خطبة عن قوله تعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ)
فبراير 2, 2019خطبة عن حديث (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ)
فبراير 2, 2019الخطبة الأولى ( سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ ». وفي رواية لمسلم: « تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ ».
إخوة الإسلام
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على أن ينقذ أمته من كل المهالك ، وأن يرشدهم إلى طريق السلامة منها ، ومن بين هذه الأمور التي حذر صلى الله عليه وسلم أمته منها : موارد الفتن ، فأخبر صلى الله عليه وسلم بما أوحاه الله تعالى إليه أنها ستكون فتن عظيمة ومهلكة ، فمنها فتن الشهوات وما يقع فيها من القتال والبغي والعدوان ، والتنازع على أمور الدنيا ، ومنها فتن الشبهات ، وما يفتن فيها المرء في دينه وعقيدته ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي) ، فمعناه بيان عظيم خطرها ، والحث على تجنبها ، والهرب منها ، وأن شرها وفتنتها تكون على حسب التعلق بها ، فالبعض في ذلك أشد من البعض ، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببا لإثارتها ، ثم من يكون قائما بأسبابها وهو الماشي ، ثم من يكون مباشرا لها وهو القائم . ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاستشراف للفتنة، أي التعرض لها، والمشاركة فيها، وعدم الفرار منها ،والإعراض عن أهلها، فهذا الذي يشرف لها ويتعرض لها ويشارك فيها (تَسْتَشْرِفُهُ) أي تهلكه، فمن أعرض عن الفتنة أعرضت الفتنة عنه، ومن أشرف لها وسارع فيها أهلكته. وهذا التحذير النبوي من استشراف الفتنة هو من أجل أن يتباطأ فيها من دخلها، ولا يستعجل الغوص في لجتها لئلا يغرق، فلعله ببطئه فيها يُكشف له ما غاب عنه من أمرها، ويعلم ما كان يجهل من حقيقتها، ويظهر له ما أخفي عنه من رؤوسها وقادتها ومسعريها، فيمكنه التراجع قبل الهلكة، ويمكنه إنقاذ نفسه قبل الغرق، بخلاف المسارعين فيها فإن النجاة تفوتهم ، والغرق فيها مصيرهم .
أيها المسلمون
فالناس في الفتن أنواع بحسب ما جعل الله لهم من العلم والتقى، فمنهم : من لا يشارك فيها بقول ،ولا بسيف؛ لأنها فتنة ،فهذا هو المبعِد بنفسه، النائي عنها، فهؤلاء عملوا بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ ) ، ومنهم المشارك والواقع فيها، بل وهمّتهم وغرضهم أن يعمّ هذا الأمر الجميع ، وأنْ لا يبقى موضع إلا وقد دخلته ، لهذا …حَقَّ على كثيرين من النَّاس قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: { مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ }, فهم قد تطلّعوا لها , واشتركوا فيها، فوقعوا فيها، ويلقون الله مفتونين ، ومن أخطر أنواع الاشتراك في الفتنة على الإطلاق : أنْ يشترك أحدٌ من أهل العلم والفتيا في تهييج النَّاس وتحريضهم، وإصدار الفتاوى التي تشوِّش على النَّاس ، وتحرِّضهم على سفك الدماء؛ لأنَّ النَّاس إذا رأوا هذا العالم المُقتدَى به يفتيهم؛ فإنهم يكونون على حال من الاطمئنان الشديد بأنَّ ما هُم فيه هو الحق ، وأنهم على طريق مستقيم ،وأنهم يتقربون إلى الله بهذا الذي هم فيه ، ولهذا جاء في سنن البيهقي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: .. (وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ » وفي سنن أبي داود « مَنْ أُفْتِىَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ »
أيها المسلمون
فإذا ثارت الفتن ، وجب على المؤمن أن يؤب إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففيها سبل النجاة من الفتنة، فيتعلمها، ويلتزم بما جاء فيها، ومما ورد في ذلك : أن يبطئ المرء في الفتنة ولا يسارع فيها؛ فإن البطء فيها ينجي صاحبه منها، ويعينه على التبصر فيها، ويحرك فكره لمعرفة حقيقتها، واتخاذ الموقف الأسلم حيالها. أما المسارع في الفتنة حال ثورانها فإنه يعمى عن التبصر فيها، وينحصر فكره في الاشتغال بها عن تقييمها ومعرفة حقيقتها، وكلما سارع فيها عسر عليه الرجوع عنها، ولو تبين له الخطأ فيها، فلا يقع رجوعه وندمه إلا حيث لا ينفعه. وهذا هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم كما في رواية لمسلم «تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ» ،فالنائم لا يدري عن أخبار الفتنة شيئا، فلا يقع في قلبه شيء عن طريق سمعه، ولا يتخوض فيها بلسانه. وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ يَكُونُ الْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرًا مِنَ الْجَالِسِ» رواه أبو داود. ..