خطبة عن قوله تعالى ( فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ )
أغسطس 22, 2020خطبة حول العفو والحلم والصفح (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
أغسطس 22, 2020الخطبة الأولى ( آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ ، فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ ، قَالَ : كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ . فَقَالَ عِيسَى : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي » ،وفي رواية لمسلم : « رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى سَرَقْتَ قَالَ كَلاَّ وَالَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ. فَقَالَ عِيسَى آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ نَفْسِى »
إخوة الإسلام
قد يضطر المسلم أحيانا إلى أن يؤكد كلامه فيحلف ، فإن احتاج المؤمن للحلِف لتأكيد أمرٍ أو نفيه؛ فينبغي عليه أن يحلِف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين بقوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ » وفي رواية : «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ » فلا يَحْلِف بأبيه ، أو أمه، أو ولده؛ أو بأي مخلوق آخر ، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ ». وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ « لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ». وفي رواية : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهْوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ « أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ ، أَوْ لِيَصْمُتْ » ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حلف في أكثر من ثمانين موضعًا، وأَمَرَه اللهُ بالحلِف في ثلاثة مواضع ، إلا أنَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يحلف إلا بالله تعالى أو بصفةٍ من صفاته ، ولذلك نجد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حثَّ على الحلِف بالله تعالى مقيِّدًا ذلك بالبرِّ والصِّدق، وأخبر عن محبة الله ورضاه على من يحلف به، ما دام غرضُ الحالِف مشروعًا؛ كفعل طاعةٍ، أو حثٍّ على خير، أو زجر عن إثم ،
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي تصدرت به هذه الخطبة ، يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بواقعة حدثت مع نبي الله عيس ( عليه السلام ) : فقال صلى الله عليه وسلم : « رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ ، فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ قَالَ كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ . فَقَالَ عِيسَى آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي » ، فهذا الرجل بدلاً من أن يعترف بذنبه ، ويستغفر من زلاته ، ويخجل على نفسه ، وهو يرى افتضاح أمره أمام نبيٍّ الله عيسى ( عليه السلام ) ،والذي يتنزّل عليه الوحي من السماء صباح مساء ، فإذا بالعزّة الآثمة تأخذه ، فيقسم بأغلظ الأيمان وأعظمها أنّه لم يسرق شيئا : قَالَ : كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ . فما أعظمها من يمينٌ ، تضمّنت المعنى الذي كرّس نبي الله عيسى (عليه السلام) حياته كلّها لتبليغها والدعوة إليها ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبوديّة . ولأجل ما قام في قلب نبي الله عيسى عليه السلام من تعظيمٍ لجلال ربّه ، أرجع الخطأ إلى عينه ، وألقى التهمة على نفسه ، يقول الإمام ابن القيّم معلّقاً على ذلك : ” والحق أن الله كان في قلبه أجلّ من أن يحلف به أحدٌ كاذباً ، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره ، فردّ التهمة إلى بصره كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصح “، فالمسلم يرضى ويسلم إذا حلف له بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ » [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]. وشبيها بذلك قصة الصحابي الجليل (عبد الله بن رواحة رضي الله عنه) ( مع امرأته ) ، وهي قصة مشهورة ، وقد ذكرها ابن عبد البر في الاستيعاب ، وقال : رويناها من وجوه صحاح ، (وذلك أن الصحابي الجليل (عبد الله بن رواحة رضي الله عنه) مشى ليلة إلى أمة له فنالها ( أي : جامعها )، وفطنت له امرأته ، فلامته ، فجحدها : ( أي أنكر ذلك )، وكانت امرأته قد رأت جماعه لأمته بعينيها ، فقالت له : إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن ؛ فإن الجنب لا يقرأ القرآن ، فقال الصحابي الجليل (عبد الله بن رواحة رضي الله عنه) هذه الأبيات بصوت ونغمة شبيها بتلاوة القرآن ، فقال فيها :
شـهدت بـأن وعـد الله حـق وإن النـار مثـوى الكافرينــــــا
وأن العـرش فـوق الماء حق وفـوق العـرش رب العالمينـــــا
وتحملـه ملائكـة غلاظ ملائكــة الإلـه مســومينا
فقالت امرأته : صدق الله وكذبت عيني ، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه .
