خطبة عن قوله تعالى (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
يونيو 22, 2019خطبة عن قوله تعالى (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)
يونيو 22, 2019الخطبة الأولى ( إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجة في سننه وحسنه الألباني : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الشريف ، والذي يدعونا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن نكون مفاتح لكل خير ، ومغاليق لكل شر ، ففي هذا الحديث قسَّم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم النَّاس قسمين: مفاتيح للخير ، ومفاتيح للشرِّ، وينبغي للعبد المسلم أن يتعرف ويتعلَّم مفاتيحَ الخير ليعمل بها ،ومفاتيح الشَّرِّ ليتجنبها . أولا : مفاتيح الخير : فمن أهمِّ مفاتيح الخير تعليم العلوم النَّافعة وبثُّها في النَّاس، وكذا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر برفق وحكمة ولين، وسنُّ السُّنن وإحياؤها ، ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ )،وفيه أيضا : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ». وفيه أيضا : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) ،وفي الصحيحين : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لعليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ » ، ومسئولية أهل العلم وطلابه أكبر وأعظم من غيرهم في فتح أبواب الخير على النَّاس ،وعلى المجتمع، وبيان وجوه الخير وطرائقه، وتحذيرهم من وجوه الشَّرِّ وأبوابه، ودعوتهم إلى الهدى وتحذيرهم من طرق الغواية والرَّدى. فلذا كان دعاة الإصلاح وأئمَّة الهدى والفلاح وأنصار السُّنَّة وحملة العلم هم مفاتيح الخير، ببيانِهم وتعليمهم وإرشادهم، وإحياء السُّنن بين النَّاس، وقمع البدع وإماتتها، ففتح الله بهم قلوبًا غُلْفًا وآذَانًا صُمًّا وأعْيُنًا عُمْيًا، فهؤلاء أجرى الله تعالى على أيديهم فتح أبواب الخير بالعلم والإصلاح، فطوبى لهم بما ملَّكهم الله تعالى تلك المفاتيح ووضعها في أيديهم، فأحسنوا استعمالها ووُفِّقوا لحلِّ القلوب المقفلة والعقول المغلقة. وللإمام ابن القيِّم رحمه الله كلامٌ جميل في بيان مفاتيح الخير حيث قال: “وقد جعل الله سبحانه لكلِّ مطلوب مفتاحًا يفتح به؛ فجعل مفتاح الصَّلاة: الطُّهور، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ: الطُّهُورُ» رواه الترمذي وغيره ،ومفتاح الحجِّ: الإحرام، ومفتاح البِّرِّ: الصِّدق، ومفتاح الجنَّة: التَّوحيد، ومفتاح العلم: حُسن السُّؤال وحُسن الإصغاء، ومفتاح النَّصر والظَّفَر: الصَّبر، ومفتاح المزيد: الشُّكر، ومفتاح الوَلاية والمحبَّة: الذِّكر، ومفتاح الفلاح: التَّقوى، ومفتاح التَّوفيق: الرَّغبة والرَّهبة، ومفتاح الإجابة: الدُّعاء، ومفتاح الرَّغبة في الآخرة: الزُّهد في الدُّنيا، ومفتاح الإيمان: التَّفكُّر فيما دعا الله عباده إلى التَّفكُّر فيه، ومفتاح الدُّخول على الله: إسلامُ القلب وسلامته له والإخلاص له في الحبِّ والبغض والفعل والتَّرك، ومفتاح حياة القلب: تدبُّر القرآن والتَّضرُّع بالأسحار وترك الذُّنوب، ومفتاح حصول الرَّحمة: الإحسان في عبادة الخالق والسَّعي في نفع عبيده، ومفتاح الرِّزق: السَّعي مع الاستغفار والتَّقوى، ومفتاح العزِّ: طاعة الله ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة: قِصر الأمل، ومفتاح كلِّ خير: الرَّغبة في الله والدَّار الآخرة..»
أيها المسلمون
ويقابل مفاتيح الخير مفاتيح الشَّرِّ وما أكثرها وأكثر من هي في أيديهم ، وأعظم تلك المفاتيح الكفر والإعراض عن الله والصَّدُّ عن سبيله، ومحاربة السُّنَّة وإظهار البدع، وكذا منع المصلحين من الإصلاح والوقوف في وجه الدَّعوة والصدُّ عنها وتنفيرُ النَّاس من حقائقها، ونَبْزُ وتعييرُ القائمين عليها، كلُّ ذلك من أعظم مفاتيح الشَّرِّ. وتعتبر جميع المعاصي هي مفاتيح للشَّرِّ، فالخمر مفتاح كلِّ إثم، والكسل والخمول مفتاح الخيبة والحرمان، والكذب مفتاح النِّفاق، والحرص والشُّحُّ مفتاح البُخل وقطيعة الرَّحم، والإعراض عن السُّنَّة مفتاح البدعة، ومفتاح كلِّ شرٍ: حبُّ الدُّنيا وطول الأمل. وفي هذا الزَّمان كثرت أبواب ومفاتيح الشر، وذلك لأنهم خالفوا طريق الله ، واتبعوا سبل الشيطان ، وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ – ثُمَّ قَالَ – هَذِهِ سُبُلٌ – قَالَ يَزِيدُ – مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) [الأنعام:153]»
أيها المسلمون
واعلموا أن الخير كل الخير في مرضاة اللّه سبحانه وتعالى ، والشر في سخطه، فإذا رضي اللّه عن عبده فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحاً للخير، فإذا رؤي ذُكر الخير برؤيته، وإن حضر حضر الخير معه، وإن نطق نطق بخير، وعليه من اللّه سمات ظاهرة ،لأنه يتقلب في الخير، فهو يعمل الخير ،وينطق بالخير ،ويفكر في الخير ، ويضمر الخير ،وكون الإنسان مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر : فمعناه أن يحفظ نفسه ،ووقته ،وجهده ،ويفعل ما يستطيع لمنفعة الآخرين من المسلمين أيضاً، فزيادة على أنه مستقيم في ذاته ، فهو ينفع الله تعالى به المسلمين ومن حوله من الناس، وبهذا يعيش المسلم في مجتمعه ينبوعاً يفيض بالخير والرحمة، ويتدفق بالنفع والبركة، يفعل الخير ويدعو إليه؛ ويبذل المعروف ويدل عليه، فهو مفتاح للخير، ومغلاق للشر.
