خطبة عن حكم الاستعانة بالمشركين والكفار في القتال وحديث (فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)
مارس 7, 2020خطبة عن (مم يتعوذ المؤمن؟)
مارس 11, 2020الخطبة الأولى معنى قوامة الرجال على النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء 34
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء 34، تعرّف القوامة لغةً واصطلاحا : بأنها القيام بالأمور أو المال، كما أنها تعرف بولاية الأمر، ويطلق على من يُحسن القيام بالأمور قوّام، فقوامةُ الرجلِ على زوجتهِ أن يقوم بالنفقةِ والمسكن والملبس، وأنه إن أدى ذلك، ينبغي منها طاعتُه وقَبولُ أمره ،ما لم تكن معصية؛ لذلك حرّم اللهُ عليها أن تخرجَ من بيتهِ بلا إذنهِ لغيرِ ضرورةٍ، وحرّم عليها أن تُدخلَ بيتَه من يكره، سواءٌ كانَ قريبًا لها أو لا، وحرّم اللهُ عليها أيضًا أن تمنعَه حقَّه من الاستمتاعِ ،وما يدعو إلى ذلك من التزينِ ،إلا في حالةٍ لها فيها عذرٌ شرعي، وتعليل ذلك بالفضيلةِ والنفقةِ والعقلِ والقوةِ في أمرِ الجهادِ والميراثِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ. وفي أسباب نزول هذه الآية جاء في تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ﴾، نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ وَفِي امْرَأَتِهِ .. وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا» ، فَانْصَرَفَتْ مَعَ أبيها لتقتصّ منه فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعُوا هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي بِشَيْءٍ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ» ، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) أَيْ: مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ،
وقال الإمام محمد الشعراوي، في تفسيره لهذه الآية : إن معني القوامة : إذا قيل : إن فلانا قائم على أمر فلان، فما معنى ذلك؟ هذا يوحي بأن هناك شخصا جالس، والآخر قائم ،فمعنى قوامون على النساء : أنهم مكلفون برعايتهن ،والسعي من أجلهن ،وخدمتهن إلى كل ما تفرض القوامة من تكليفات، إذا : فالقوامة تكليف للرجل. ومعنى : ” بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “، ليس تفضيلا من الله عز وجل للرجل على المرأة كما يعتقد الناس، ولو أراد الله هذا لقال: (بما فضل الله الرجال على النساء)، لكنه قال: ” بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “، فأتى ببعض مبهمة هنا وهناك، وذلك معناه: أن القوامة تحتاج إلى فضل مجهود، وحركة وكدح من ناحية الرجال، ليأتي بالأموال ، يقابلها فضل ناحية أخرى، وهو أن للمرأة مهمة لا يقدر عليها الرجال، فهي مفضلة عليه فيها، فالرجل لا يحمل ولا يلد ولا يحيض ، ولذلك قال الله تعالى في آية أخرى : (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (32) النساء ، فلمن الخطاب هنا؟ إنه للجميع، وأتى بكلمة البعض هنا أيضا ليكون البعض مفضلا في ناحية، ومفضولا عليه في ناحية أخرى. ولا يمكن أن تقيم مقارنة بين فرديين لكل منهما مهمة تختلف عن الآخر، لكن إذا نظرنا إلى كل من المهمتين معا، سنجد أنهما متكاملتان، فللرجل فضل القوامة بالسعي والكدح، أما الحنان والرعاية والعطف فهي ناحية مفقودة عند الرجل؛ لانشغاله بمتطلبات القوامة. ولذلك فإن الله عز وجل يحفظ المرأة لتقوم بمهمتها، ولا يحملها قوامة بتكليفاتها تلك ، لتفرغ وقتها للعمل الشاق الآخر ، والذي خلقت من أجله، لكن الشارع أثبت لنا أن الرجل عليه أن يساعد المرأة، وكان ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل البيت ووجد أهله منشغلين بعمل يساعدهم، مما يدل على أن مهمة المرأة كبيرة ، وعلى الرجل أن يعاونها. ومساعدة الزوج زوجته في أعمال البيت لا يؤثر في رجولته، بل يزيدها جمالا وهيبة، وسئلت السيدة عائشةَ: “يا أمَّ المؤمنينَ أيُّ شيءٍ كان يصنَعُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان عندَكِ؟ قالت: ما يفعَلُ أحدُكم في مِهنةِ أهلِه يخصِفُ نعلَه ويَخيطُ ثوبَه ويرقَعُ دَلْوَه”.ويقول الشعراوي : إذن فلماذا يُأخذ قوله تعالى “قَوَّامُونَ عَلَى النسآء” على أنه كتم أنفاس؟ ، ولماذا لا تأخذها على أنه سعى في مصالحهن؟ ،فالرجل مكلف بمهمة القيام على النساء، وأن يقوم بأداء ما يصلح بالأمر ،فمعنى “قوامون” أي مبالغين في القيام على أمور النساء فلا يصح أن تأخذ (قوام) على أنها السيطرة.
