خطبة عن ( خَيْرِ النَّاسِ )
ديسمبر 12, 2020خطبة عن ( احتفالات نهاية العام أو ( رأس السنة ) ليست من الاسلام )
ديسمبر 16, 2020الخطبة الأولى مراقبة الله ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس، فمعنى الآية الكريمة : وما تكونُ- يا مُحمَّدُ- في أيِّ عملٍ من الأعمالِ، وما تتلو من سورةٍ من القُرآنِ، ولا تعملونَ- أيُّها النَّاسُ- عملًا مِن خَيرٍ أو شَرٍّ، صغيرًا أو كبيرًا، إلَّا واللهُ مطَّلِعٌ عليكم، حين تأخُذونَ فيه وتَعمَلونَه، فنَحفَظُه عليكم ونَجزيكم به، وما يغيبُ عن ربِّك- يا مُحمَّدُ- مِن زِنةِ نَملةٍ صَغيرةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، ولا أصغَرِ الأشياءِ ولا أكبَرِها، إلَّا وهو في لوحٍ مَحفوظٍ مكتوبٍ فيه كلُّ شَيءٍ، ألَا إنَّ مَن تولَّاهم اللهُ تعالى بنَصرِه ومحَبَّتِه ورعايتِه، لا خوفٌ عليهم ممَّا يَستَقبِلونَه، ولا هم يَحزنونَ على ما فاتهم، وهؤلاء الأولياءُ هم الذين آمنوا بما وجبَ عليهم الإيمانُ به، وكانوا يتَّقونَ اللهَ بامتثالِ أوامِرِه، واجتنابِ نواهيه، فلهؤلاءِ الأولياءِ البُشرى مِن اللهِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ بما يَسُرُّهم، لا تغييرَ لِقَولِ اللهِ، ولا خُلْفَ لوَعدِه، ذلك هو الفوزُ العظيمُ. وفي تفسير ابن كثير : يخبر تعالى نبيه ، صلوات الله عليه وسلامه أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته ، وجميع الخلائق في كل ساعة وآن ولحظة ، وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السماوات ولا في الأرض ، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الأشياء ، فكيف بعلمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة
أيها المسلمون
ففي الآية تربية إيمانية لكل مسلم، فهي تربيه على مراقبة الله ، قال السعدي في تفسيره : يخبر تعالى، عن عموم مشاهدته، واطِلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكناتهم، وفي ضمن هذا، الدعوة لمراقبته على الدوام ، فكل سكتةٍ، كل كلمةٍ، كل سرٍ، كل عَلَن، أي حركة، الله محيط بها ، عالم بحدوثها ،إحاطة علمٍ وكتابة. والمطلوب من الخلق إزاء إيمانهم بعلم الله المحيط ، وكتابته لكل شيء ، أن يراقبوا الله في كل كبيرٍ وصغيرٍ ، ويؤمنوا يقيناً بأنه أحصاه عليهم ، وسيجازيهم بالإحسان إحسانًا ، وسيحاسب كل ظالمٍ وجاحدٍ و طاغٍ ومتكبر، الكل أمامه يوم القيامة فرداً ، لا يملك أحدٌ من الخلق لنفسه ، ولا لغيره مثقال حبةٍ من نفع أو ضر ، إلا بإذن الجبار سبحانه ، ألا فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم، وما يكره الله تعالى، فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم.
والمتأمل والمتدبر للقرآن الكريم ، يجد أنه جاء مفعمًا بالآيات الحاثة على المراقبة ، المؤدية إلى صناعة الضمير الحي، قال الله تعالى : « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ». ق (37)، ويقول الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» المجادلة : (7)، فكم يحتاج الإنسان إلى أن يربى نفسه دائما على مراقبة من لا يغفل ولا ينام، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فبهذا الضمير الإنساني اليقظ ،يستطيع الإنسان تأدية العبادات على الوجه الأكمل، فتجده خاشعا لله في صلاته، مراقبا له تمام المراقبة في صيامه، ثم يتعدى أثر هذه المراقبة إلى بيعه وشرائه, وعمله وإنتاجه، وسائر تصرفاته، وبذلك ينضبط السلوك والتصرفات، وتُحفظ الحقوق وتُؤدى الواجبات. أمـا إذا مـات الضمـير ، وانعــدمت المـراقبــة لله عز وجل ،نتـج عن ذلك فسـاد فى الأخلاق والمعاملات، وكثير من جوانب الحياة ، وجنى المجتمع كله حسرةً وندمًا, وعانى كثيرًا من وجوه الخلل والاضطراب الاجتماعي ، وفقدان الثقة لغياب الضمير الحي.
أيها المسلمون
ومن الإعجاز العلمي في قول الله تعالى : ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (يونس: 61)، فالآية هي خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وهو شامل لأهل الأرض جميعهم في كل زمان ومكان ،فأخبر سبحانه عن عظيم اطلاعه على الخواطر، وما يجري في الضمائر، فذكر اطلاعه على أحوالهم، وحال الرسول صلى الله عليه وسلم معهم في مجاهدته لهم، وتلاوة القرآن عليهم، وأنه تعالى شاهد على جميع أعمالهم، لا يخفى عليه جل شأنه خاطر، ولا ضمير، ولا يغيب عنه عمل من الأعمال، ثم أخبر جل وعلا عن سلطان علمه الواسع لكل شيء، وإحاطته بكل شيء، على سبيل الاستغراق والشمول، مقرِّرًا بذلك سبحانه أن كل شيء في الأرض والسماء صغر أو كبر، لا يخرج عن دائرة علمه، خاضع لرقابته، محفوظ برعايته. وفي قوله تعالى : (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس ،اعجاز علمي ، أكده العلماء في العصر الحديث ، نتناوله بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية مراقبة الله ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن الاعجاز العلمي في الآية الكريمة : ففي قوله تعالى : (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس ،يتضح لنا من خلال تدبرنا للآية الكريمة أن الغرض من نفي العزوب عن الله جل وعلا في الآية هو إقامة الدليل على أن علم الله تعالى محيط بكل شيء من الكليات والجزئيات، على سبيل الاستغراق والشمول، وأنه ما من شيء في هذا الكون إلا وواقع في دائرة علمه، خاضع لرقابته، محفوظ برعايته سبحانه، وقد أثبت العلم أخيرًا أن الذرة هي إحدى الوحدات الأساسية، التي تساهم في بناء المادة، وأن كل شيء في هذا الكون مكوَّن من بلايين الذرات، وهي جسيمات دقيقة جدًا، يستحيل على المرء أن يراها، حتى باستخدام أقوى الميكروسكوبات. وقد كان الاعتقاد السائد قديمًا أن الذرة هي أصغر شيء يتصور عقلُ الإنسان وجودَه من المادة، وأنه لا شيء أصغر منها حجمًا ووزنًا، وأنها غير قابلة للتجزئة، وقد ظل هذا الاعتقاد سائدًا إلى القرن التاسع عشر، وفي أوائل القرن العشرين حول كثير من علماء الطبيعة اهتمامهم إلى دراسة الذرة، وخواصِّها، وإمكانية تجزئتها، فظهر لهم أن بعض المواد، كالراديوم واليورانيوم، تتجزأ من تلقاء نفسها، وهذا ما يؤكده قوله تعالى :(وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس
الدعاء