خطبة عن (مشيئة الله وقضائه وقدره) (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)

             الخطبة الأولى : مشيئة الله ، وقضاؤه وقدره ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                                    

                                                     أما بعد  أيها المسلمون    

يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (11) التغابن

إخوة الإسلام

موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، نتدبر معانيها ، ونفهم مراميها ، ونغوص في بحار أنوارها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، وبداية : لا بد أن يعلم العبد أن الله يأمر بالإيمان والعمل الصالح، ويحب الحسنات ويرضاها، ويكرم أهلها، ويثيبهم ويواليهم، ويرضى عنهم، ويحبهم ويحبونه، وهم جند الله المنصورون، وحزب الله الغالبون، وهم أولياؤه المتقون، وحزبه المفلحون، وعباده الصالحون ، وهم أهل الجنة، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهم أهل الصراط المستقيم‏.‏ صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏. ‏‏ ولا بد أن يعلم العبد أن الله نهى عن السيئات : من الكفر والفسوق والعصيان، وهو يبغض ذلك ويمقت أهله، ويلعنهم ويغضب عليهم، ويعاقبهم ويعاديهم، وهم أعداء الله ورسوله، وهم أولياء الشيطان، وهم أهل النار وهم الأشقياء‏، ولكنهم يتفاوتون في هذا ما بين كافر وفاسق، وعاص ‏.‏ ولا بد أن يعلم العبد أن الله رب كل شيء وخالقه ومليكه‏ ، ولا رب غيره؛ ولا خالق سواه، وأنه ما شاء كان؛ وما لم يشأ لم يكن؛ وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ولا ملجأ منه إلا إليه؛ وأنه على كل شيء قدير‏.‏  فجميع ما في السماوات والأرض‏ :‏ من الأعيان وصفاتها؛ وحركاتها؛ فهي مخلوقة له؛ مقدورة له؛ مصرفة بمشيئته، لا يخرج شيء منها عن قدرته وملكه؛ ولا يشاركه في شيء من ذلك غيره؛ بل هو سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد؛ وهو على كل شيء قدير، فالعبد فقير إلى الله في كل شيء، يحتاج إليه في كل شيء ،لا يستغني عن الله طرفة عين؛ فمن يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له‏. ‏‏ فإذا أدرك العبد ذلك ، وآمن به ، واستسلم لله ، ‏فهم المراد من هذه الآية ، وما هو على شاكلتها من آيات : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (11) التغابن ، فإذا ألهم العبد أن يسأل الله الهداية ويستعينه على طاعته، أعانه وهداه، وكان ذلك سبب سعادته في الدنيا والآخرة، وإذا خذل العبد فلم يعبد الله؛ ولم يستعن به، ولم يتوكل عليه، وكل إلى حوله وقوته‏‏‏ فيوليه الشيطان، وصد عن السبيل، وشقي في الدنيا والآخرة ، فكل ما يكون في الوجود هو بقضاء الله وقدره؛ لا يخرج أحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المحفوظ، وليس لأحد على الله حجة؛ بل ‏كما قال الله تعالى : {‏‏قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏149‏]‏ ، فكل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل‏،‏ وعلى العبد أن يؤمن بالقدر، وليس له أن يحتج به على الله؛ فالإيمان به هدى؛ والاحتجاج به على الله ضلال وغي، بل الإيمان بالقدر يوجب أن يكون العبد صبارا شكورا؛ نعم فهو صبور على البلاء، وشكور على الرخاء، فإذا أصابته نعمة علم أنها من عند الله فشكره، سواء أكانت النعمة حسنة فعلها، أو كانت خيرا حصل بسبب سعيها، فإن الله هو الذي يسر عمل الحسنات، وهو الذي تفضل بالثواب عليها، فله الحمد في ذلك كله‏، وله الشكر في ذا وذاك .‏ وإذا أصابته مصيبة صبر عليها، وإن كانت تلك المصيبة قد جرت على يد غيره، فالله هو الذي سلط ذلك الشخص، وهو الذي خلق أفعاله، وكانت مكتوبة على العبد؛ كما قال تعالى‏ :‏ ‏{‏‏مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } [‏الحديد‏:‏22‏، 23]‏،

