خطبة عن قوله تعالى (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)
نوفمبر 2, 2019خطبة عن حديث (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
نوفمبر 2, 2019الخطبة الأولى ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند صحيح : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ». فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ ». وفي مسند أحمد وصححه الألباني : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَسَلَهُ ». قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ « يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ » ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا أراد الله بعبْدٍ خيرًا، طهَّرَه قبل موته) ، قالوا: وما طَهُور العَبْد؟ قال: (عملٌ صالحٌ يُلهمُه إيَّاه حتى يقْبِضَه عليه) ؛[صحيح الجامع].
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يدلنا فيه صلى الله عليه وسلم على حسن الخاتمة ،وقد نبه الله في كتابه جميع المؤمنين إلى أهمية حسن الخاتمة، فقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران:102] ، وقال الله تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر:99]، وحسن الخاتمة هو: أن يوفق العبد قبل موته للبعد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، أما الخاتمة السيئة فهي: أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربه جل وعلا، مقيم على مساخطه سبحانه، مضيع لما أوجب الله عليه، ولا ريب أن تلك نهاية بائسة، طالما خافها المتقون، وتضرعوا إلى ربهم سبحانه أن يجنبهم إياها. وقد كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة خوفاً شديداً، قال سهل التستري: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة ،وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال الله تعالى في وصف حالهم : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [المؤمنون:60]. فحُسْنُ الخاتِمةِ مِن تَوفيقِ اللهِ سبحانه وتعالى للعبدِ، وإلهامُ العَبدِ أن يَعمَلَ صالِحًا قبلَ موتِه مِن البشائرِ له ومِن إرادةِ اللهِ الخيرَ به، فيقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كما في الحديث المتقدم : « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ». أي: إذا أراد أن يَزيدَ في حَسَناتِه، فيُدخِلَه الجنَّةَ، فاستَفسَر الصَّحابةُ عن معنى “استعمَله” وفي رواية ( طهره ) وفي أخرى ( عسله ) ، (فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي: ما كيفيَّةُ استعمالِه الَّتي سيَنالُ بها الخيريَّةَ، فأجابهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بقولِه: « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ ». أي: يَجعَلُه يَقومُ بعمَلٍ صالحٍ قبلَ موتِه، ويَقبِضُ رُوحَه، وهو يُقيمُ هذا العملَ، أو عَقِبَ فِعْلِه له، كأنْ يُوفِّقَه للصَّلاةِ، ويَقبِضَه وهو يُصلِّي، أو الصِّيامِ، ونحوِ ذلك مِن أعمالٍ صالحةٍ، ويَقبِضَه وهو يَفعَلُها أو عَقِب فِعْلِها. فهذا الحديث هو من جوامع كلم النبي محمد صلى الله عليه وسلم جمع معاني عظيمة، وبرنامج حياة للقلوب المتعلقة بمحبة الله تعالى والعمل من أجل هذا الدين، ولرفعة الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس
أيها المسلمون
فممن أراد الله به خيرًا: شرح صدره لفعل شعائر الإسلام بفرح وسرور: قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في تفسيره لهذه الآية : المراد بالإرادةِ هنا الإرادة الكونية، والمراد بالهداية هدايةُ التوفيق، فتجد العبد منشرحَ الصدر في شرائع الإسلام وشعائره، يفعلها بفرح وسرور وانطلاق، فإذا عرَفْتَ مِن نفسك هذا فاعلم أن الله أراد بك خيرًا، وأراد لك هدايةً،أما مَن ضاق به ذرعًا – والعياذ بالله – فإن هذا علامةٌ على أن الله لم يُرِدْ له هداية، وإلا لانشَرَح صدرُه”. ومن أراد الله به خيرا : يُوفَّق للتوبة من الذنوب قبل موته، ويُقبِل على عمل الطاعات، ويُقبَض عليها : فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا طهَّره قبل موته)، قالوا: وما طهورُ العبد؟ ، قال: (عملٌ صالح يُلهِمه إياه حتى يقبضَه عليه)؛ [أخرجه الطبراني في الكبير]. ومن أراد الله به خيرا : فقهه في الدين : قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِى اللَّهُ » [متفق عليه]. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: “مفهوم الحديث أن مَن لم يتفقَّه في الدين – أي: يتعلَّم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع – فقد حُرِم الخير”. ومن أراد الله به خيرا : يرزقه الله الرفق في معاملاته ،والرحمة في قلبه ، واللين في طبعه وسلوكه : فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ » [أخرجه أحمد]. قال الإمام المُناوِي رحمه الله: “أدخل عليهم باب الرفق، وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض، والرفق لِينُ الجانب واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع”. ومن أراد الله به خيرا : رزقه الله الرفقة الصالحة ، والجليس الصالح ، والوزير المخلص الناصح ، إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه : فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسِىَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ إِنْ نَسِىَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ ». [أخرجه أبو داود].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أراد الله به خيرا : عجل له العقوبة في الدنيا : فعَنْ أَنَسٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». [أخرجه الترمذي]. قال أهل العلم: إذا أراد الله بعبده خيرًا أسرع له العقوبة بأنواع المكاره، وبصبِّ البلاء والمصائب عليه في الدنيا؛ ليخرجَ منها وليس عليه ذنبٌ، ومَن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطفَ به والمنَّة عليه . وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ » ، قال الحافظ ابن حجر: “معناه: يبتلِيه بالمصائب ليثيبَه عليها..، وفي هذه الأحاديث بِشارةٌ عظيمة لكل مؤمن؛ لأن الآدميَّ لا ينفكُّ غالبًا مِن أَلَمٍ بسبب مرض أو همٍّ أو نحو ذلك..، وأن الأمراض والأوجاع والآلام – بدنيةً كانت أو قلبيةً – تُكفِّر ذنوبَ مَن تقع له”.
أيها المسلمون
ومن الفوائد التي يمكن أن نستخلصها من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : أن المسلم ذو همة عالية من التكليف حتى الممات، مهما اعترته عقبات الحياة، وتشويش الأعداء، وظلم الآخرين. ثانيا : على المسلم أن يعمل لهذا الدين ،وأن يجدد العطاء، لأن أمتنا أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة إبداع لا أمة ابتداع، وأمة ابتكار لا أمة تكرار. ثالثا : إلزام النفس بالعمل الصالح والتجديد بالأعمال التي تقرب إلى الله تعالى ، والعمل الصالح إن كان تعدى ينفع النفس إلى ما ينفع الآخرين كان أجره أعظم لأنه دال على الخير. رابعا : أن يكون المسلم دائم السعي للخاتمة الطيبة، لأنه لا يعرف متى تقبض روحه. خامسا : على المسلم التوبة والإنابة قبل غلق بابها، فما زال الباب مفتوحًا، وأبواب الخير عظيمة ، فاجتهد بما ينفع نفسك والمسلمين. سادسا : لا تؤجل ولا تسوِّف إن أردت الفلاح ،وأردت تعسيل الله لك، وتطهير الله لك ، واستعمال الله لك ، فلا تركن إلى التسويف ، ولكن عليك بالاجتهاد ، والمسارعة إلى الخيرات ، والمسابقة في فعل الطاعات ، قال الله تعالى : (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (21) الحديد ، وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) المؤمنون (60) ،(61)
الدعاء