فالمضطجع أكثر بطئا وسكونا من الجالس. فهذا أصل عظيم في البطء في الفتنة، وعدم استشرافها، أو الإسراع فيها؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الناس في الخيرية بحسب تعاملهم مع الفتنة؛ فالنائم وإن كان راضيا بالفتنة فهو أقل فتنة من المضطجع اليقظان، والمضطجع أقل من القاعد، والقاعد أبعد عن الفتنة من القائم الذي يتلقى أخبارها، ويسمع من أربابها فكان خيرا منه، والقائم قد اكتفى في الفتنة بما يرد إليه منها وهو في محله فكان خيرا من الماشي بنفسه إلى الفتنة، والماشي فيها أو إليها أقل إسراعا من الساعي الذي يَجِدُّ في السير إليها فكان خيرا منه. فإذا كان أهل الفتنة يتفاضلون، وتفاضلهم بقدر بطئهم فيها، فالمجتنب للفتنة البعيد عنها خير منهم أجمعين. وهذا ابن عمر رضي الله عنه : كَتبَ إليه رَجُلٌ أَنِ اكتُبْ إِلَيَّ بِالعِلمِ كُلِّهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ العِلمَ كَثِيْرٌ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ، خَمِيْصَ البَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم، لاَزماً لأَمرِ جَمَاعَتِهِم، فَافعَلْ. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الفرار والعزلة للنجاة من الفتنة كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ -أي الفتنة-، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ” فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإن المتأمل لأحاديث الفتن يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرص على مباعدة المؤمن عنها، وأرشده إلى ما ينجيه منها، فإذا اختلط الأمر على العبد أمسك يده ولسانه، أو اعتزل في إبله وغنمه، وسبب ذلك أن الفتن تؤدي إلى الاقتتال، وسفك الدماء، واستحلال الأموال، وربما التعدي على الأعراض، والأصل في الدماء والأعراض والأموال الصيانة والحفظ لا الإهدار والاستحلال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» متفق عليه. فإذا وقعت فتنة عمياء يحار فيها الناس رجع المؤمن إلى الأصل وهو حرمة الدماء والأعراض والأموال، واجتنب كل فعل يؤدي إلى إهدارها وانتهكها واستحلالها؛ لأنها لا تستحل بالوهم والظن والتأويل، بل لا بد من اليقين في حلها؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ “متفق عليه. وبناء على أن الأصل في الدماء هو الصيانة لا الإهدار ،فلو فهم بعض من استهانوا بالدماء هذا الأصل لباعدوا عن الفتن، واجتنبوا مواطنها، وفارقوا مسعريها، واشتغلوا بما ينفعهم من تحصيل العلم وزيادة العبادة؛ فإن العلم يُعصم به صاحبه بإذن الله تعالى من الوقوع في الشبهة، والعبادة تحجزه عن الهوى والشهوة، فيسلم له دينه، ولا يحتمل على ظهره دماء يلقى الله تعالى بها يوم القيامة قد سفكت بغير حق.
أيها المسلمون
وماذا يجب على المسلم عند نزول الفتن ؟ : يجب علينا أن نحفظ اللسان ..لأن الكلام الذي يقال في أثناء الفتنة لابد أن يتردد بين غيبة ونميمة وبهتان ، فكثير من الناس , قد حفظه الله عن الوقوع في الفتنة بجسده ،وكان بعيدا عنها ، ولكنه أوقع نفسه بها بلسانه ! ، وقد ورد عن طاووس قوله: تكون فتنة وقع اللسان فيها أشد من وقع السيف !وعن محمد بن وليد القرشي يقول : الكلام في الفتنة دم يقطر ،وورد في كلام السلف أن الفتنة تُرسَل مع الهوى، أي لما تنزل فتنة أو مصيبة يفتن الله بها الناس ويختبر اعتقاداتهم، تنزل مع هذه الفتنة الهوى، فمن اتبع الهوى كانت فتنة سوداء، فالزم أخي المسلم بيتك ، واملك عليك لسانك ، وخذ بما تعرف ،ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة ، فالمطلوب منا وقت الفتنة ألا نضج مع الضاجين، ولا نتكلم مع المتكلمين، ولا نخوض مع الخائضين ، ولا نحاول أن نفهم أمورا دقيقة لا طاقة لعقولنا بفهمها، ولا وقت نشغله من أنفسنا بها، إنما المطلوب منا أن نعبد الله ، ونستعين به
الدعاء