 وأما قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 11‏]‏‏. ‏‏فقد قال العلماء‏ في تفسيرها :‏ هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم‏. ‏‏ وعليه … فإذا أذنب أن يستغفر ويتوب، ولا يحتج على الله بالقدر، ولا يقول‏:‏ أي ذنب لي وقد قدر علي هذا الذنب؛ بل لا بد أن يعلم أنه هو المذنب العاصي الفاعل للذنب، وإن كان ذلك كله بقضاء الله وقدره ومشيئته، إذ لا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته وخلقه؛ فالعبد هو الذي أكل الحرام، وهو الذي فعل الفاحشة، وهو الذي ظلم نفسه؛ كما أنه هو الذي صلى وصام وحج وجاهد، فهو الموصوف بهذه الأفعال؛ وهو المتحرك بهذه الحركات، وهو الكاسب بهذه المحدثات، له ما كسب وعليه ما اكتسب، والله خالق ذلك وغيره من الأشياء ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، بقدرته التامة ومشيئته النافذة‏.‏ قال الله تعالى‏: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}‏‏ ‏[‏غافر‏:‏ 55‏]‏‏.‏ فعلى العبد أن يصبر على المصائب، وأن يستغفر من السيئات والمعائب‏. وليعلم أن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر؛ ولا يحب الفساد، وفي نفس الوقت : هو سبحانه خالق كل شيء؛ وربه ومليكه، وما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن‏.‏ فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ ومشيئة العبد للخير والشر موجودة، فإن العبد له مشيئة للخير والشر، وله قدرة على هذا وذاك . وهو العامل لهذا وهذا، والله خالق ذلك كله وربه ومليكه؛ ، فلا خالق غيره؛ ولا رب سواه؛ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‏.‏  وقد أثبت الله المشيئتين مشيئة الرب؛ ومشيئة العبد؛ وبين أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب في قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً‏.‏ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً‏}‏‏ ‏[‏الإنسان‏:‏29- 30‏]‏ ،وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ‏.‏ لمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ‏.‏ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏ ‏[‏التكوير‏:‏27-‏ 29‏]‏، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏78‏]‏، ‏

أيها المسلمون

وقول الله تعالى :{‏‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ‏}‏‏ ‏النساء‏:‏ 79‏ ، فبعض الناس يظن أن المراد هنا بالحسنات والسيئات الطاعات والمعاصي، فيتنازعون هذا ، ويقول قائلهم ‏:‏ قل كل من عند الله، ويقول آخر : الحسنة من الله، والسيئة من نفسك، وكلاهما أخطأ في فهم الآية؛ فإن المراد هنا بالحسنات والسيئات، النعم والمصائب‏. ‏ كما في قوله تعالى ‏: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 168‏]‏‏.‏ أي امتحناهم واختبرناهم بالسراء والضراء‏.‏ ومعنى الآية أن : {‏‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 79‏]‏‏.‏  فهي في المنافقين‏:‏ كانوا إذا أصابتهم حسنة مثل النصر والرزق والعافية‏. ‏‏ قالوا‏:‏ هذا من الله، وإذا أصابتهم سيئة مثل قتل ومرض وخوف من العدو قالوا‏:‏ هذا من عندك يا محمد ، أنت الذي جئت بهذا الدين الذي عادانا لأجله الناس، وابتلينا لأجله بهذه المصائب، فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 78‏]‏‏. فقوله تعالى : ‏‏{‏‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 79‏]‏‏.‏ فالله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : أنت يا محمد أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر، وما أصابك من نعمة‏:‏ من نصر وعافية ورزق فمن الله، نعمة أنعم الله بها عليك، وما أصابك من سيئة‏:‏ فقر وذل وخوف ومرض وغير ذلك، فمن نفسك وذنوبك وخطاياك‏. ‏‏ كما قال الله في الآية الأخرى‏:‏{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ‏}‏‏  ‏[‏الشورى‏:‏30‏]‏ ،وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 165‏]‏ ، وقال الله تعالى‏:‏‏ {‏‏وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُورٌ‏} ‏[‏الشورى‏:‏ 48‏]‏‏.‏ فالإنسان إذا أصابته المصائب بذنوبه وخطاياه كان هو الظالم لنفسه، فإذا تاب واستغفر جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فالذنوب مثل أكل السم‏ ، فالإنسان إذا أكل السم مرض أو مات ، فهو الذي يمرض ويتألم ، ويتعذب ويموت، والله خالق ذلك كله، وإنما مرض بسبب أكله، وهو الذي ظلم نفسه بأكل السم‏.‏  فإن شرب الدواء النافع عافاه الله، فالذنوب كأكل السم، والدواء النافع كالتوبة النافعة، والعبد فقير إلى الله تعالى في كل حال، فهو بفضله ورحمته يلهمه التوبة، فإذا تاب ، تاب الله عليه، فإذا سأله العبد ودعاه استجاب دعاءه‏.‏ كما قال الله تعالى ‏:‏ {‏‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏186‏]‏‏. ‏‏ فمن قال‏:‏ لا مشيئة له في الخير ولا في الشر فقد كذب‏.‏ ومن قال‏:‏ إنه يشاء شيئا من الخير أو الشر بدون مشيئة الله فقد كذب؛ فالعبد له مشيئة  في كل ما يفعله باختياره من خير وشر، وكل ذلك إنما يكون بمشيئة الله وقدرته ، فلا بد من الإيمان بهذا وهذا، ليحصل الإيمان بالأمر والنهي والوعد والوعيد، والإيمان بالقدر ،خيره وشره، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏.‏ ومن احتج بالقدر على المعاصي فحجته داحضة، ومن اعتذر به فعذره غير مقبول، بل هؤلاء الضالون‏.‏ كما قال فيهم بعض العلماء‏:‏ أنت عند الطاعة قدري ، وعند المعصية جبري، فأي مذهب يوافق هواك تمذهبت به‏.‏

                                                      أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                          الخطبة الثانية : مشيئة الله ، وقضاؤه وقدره ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                                   

                                                          أما بعد  أيها المسلمون    

وأما المؤمن فهو بالعكس في ذلك إذا آذاه الناس نظر إلى القدر، فصبر واحتسب، وإذا أساء هو ، تاب واستغفر‏.‏ كما قال الله تعالى‏:‏‏ {‏‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏} ‏[‏غافر‏:‏ 55‏]‏‏,‏ فالمؤمن يصبر على المصائب ،ويستغفر من الذنوب والسيئات والمعايب، فالقدر سر الله في خلقه ،فما بينه لنا علمناه وآمنا به ،وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة ،وأفهامنا الضعيفة ،بل نؤمن بعدل الله التام ،وحكمته البالغة ،وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده . والإيمان بالقضاء والقدر هو السعادة، وهو ركن الإفادة من هذه الدنيا والاستفادة، منه تنشرح الصدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياة عندما يسلِّم العبد زمام أموره لخالقه، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدّر عليه، فتراه يحكي عبداً مستسلماً لمولاه، الذي خلقه وأنشأه وسواه، وبنعمه وفضله رباه وغذاه ، فيسعد في الدنيا ويؤجر في الأخرى ، ولا يتم ذلك إلا لمن فهم القضاء والقدر، وعرف أسراره، وعلم حكمه على فهم سلف الأمة، فهم على علم أقدموا، وعن فهم كفوا وأحجموا، فلابد من الوقوف حيث وقفوا، وقصر الأفهام على ما فهموا. وأما المنافق فهو على العكس من ذلك ، فلا يستغفر من ذنبه ، بل يحتج بالقدر، ولا يصبر على ما أصابه، فلهذا يكون المنافق شقيا في الدنيا والآخرة؛ ويكون المؤمن سعيدا في الدنيا والآخرة.

                                                           الدعاء