتصديقهم، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ».، وفي مسند أحمد : (عَن أَبِى هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ».
ومن محبطات الأعمال : المن والأذى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264]. وفي سنن النسائي : (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ». وصدق الله القائل في محكم التنزيل: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263].
الدعاء