أيها المسلمون
ومن أراد أن يتحقق له ذلك، وأن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، فهناك أمور أساسية ، من جد واجتهد في القيام بها وفي تحقيقها، فإنه بإذن الله يكون من مفاتيح الخير مغاليقِ الشر. الأمر الأول: الإخلاص لله جلّ وعلا في الأقوال والأعمال، فالمخلصون صادقون في أقوالهم وأعمالهم، جادّون فيما يأتون ويتركون، سبيلهم إلى الخير ومآلهم إلى الصلاح والإصلاح، والله عز وجل لا يقبل من العمل إلا الخالصَ لوجهه جلّ وعلا، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ البينة 5. ومن نعمة الله سبحانه على عبده المخلص، أن يصرف عنه سبل الشر، وأن يهديه إلى سبيل الخير، وقد قال الله عزّ وجل عن نبيه يوسف عليه السلام: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ يوسف 24. الأمر الثاني: الدعاء والإلحاح على الله بالسؤال والطلب، بأن يجعلك من مفاتيح الخير، فالدعاء نفسه مفتاحُ الخير، والله جلّ وعلا لا يُخَيِّب عبدا دعاه، ولا يرد عبدا ناداه، ومن أسماءه العظيمة الفتّاح، فاسأل الله جلّ وعلا، توسل إليه بهذا الاسم وبأسمائه الحسنى وصفاته العلا، بأن يجعلك من مفاتيح الخير ومغاليق الشر. الأمر الثالث: الإقبال على عبادة الله جلّ وعلا ولاسيما الفرائض، وخاصة الصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإذا كان هذا شأن العبد محافظا على أوامر الله، مقبلا على طاعة الله مجدا مجتهدا في التقرب إلى الله، فإنه بأذن الله عزّ وجل يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر. الأمر الرابع: التحلي بمكارم ومحاسن الأخلاق، والبعد عن حقيرها ورديئها، فصاحب الخلق الكريم يَحجُزه خلقه عن الرذائل، ويُبعده عنها،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أراد أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر : فعليه بالآتي : الأمر الخامس: مجالسةُ الأخيار ومصاحبتُهم ومرافقتُهم، والبعدُ عن قرناء السوء ومخالطةِ الأشرار، لأن الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، والمرءُ إنما توزن أخلاقه وتُعرف شمائله بإخوانه وأصفيائه، الأمر السادس: النصيحة لعباد الله، فلا تحمل في قلبك تجاه أيّ مؤمن إلا النصيحة، وفي الصحيحين : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » فالنصيحة إذا وُجدت بين الناس عمّت بينهم الفضيلة، وانتشر بينهم الخير، ولا يكون الإنسان مفتاحا للخير مغلاقا للشر إلا إذا كان ناصحا لعباد الله. الأمر السابع: تذكّر يوم المعاد والوقوف بين يدي رب العباد، تذكر أنك ستقف يوما بين يدي الله جلّ وعلا، يحاسبك فيه على أعمالك، ويجازيك على ما قدمت في هذه الحياة، فالكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت.
أيها المسلمون
واعلموا أن الطَّريق الموصل إلى الله هو طريق واحد، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، ولا يصل إليه أحدٌ إلاَّ من هذا الطَّريق، ولو أتى النَّاس من كلِّ طريق واستفتحوا من كلِّ بابٍ فالطُّرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مُغْلَقة، إلاَّ من هذا الطَّريق الواحد؛ فإنَّه متَّصل بالله مُوصِل إلى الله. وأمَّا أبواب الضَّلال فهي مفتوحة والسُّبل إليها كثيرة، وعلى كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليها، يفرِّق بين عباد الله ويدعو إلى الشَّرِّ والابتداع، والكفر والنِّفاق. فينبغي على العبد أن يعتني أشدَّ الاعتناء بمعرفة مفاتيح الخير وما جعلت المفاتيح له، ويدعو إليها، ويرشد النَّاس ويفتح عليهم وجوه الخير وأعمال البرِّ، ويجتهد في أن يكون مغلاقًا للشُّرور والآفات، ويعلم ما كان منها مفتاحًا للشَّرِّ مغلاقًا للخير ويحذر كلَّ الحذر ويحذِّر غيره من تلك المفاتيح حتَّى ينال رضى الله فطوبى لمن كان كذلك، وويل لمن كان ضدَّ ذلك. فكونوا عباد الله مفاتيح الخير مغاليق الشَّرِّ تفلحوا وتسعدوا في الدُّنيا والآخرة، وتُسعدوا غيركم وتنالوا رضى ربِّكم.
الدعاء