خطبة عن حديث (رُؤْيَا الرَّسُولِ لعقوبات العُصاة في البرزخ)
يوليو 14, 2025الخطبة الأولى (مفاتيح القلوب المغلقة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران:159، وفي شعب الإيمان للبيهقي: (قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ (رضِيَ اللهُ عنه): (ثلاثٌ يُصَفِّينَ لكَ مِن وُدِّ أخيكَ: (أنْ تُسَلِّمَ عليه إذا لَقيتَ، وتُوسِّعَ له في المَجلِسِ، وتَدعُوَه بأحَبِّ أسمائِه إليه).
إخوة الإسلام
قلوب العباد كالخزائن المغلقة، فهي لا تُفتَح إلا بمفاتيحها، ولكن المفاتيح كثيرة، وأنواعها مختلفة، حسب أنواع القلوب التي يتعامل معها الإنسان، ونذكر اليوم بعضًا من هذه المفاتيح ؛لعلَّ كلَّ واحدٍ يستخدم منها مفتاحا، ينفع معه في فتح القلب المغلق الذي يتعامل معه، وحينها يفتح له الباب، ويُرحب به، ويُدخل بلا استئذان، بل وسيجعل له مكانًا في صميم القلب، يقول أحد المتخصصين: “كل نفس لها باب، وإليها طريق، لم يخلق الله نفسًا مغلقة لا باب لها: فهذا يدخل إليه من باب التعظيم، وهذا من باب العاطفة، وهذا من باب المنطق، وهذا من باب التهديد والتخويف، وهذا يزعجه التطويل ويحب الاختصار، وهذا يُؤثِرُ الشرح والبيان، ولا بد لك قبل أن تكلم أحدًا أن تعرف من أي باب من هذه الأبواب تدخل عليه”.
ومن أهم مفاتيح القلوب المغلقة: مفتاح الحب، ولكنه الحب بمفهومه الواسع، ولغاته المختلفة، فليس الحب كلماتٍ تُقال فقط – ولا أفعالًا فقط، ولا لمسات حانية فقط، ولا هدايا فقط، ولا خدمات ومساعدات فقط، ولا قضاء أوقات فقط، بل الحب اجتماع كل ذلك وأكثر، وبداية: فيجب عليك اعلان المحبة، فإذا أحببت أحداً، أو كانت له منزلة خاصة في نفسك، فأخبره بذلك؛ فإنه سهم يصيب القلب، ويأسر النفس، وفي مسند أحمد: (قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ فُلاَناً فِي اللَّهِ. قَالَ «فَأَخْبَرْتَهُ». قَالَ لاَ. قَالَ «فَأَخْبِرْهُ». فَقَالَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. قَالَ فَقَالَ لَهُ فَأَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ). وفيه أيضا: (أَنَّ أَبَا سَالِمٍ الْجَيْشَانِيَّ أَتَى أَبَا أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وَقَدْ أَحْبَبْتُكَ فَجِئْتُكَ فِي مَنْزِلِكَ)، وفي رواية مرسلة: [فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة]، فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرقِ للتأثير على القلوب، وتنتج مجتمعا ملؤه الحب والإخاء والائتلاف، بعيدا عن الفرقة والتناحر والاختلاف، ولذا أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشرها، ومن ذلك قوله (صلوات الله وسلامه عليه) كما في صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ».
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: الابتسامة: فهي أسرع سهم تملك به القلوب، وهي مع ذلك عبادة، وصدقة، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-)،
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: البدء بالسلام: فالسلام فضله عظيم عند الله، وفوائده للمسلم جمَّة وغفيرة، فالآيات والأحاديث في فضله والحث عليه كثيرة؛ ولكن نكتفي هنا بذكر ما نستشهد به على ما نتحدَّث عنه؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [النور:61]. فهو تحية مباركة طيبة، وماذا تتوقَّع لك، ولمن سلمت عليه، أن يحدث لكما إثر هذه التحية المباركة الطيبة؟، وعن البراء رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفشُوا السلامَ؛ تسلموا) [ابن حِبَّان]. وإفشاؤه سبب لبركة الله؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلِّم؛ يكن بركةً عليك وعلى أهل بيتك) [رواه الترمذي]. فالسلام مفتاح عظيم من مفاتح القلوب، وبه تُطفأ حرارة الغضب، وتزيد المحبة، ويرتفع الإيمان، والسلام يكون على الكبير والصغير، والحر والعبد، والأبيض والأسود، وعلى مَنْ عرَفتَ، ومَنْ لم تعرف، هو منهج سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. فكان عليه الصلاة يمرُّ على الصغار، فيُسلم عليهم ويُداعبهم، وربما أركبهم معه على راحلته ليُدخل السرور في قلوبهم، فكثيرٌ من الناس لا يعرف المعاني التي يغرسها السلام في قلوب الآخرين،
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: الهدية: فهي أدب حسن، وخلق جميل، فهذه الهدية هي التي تهدي القلب، وترشده إلى سبيل المودَّة والتآلف، والهدية تستخرج ما في الصدور من الوحر، والغيظ، والبغضاء، فتخلصه من ذلك، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ)، فالهدية عملية اجتماعية مهمة، وهي تفاعلية متبادلة بين أفراد المجتمع الواحد، والهدايا هي التي تصنع الأصدقاء، وكلما كان مع الهدية كلمات جميلة، فيها من التقدير والتعبير عن الحب والمودَّة، مع ابتسامة جميلة، صنعت الأعاجيب في قلب المهدَى إليه، وفتحت لك قلبه أضعافًا مضاعفةً، ولن يزول أثر هذه الهدية من قلبه، فالهدية مغناطيس القلوب، وممحاة غِلِّ الصدور، خاصة أن تكرَّرت مرات ومرات، فحافظ على هذا المفتاح العظيم، ومن الهدايا توزيع الحلوى، فقد قيل: بالحلوى تفتح القلوب: فهل جربت يومًا أن تضع في جيبك قطعا من الحلوى، وكلما مررت على قوم، أو دخلت مكان عملك، أو مسجدك، وبعد السلام والابتسامة اللطيفة تبذل له قطعة من الحلوى التي معك؛ لتبرهن أن له في القلب مكانةً وقدرًا، فتأكَّد تمامًا حينها أنك ستجد أثرًا بالغًا لتلك الحلوى الرخيصة، في قلب ذلك الشخص الذي غرست في قلبه بسببها حبًّا عميقًا تجاهك،
