خطبة عن (مما يعين على مراقبة الله )
فبراير 1, 2016خطبة عن ( ما يعين الانسان على حفظ اللسان )
فبراير 2, 2016الخطبة الأولى (خلق المراقبة )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [سورة آل عمران: 5]. ويقول سبحانه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الحديد: 4]. ويقول سبحانه {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر: 19]. ويقول سبحانه {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سورة البقرة: 235]. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما في حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان فقال ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم (قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الإِحْسَانُ قَالَ : « الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » .
إخوة الإسلام
مراقبة الله هي أساس الأعمال القلبية كلها، وهي عمودها الذي قيامها به، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة في الحديث السابق في الإحسان: « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ » فهذا جامع لمقام الإسلام والإيمان والإحسان، « فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » ، فعليك أن تستشعر أخي المسلم هذا المعنى ، وأن تعبد الله كأنك تراه، وعليك أن تعلم أنك إن لم تكن تراه فإن الله يراك ، فمراقبة الله هي “دوام علم العبد وتيقنهُ باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه؛ وإذا تيقن الإنسان أن الله ينظر إليه ، وأنه لا يخفى عليه شيء من أحواله ، فهذا هو حال المراقبة؛ ومقام المراقبة أيها الأحبة جامع للمعرفة مع الخشية، فبحسبها يحصل مقام المراقبة إذا علم العبد أن الله تعالى يطلع عليه وخافه، فإن هذا الخوف مع علمه باطلاع الرب يقال له (الخشية )، فإذا اجتمع هذا وهذا كان ذلك تحصيناً لهذا المقام وارتقاء إلى هذه المرتبة، وبذلك يبتعد ويهرب العبد عن فعل ما لا يليق. وجاء في حديث الذي رواه البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » ، وإذا نظرت إلى هؤلاء السبعة تجد أن الشيء المشترك ، والوصف الذي تحقق فيهم جميعاً ، هو المراقبة لله تبارك وتعالى. فالرجل الذي ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ما الذي جعله يكون بهذه المثابة؟ أنها مراقبة الله، والناس لا يرونه، والرجل الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، حصلت له المنعة مع وجود الدافع القوي فهي ذات منصب وذات جمال ، ونفسه تطلب هذه الشهوات ، ومع ذلك قال إني أخاف الله، فالذي منعه هو مراقبة الله ، والرجل الذي تصدق بيمينه حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ هذا رجل قد راقب الله عز وجل ، وإلا ، فإن المال أيها الأحبة شيء محبب إلى النفوس ولا يسهل عليها أن تجود به إلا بطلب عوض أعظم ، واليقين عند عامة الناس عند كثير من الناس ضعيف، ولذلك فإن الكثيرين قد يصعب عليهم إخراج المال لله تبارك وتعالى، فكيف بهذا الذي أخفاه إلى هذا الحد حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، إنه مراقبة الله . وهذا الشاب الذي نشأ في طاعة الله عز وجل مع قوة النوازع وتوقد الغرائز الذي منعه من ذلك هو مراقبة الله تبارك وتعالى، وهكذا أيها الأحبة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق مراقبة الله)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن عينَ اللهِ تلاحقُك أيها العبد أينما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات في الفلوات والجلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك واستشعرتَه ؟ فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا ؟ فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك ، وتلك هي المراقبة .
إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
إخوة الإسلام
وللمراقبة في حياتنا صور متعددة ، فالمراقبة تكون قبل العمل، قبل أن تقدم على العمل ينبغي أن تسأل نفسك؛ هل لك فيه نية؟، ما ذا تريد بهذا العمل الذي تقوم به؟، فمثلا حينما تريد أن تتصدق بصدقة هل هذه الصدقة تريد بها وجه الله ، أو أنك تجمع خسارة في الدنيا وعذاباً في الآخرة؟، إذا كان الإنسان ينفق من أجل أن يقال منفق، فيكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وهذا الإنسان الذي يريد أن يطلب العلم ، هل يريد أن يطلب هذا العلم من أجل أن يقال عالم؟، وحينما يقوم الإنسان بمشروع من الأعمال الطيبة من إغاثة المنكوبين أو القيام على الفقراء والأرامل والأيتام، هذه أعمال جليلة، وتتطلب من الإنسان ألوان التضحيات، فينفق فيها وقته وجهده، ولربما لا يراه أهله إلا في قليل من الوقت، هل لك فيه نية، فلا بد أن يسأل الإنسان نفسه حينما يريد أن يقدم على هذه الأعمال ، هل هو لله؟، هل للنفس فيه هوى؟، هل للشيطان فيه نزغة فيتثبت؟، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره صحح نيته وأخلص قصده وعمله، وذلك هو مراقبة الله قبل العمل ، ففي سنن الترمذي وصحيح ابن حبان والمستدرك ( عن أبي هريرة قال حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ونستكمل الحديث عن مراقبة الله في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء