خطبة عن حديث (أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ)
مارس 9, 2019خطبة عن (إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي (تَعْرِفُ مِنْهُ وَتُنْكِرُ)
مارس 12, 2019الخطبة الأولى ( الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ،وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الهدي النبوي الشريف ، والذي يرغبنا فيه صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وحذرنا فيه من النار، فكل مسلم يرغب في دخول الجنة ،والنجاة من النار، فهذه أمنية كل مسلم ،ومقصد كل تقي وقد يتصور البعض أن طريق الجنة طويل وشاق ،يحتاج إلى أعمال متعبة ،وجهود مضنية، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يبشرنا بأن طريق الجنة سهل ميسور على من يسره الله عليه ، وهو قريب لمن وفقه الله تعالى وأعانه. فقوله صلى الله عليه وسلم : « الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ) ، فشراك النعل: هو السير الذي على ظهر القدم ، وهو قريب جداً من الإنسان ، ويضرب به المثل في القرب، وكذلك الجنة ، فقد يتكلم الإنسان بالكلمة الواحدة من رضوان الله عز وجل ،لا يظن أنها تبلغ ما بلغت، فإذا هي توصله إلى جنة النعيم، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ) ، وأما من ضاق بالإسلام ذرعاً، وصار الإسلام ثقيلاً عليه فإنه يستثقل الطاعات، ويستثقل اجتناب المحرمات، ولا تصير الجنة أقرب إليه من شراك نعله ، بل هي بعيدة المنال ، ويصعب الوصول إليها
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ ) أي : هي أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، فالإنسان ربما يتكلم بالكلمة ،لا يلقى لها بالاً ،وهي من سخط الله ،فيهوى بها في النار كذا وكذا من السنين، وهو لا يدري، وما أكثر الكلمات التي يتكلم بها الإنسان غير مبال بها، وغير مهتم بمدلولها، فترديه في نار جهنم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ » قال ابن حجر: «فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ،ولا في قليل من الشر أن يجتنبه٬ فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ، ولا السيئة التي يسخط عليه بها» . ويقول ابن القيم: «لا تتمُّ الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بالنظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ، ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرَّات. والمسلم وهو يجاهد نفسه لابد له من عُدَّة يتسلح بها، وأقوى الأسلحة التي يستخدمها المسلم في مجاهدة نفسه سلاح الصبر؛ فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم، وجعل له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكاً عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غُلب وقُهر وأُسر، وصار عبداً ذليلاً أسيراً في يد شيطانه.
أيها المسلمون
والجنة والنار مخلوقتان لله تبارك وتعالى، لا تبيدان ولا تفنيان، وهما موجدتان الآن، والله تبارك وتعالى جعل الجنة داراً لأوليائه، وجعل النار داراً لعصاته، ولما خلق الجنة بعث إليها جبريل ليراها : (قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا. )؛ فالجنة درجة عالية تحتاج إلى صعود، (فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. ) ؛ لأن بينها وبين الناس مفاوز وهي المكاره. والمكاره هي المشاق التي تحصل عند القيام بالعبادة، كالذهاب إلى الصلوات، والصيام، وإنفاق المال، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، والصبر على أقدار الله جل وعلا وقضائه، والكف عن الشهوات، وغض البصر، وحفظ الفرج، فهذه كلها مكاره، لكن الإنسان إذا هتك الحجاب وتخلص من هذه المكاره، واستطاع أن ينتصر عليها لم يكن بينه وبين الجنة شيء، فلا يحتقر الإنسان أي عمل يصنعه، وألا يحتقر أي معصية يفعلها، فقد تكون تلك المعصية سبباً في هلاكك، وقد تكون تلك الطاعة سبباً في نجاتك، قال علي رضي الله عنه وأرضاه: (إن الله أخفى اثنتين: أخفى الله أولياءه في عباده، فلا تدري من تلقاه أيهم ولي لله، وأخفى رضاه في طاعته، فلا تدري أي طاعة أطعت الله بها كانت سبباً في رضوان الله تبارك وتعالى عليك). فلا يزدري الإنسان أي طاعة ولا يحتقرها، وعليه أن يسابق في الخيرات وينافس بالطاعات، ويعلم أن الجنة درجة عالية تحتاج إلى صعود،
أيها المسلمون
فما أقرب الجنة للعبد وأيسرها على من وفقه الله، وفتح له أبواب الطاعة والخير. وما أقرب النار للمخذول الشقي الذي أوبقته الذنوب وفارقه عون الله وتوفيقه. فالجنة قريبة المنال، سهلة الطريق، والوصول إليها ليس بالأمر العسير على من يسره الله عليه، وكذا النار أعاذنا الله منها، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهلٌ بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية؛ فسلعة الله الجنة ثمنها بين أيدينا، ولا يعجِز عنه أحد، ولا يردنا عنه أحد ، ولا يزاحمنا عليه أحد، ولكنها سلعةٌ ثمينة لا تمنح لكل أحد؛ فإن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ». رواه الترمذي
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ،وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد المستنبطة والمستخلصة والتي يرشد إليها هذا الحديث : أولا : أنه ربما دخل العبد الجنة بعمل يسير لم يحفل به، ولم يظن أنه يبلغ به ما بلغ، وربما دخل النار بعمل ظنه يسيرًا وهو عند الله عظيم. وكما ذكر الحافظ في الفتح فإن: “الطاعة والمعصية قَدْ تَكُونُ فِي أَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ.. فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَا فِي قَلِيلٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَجْتَنِبَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْحَسَنَةَ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللَّهُ بِهَا وَلَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَسْخَطُ عَلَيْهِ بِهَا”. ثانيا : إن الإيمان بالآخرة أصل صلاح القلب، وأصل الرغبة في الخير والرهبة من الشر، اللذان هما أساس الخيرات. ثالثا : الإيمان بيوم القيامة يفتح للإنسان باب الخوف والرجاء. رابعا : أن نسيان الآخرة واليوم الآخر وما فيها مفتاحُ باب الطغيان والفساد والشر . خامسا : الجنة والنار: داران خلقهما الله ليكون إليهما مآلُ المكلفين من الإنس والجن. سادسا : إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا فهم بعمل أهل الجنة يعملون، وخلق النار وخلق لها أهلا فهم بعمل أهل النار يعملون. سابعا : أن الخوف والرجاء جناحان يطير بهما المؤمن إلى الآخرة. ثامنا : أن هذا الحديث من جوامع الكلم: فإن ما بين الإنسان وبين الجنة إلا أن تصعد روحه على الإيمان وما بين الإنسان وبين النار إلا أن تزهق روحه على الشرك والكفر.
الدعاء