أيها المسلمون
ومن الوقفات الهامة مع قصة هذا الحديث النبوي الكريم : فقد رأينا في ثنايا القصّة كيف أرجع نبي الله عيسى عليه السلام الخطأ على نفسه رغم معاينته له ووقوفه عليه ، فإذا تأمّلنا ذلك تبيّن قدر الجناية التي يرتكبها البعض عندما يسيئون الظنّ بإخوانهم المؤمنين ، ويبنون ظنونهم على أوهام مجرّدة وأقاويل شائعة ، ولا يقبلون اعتذاراً ولا أيماناً ، فلأولئك جاء قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } ( الحجرات : 12 ) . فلا ريب أن إحسان الظنّ بالمسلمين سببٌ ظاهرٌ في إبقاء العلاقات الأخويّة متينة الوثاق، قويّة الإحكام ، وبذلك تحيا القلوب صافيةً مطمئنّة ، وقديما قالوا :” لأن تحسن الظنّ فتخطيء ، خير من أن تسيء الظنّ فتندم ” أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا تعظيم المسلمين للحلف بالله ، وكذا السؤال باسمه تعالى ، وفي سنن أبي داود : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ ». وواجب على من سئل بوجه الله أن يجيبه إلى سؤاله ،وإن لم يكن مستحقًّا لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ» رواه ابن حبان وغيره؛ وذلك لأنَّ في إعطائه تعظيمَ الله تعالى ،وتحقيقَ حاجة السائل ، وذلك بشرط : ألا يتضمَّن السؤالُ إثمًا ،أو قطيعةَ رحمٍ، أو يحدثْ ضررًا للمسؤول، أو يسألْ أمرًا قبيحًا لا يليق شرعًا، كمن يسأل بالله مالاَ ليبتاع محرَّمًا كالخمر والدخان وكلِّ ما يعود عليه بالخبث والضرر، لأنَّ «التَّحْرِيمَ يَتْبَعُ الخُبْثَ وَالضَّرَرَ»، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ، وَملْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ الله ثُمَّ مَنَعَ سَائلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» رواه الطبراني. فسؤال الناس بوجه الله تعالى أمراً من أمور الدنيا لا يجوز؛ لورود النهي في هذا الحديث فمن يقول لبعض الناس: “أعطني شيئاً لوجه الله”؛ فهذا حرام لأن الله تعالى أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من حطام الدنيا، ومن سُئل بوجه الله؛ ينبغي له أن يُعطي السائل ما لم يكن في سؤاله إثم أو ضرر يلحق بالمسؤول. أما سؤال الله تعالى فلا بأس به؛ لأن الإنسان إذا سأل الله إنما يعبّر عن اعتقاده بقدرة الله على كل شيء، ولذا كان الدعاء عبادة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ » رواه أبو داود ، وذلك كأن يقول: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن تدخلني الجنة. كما أنه يُسأَل بوجه الله تعالى الجنة، فكذلك يسأل بوجه الله في الأمور العظام، ودليل ذلك ما أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد :(عَنْ بَهْزٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِى عَنْ جَدِّى قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أُولاَءِ – وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى – أَنْ لاَ آتِيَكَ وَلاَ آتِىَ دِينَكَ وَإِنِّي قَدْ جِئْتُ امْرَءاً لاَ أَعْقِلُ شَيْئاً إِلاَّ مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ ،وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ : بِمَ بَعَثَكَ رَبُّنَا إِلَيْنَا ، قَالَ « بِالإِسْلاَمِ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَا آيَةُ الإِسْلاَمِ قَالَ « أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ يُشْرَكُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ عَمَلاً أَوْ يُفَارِقُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مَا لِي أَمْسِكُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ أَلاَ إِنَّ رَبِّى دَاعِىَّ وَإِنَّهُ سَائِلِي هل بَلَّغْتَ عِبَادِي وَأَنَا قَائِلٌ لَهُ رَبِّ قَدْ بَلَّغْتُهُمْ أَلاَ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ ثُمَّ إِنَّكُمْ مَدْعُوُّونَ وَمُفَدَّمَةٌ أَفْوَاهُكُمْ بِالْفِدَامِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُبِينُ ». وَقَالَ بِوَاسِطٍ « يُتَرْجِمُ ». قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا دِينُنَا قَالَ « هَذَا دِينُكُمْ وَأَيْنَمَا تُحْسِنْ يَكْفِكَ ».
الدعاء