خطبة عن (مفسدات القلوب وسمومها)
يوليو 15, 2017خطبة عن الصحابي: (الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ)
يوليو 15, 2017الخطبة الأولى ( مع الله .. تحلو الحياة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (28) الرعد، وقال تعالى : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) 62: 64 يونس ، وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – (…وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) ، وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ».
إخوة الإسلام
كيف تحلو الحياة ؟؟ ، ومتى تحلو الحياة ؟؟، وكيف يعيش الانسان سعيدا في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؟؟ ، تعالوا بنا اليوم -إن شاء الله- نحاول الاجابة على هذا السؤال : وبداية نقول : إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من جسد وروح، فأما الجسد فمخلوق من تراب؛ وسعادته تحصل بالأمور المحسوسة ، فيسعد سمعه بالمسموعات، وبصره بالمرئيات، وبطنه بالمأكولات والمشروبات، وهكذا. وأما الروح فهي نفخة من الملَك؛ وسعادتها تكون فيما جاء به الوحي من عند الله تبارك وتعالى، فسعادة الروح بامتثال الدين الحق الذي شرعه الله ، قال الله تعالى: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]. واعلموا أنه إذا سعدت الروح ، سعد الجسد ، وإن قل نصيبه من الأشياء الحسية ، من طعام ،أو شراب ،أو كساء ، أو نكاح، وإن شقيت الروح ، شقي الجسد ، ولو زاد نصيبه من تلك الشهوات؛ لأن الجسد تابع للروح . ولذلك نجد الكثير من الكفار ، من عندهم ترف ، ورفاهية في هذه الحياة الدنيا ، ولكنهم لا يجدون السعادة، بل ربما يحملهم في بعض الأحيان ضيق الروح وتعاستها على الانتحار ، وما أجمل قول من قال :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
وكلما ارتقى المسلم في سلم الإيمان ، زادت راحته ، وأقبلت سعادته، وكلما أسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب جلب على نفسه الحزن والشقاء. فالمؤمن المطيع المنيب ، يحيا حياة طيبة ،ملؤها السرور والبهجة ،يقول الله تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. وما أجمل قول من قال :
فليتُكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ *** وليتكَ ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينكَ عامرٌ *** وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ
إذا صحَّ منكَ الودُ فالكلُ هينٌ *** وكلَ الذي فوقَ الترابِ ترابُ.
فما أحسن عيش المؤمن وما أطيبه! فهو يحيا في دنياه في جنة وارفة الظلال، نعم ، يعيش سعيدا بحاله ، راضيا وإن قل ماله ، أو قل طعامه وشرابه ومتاعه فهو يشعر براحة في قلبه ، وطمأنينة في نفسه ، وانشراح في صدره ، وهدوء في باله. وإذا تقربَ إلى الله بعبادة من العبادات ،أحس بلذتها، وتمنى لو بقي عليها ما بقي الدهر. قال أبو سليمان الداراني: أهل الليل في ليلهم ، ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا. فأهل الله ، ينسون آلام الجسد، وتعب الجسم، – وهم غارقون في لذة العبادة- فهذا عباد بن بشر رضي الله عنه ،قام بين يدي الله قائماً متهجداً ،فيرميه أحد الأعداء بسهم ،فيتصبب دمه وهو في لذة القيام ، يقول: لولا أن العدو يطلع من المسلمين على عورة لتابعت الصلاة!. والمؤمن إن ضاق عيشه وقُدِّر عليه رزقه يحمله إيمانه على القناعة والرضا بما قسم الله له؛ ولذلك يجد السعادة في الرضا ،المؤمن إن أصابته مصيبة ،أو نزلت به ملمة ،تلقاها بالرضا والصبر، لا بالجزع والسخط ؛ فيجد السعادة بذلك. المؤمن إن أصابته نعمةٌ شكرها ولم يتكبر بها، فيتنعم في ظلالها ويبارك الله له فيها، ويسعد بها ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». والمؤمن إذا دعا ربه ، أو ذكر الله ، أو تلا كتابه ، أو قام بين يديه قائما راكعا ساجدا ، وجد لذته وسعادته ، وانشرح صدره واطمأن قلبه ، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. وروى الإمام أحمد وابن حبان : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِى بِيَدِكَ مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى وَنُورَ صَدْرِى وَجَلاَءَ حُزْنِى وَذَهَابَ هَمِّى. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً ». قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ « بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا » ، ويقول أحد الصالحين : إنا لفي عيش رغيد ،لو يعلم الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه ،لجالدونا عليه بالسيوف!.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الله .. تحلو الحياة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإن المؤمن ليحيا في بحبوحة من العيش بإحسانه وبذله الخير بين الخلق، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) ، وإن الناظر إلى حياة أسلافنا الصالحين ، ليرى أنهم كانوا يعيشون في سعادة وطيب حياة، لا يكدرها الهم، ولا ينقصها الحزن، لأنهم عاشوا مؤمنين بالله وقضائه وقدره، واكتفوا من عيشهم بما قُسم الله لهم، وحيوا متحابين متآلفين، معتزين بهذا الدين، حاملين له ، ومبلغينه لغيرهم، ومدافعين عنه أعداءهم بالجهاد في سبيل الله تعالى ، فمع الله .. تحلو الحياة .. فمن أراد السعادة فليلزم طاعة الله، ولينبذ معصيته، وليفهم الإسلام فهماً شمولياً، وليكن على علم وبصيرة ودراية ، ويكون مؤمنا بقضاء الله وقدره ، وإرادته ومشيئته في خلقه ، وليغرس في قلبه حب الآخرين وإرادة الخير لهم. والسعيد ،من انتصر على نفسه ، فصارت نفسه رهن أمره، والشقي ،من تسلطت عليه نفسه ، فصار عبدا لها ، ورهنا لأمرها . وما أجمل قول من قال :
تحلو الحياة إذا القلـــــوب تفاءلت وتبسمت كالصبح للأطيـــــــــار
تحلو الحياة إذا تعطـــــر وجهها بالفأل في ليل الأســـــــــــى ونهار
والذكر في أرجـــــــــائها متمايل في وجنتيه عبائر الأســـــــــــحار
واهتز في جنباتها مســــــك الوفا ء وهمســـــــــــة الأبرار للأبرار
نعم ، نقولها بملء الفم : مع الله .. تحلو الحياة
الدعاء