أيها المسلمون
فالإسلام لم يقرّر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في بعض المسائل ، مراعاةً لطبيعة كلٍ منهما، حيث إن كلاً منهما يختلف عن الآخر في التكوين الجسدي، والنفسي، والوظيفي، وقد كلّفهما بالمسؤوليات والمهمّات التي تناسبهما، فالإسلام يقرّر التكاليف التي تناسب الفطرة البشرية التي فُطر عليها كلٌ من الرجل والمرأة، كما أنّ القيام بمهمة إدارة الأسرة من الأمور الضرورية، فبدونها تعمّ الفوضى والمشاكل، وبناءً على ذلك فإما أن تكون القوامة للمرأة أو للرجل، وليس من الممكن أن تكون لكليهما، فوجود رئيسين لذات الأمر يعدّ أمراً لا يمكن تصوّره، وبعد ذلك فإن الرجل أقدر على حمل القوامة، لأن المرأة إن كانت صاحبة القوامة والمسؤولية فإن الرجل سيكون خاضعاً لرغباتها وأوامرها، لذا فإنّ القوامة للرجل دون أي ظلم أو استبداد، ولكن يجب أن تكون إدارة الأسرة قائمة على التعاون، والتشاور، والتفاهم. فالمقصود من قول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة (228) ، فهو عدم تفضيل الرجل على المرأة، وإنما تحمّل الرجل لمسؤولية النفقة على الأولاد والزوجة ، والقيام بمختلف شؤون البيت وأموره، ورعاية وصيانة زوجته، بالإضافة إلى أنّ الرجل مكلّف بالجهاد في سبيل الله تعالى، والدفاع عن دين الإسلام وأمته، أي أن القوامة من نصيب الرجل لأنه الأقدر على حملها والقيام بها، لما يتمتع به من القوة الجسدية، كما أنّ المرأة معنيّة بالحمل والولادة، ويصيبها الحيض والنفاس، ممّا يؤدي إلى ضعفها، أي أن الله تعالى كلّف الرجل بالقوامة بوضعه في مكان الخدمة والرعاية دون أي تحكّم، أو استعلاء، أو تسلّط، أو ظلم. فليست القوامة لتشريف الرجل على المرأة، وإنما هي في الحقيقة من الأمور التكليفية الخاصة به، كما أنه ليس في ذلك انتقاصاً من قيمة المرأة وقدرها ومنزلتها، فالإسلام جعل القوامة من نصيب الرجل بالنظر إلى أمرين أساسيين، الأول منهما الفطرة التي تتعلق بقوة الإرادة، ورجحان عقله على عاطفته، بينما ترجّح العاطفة على العقل لدى المرأة، ممّا يزرع في نفسها شدّة التأثّر والانفعال، لتؤدي ما عليها من واجبات الأمومة والحضانة بأفضل صورةٍ، والسبب الثاني يتمثّل بالكسب، أي أن الرجل مكلّف بنفقات الزواج، وثمّ بالإنفاق على الزوجة والأولاد، والإسلام قابل ذلك بإعطائه حق القوامة، وفي المقابل فإنّ الإسلام زوّد المرأة بالقدرات التي تتميّز فيها عن الرجل، منها : التحلّي بالصبر بشكل أكبر من الرجل، والقدرة على التحمّل، والرغبة بالنسل والولد، والقدرة العالية على السهر والقيام على أمور الأبناء إن كان أحدهم مريضاً مثلاً، والقدرة العالية ايضاً على تحمّل الأوجاع والآلام بسبب ما تعانيه من آلام الحيض، والحمل، والولادة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية معنى قوامة الرجال على النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد بيّن العلماء عدّة أحكام تتعلّق بالقوامة، ومنها: إذا لم يؤدِّ الرجل ما كلّفه به الله تعالى من الأمور المتعلّقة بالقوامة من نفقة وكساء، فإنّ الحق في القوامة يُسلب منه، ويحق المرأة فسخ النكاح بالوسائل التي شرعها الإسلام، حيث إنّ القوامة في الآية القرآنية اشترطت بالإنفاق، وذلك ما نصّ عليه كلٌ من الشافعية والمالكية، ومن الجدير بالذكر أنّ تفضيل الرجل على المرأة بالقوامة لا تعدّ قاعدةً عامةً شاملة للكلّ على حدٍ سواء، فتوجد العديد من النساء اللاتي يتفوقّن على أزواجهن بالعلم، والدين، والعمل، والرأي وغير ذلك من الأمور، وما يدلّ على ذلك الآية القرآنية التي خصّت تفضيل بعض الرجال دون تفضيل جميعهم، حيث قال الله تعالى: (بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ). فتتمثّل القوامة الزوجية بالعديد من الضوابط التي بيّنها العلماء، فالإسلام أوجب على الزوج أداء عدد من الواجبات، منها: المهر، وهو المال الواجب على الرجل للمرأة بالعقد عليها أو بالوطء، حيث قال الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) النساء 4، كما أنّ العلماء أجمعوا على وجوب المهر للزوجة، فالحكمة منه توثيق الزواج الذي يعدّ من أهم العقود وأخطرها، كما أنه يدل على صدق الرجل ،ورغبته في الزواج ،والارتباط بالفتاة، ومن الواجبات المقرّرة على الزوج النفقة، حيث إنها تجب بمجرّد إتمام عقد النكاح، وتمكّن الزوج من الاستمتاع بزوجته، حيث قال الله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة 233، والواجب على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف والخير، حيث قال الله سبحانه: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء (19) ، والمعاشرة تشمل جميع جوانب الحياة الزوجية والأسرية، فعلى الزوج أن يحسن ألفاظه وحديثه مع زوجته، ويحرص على عدم توجيهها وأمرها بما لا تستطيع وتطيق، وفي المقابل فعلى الزوجة أن تتجمّل لزوجها، وتحرص على فعل الأمور التي تُسعده وتفرحه، وتتجاوز عن الأمور التي تسببّ كدر الحياة، ، فقد قال القرطبي شارحاً الآية السابقة: (على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والمراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج؛ وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها).
الدعاء