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: المحادثة والكلمة الطيبة: ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ)، فهل فكرت يومًا أن تُغيِّر من عادتك اللفظية؛ ليكون شعارك (الكلمة الطيبة صَدَقةٌ)، وهل خطر ببالك أختي الفاضلة أن تجلسي مع خادمتك يومًا من الأيام جلسة انفراد على أنها صديقة لك مقربة لا خادمة، لتسأليها عن ظروفها وظروف أسرتها المعيشية، وما هي المعاناة التي تُواجههم في حياتهم، وتشاركيها الدمعة والأحزان، وهل حاولت أخي أن تجلس مع أي عامل من عمَّالِكَ، لتسأله عن ظروفه، وتُمازحه وتُضاحكه، فكيف يكون شعوره تجاهك يا ترى؟، فعندما نُشاركهم ونُجالسهم، ونضحك معهم من قلوبنا، ونستشيرهم في بعض الأعمال الخاصة بنا، تنفتح لنا قلوبهم بالمودَّة والحب، وهو الذي نريده منهم، فالدين المعاملة كما أخبرنا بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: طول الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع: فإن الصمت هيبة ووقار، والكلام وقت الحاجة دون غيرها علامة كمال العقل، وإياك وارتفاع الصوت وكثرة الكلام في المجالس، وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة؛ وفي المعجم للطبراني: (عن أنس قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما قال بلى يا رسول الله قال عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفس محمد بيده ما عمل الخلائق عملا أحب إلى الله منهما)، وفي الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ كَانَ الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْكَ. فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ فَقَالَتْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ قَالَ «أَوَلَمْ تَسْمَعِي أَنِّي أَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَقُولُ وَعَلَيْكُمْ».
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: حسن الاستماع والإنصات وعدم مقاطعة المتحدث؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، وهذا من أدب الحوار، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس، وأعجبوا به، بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة،
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: حسن السمت والمظهر، وجمال الشكل واللباس، وطيب الرائحة ،وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ». ويقول عمر ابن الخطاب: (إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح)، وقال عبد الله ابن أحمد ابن حنبل: (إني ما رأيت أحداً أنظف ثوبا ولا أشد تعهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد بن حنبل).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مفاتيح القلوب المغلقة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: بذل المعروف، وقضاء الحوائج، وهو من أعظم السهام التي تملك بها القلوب، وله تأثير عجيب، وقد صوره الشاعر بقوله:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: بذل المال: فالمال مفتاح لكثير من القلوب، وخاصة في هذا الزمان، وفي الصحيحين: (عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا». فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا». ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ قَالَ «يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ»، وهذا صفوان بن أمية، طالت محاربته للنبي، وتأخر إسلامه إلى ما بعد فتح مكة، فلما غنم النبي غنائم حنين، جعل صفوان ينظر في الغنائم ويطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء. فجعل عليه الصلاة والسلام يرمقه، ثم قال له: يعجبك هذا يا أبا وهب؟ قال: نعم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك وما فيه. فقال صفوان عندها: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ. فَقَالَ أَنَسٌ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا).
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: إحسان الظن بالآخرين: قال بعضهم: فما وجدت طريق أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه، فأحسن الظن بمن حولك، وإياك وسوء الظن بهم، وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب،
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: المداراة: والمداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وقيل: هي لين الكلام، والتلطف والاعتذار والبشاشة، والثناء على الرجل بما هو فيه، لمصلحة شرعية. وربما يكون هذا مع الفساق، وأهل الفحش والبذاءة، والفرق بين المداراة والمداهنة، أن المداراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة وربما استحبت، وأما المداهنة: فهي ترك الدين لصلاح الدنيا).
ومن مفاتيح القلوب المغلقة: الزيارة: فهي دليل على محبَّتك للمزور، وسبب في حبِّه لك، ولو أخطأ أخوك في الله في حقك، وذهبت إليه ووزُرْتَه، وسلَّمت عليه، وتحدَّثت معه من غير عتابٍ، ولا خصام؛ فلن يحمل في قلبه عليك حقْدًا، أو يكن لك عداوة، فلا شكَّ أن أثر الزيارة هو العفو، والمسامحة، والحب، والود بينكما، فإياك أن تنسى هذا المفتاح العظيم. هذه بعض المفاتيح التي تُعين على فتح القلوب، وكسر الحواجز بين المتنافرين، وإلا، فإن غيرها كثيرٌ، ولكن هذه أهمها.
الدعاء