خطبة عن قوله تعالى(وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
يوليو 15, 2017خطبة عن ( مع الله تحلو الحياة )
يوليو 15, 2017الخطبة الأولى ( مفسدات القلوب وسمومها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (88) ،(89) الشعراء، وقال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) (125) التوبة ، وفي الصحيحين : (عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ …..أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ »، وروى الترمذي : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي ».
إخوة الإسلام
إن سلامة القلب وصلاحه، تكون سببا في سلامة وصلاح بقية الجسد ، فقد روى البخاري ومسلم النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : ( أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » والقلب السليم :هو القلب الخالي من الأمراض ، ولم يصب بالسموم والمفسدات ، والقلب السليم: هو القلب الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد، والشح الكبر وحب الدنيا والرياسة ، والقلب السليم :هو الذي سلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تعارض أمر الله، وسلم من كل إرادة تزاحم مراد الله، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله. وهذا القلب قد تصيبه الأمراض ، وتحيطه السموم ، فيصبح قلبا فاسدا مريضا معطوبا ، وعندها يفسد الجسد كله ، واليوم إن شاء الله حديثنا عن (المفسدات والسموم التي تصيب القلب وتفسده) ، ونتناولها كي نتجنبها ونحظرها ونبتعد عنها ، ولتظل قلوبنا سليمة قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وأما مفسدات القلب الخمسة فهي : ( كثرة الخلطة ، والتمني ، والتعلق بغير الله ، والشبع ، والمنام ) . وقال آخرون : سموم القلب خمسة : فضول الطعام، وفضول الكلام، وفضول النوم، وفضول النظر، وفضول الاختلاط بالناس ، فمن ترك نفسه لواحدة من هذه رمى بقلبه في لجة اليمّ، والبحر الخضم ، فكيف بمن اجتمعت تلك السموم في قلبه؟!….وحاصرت تلك الأوبئة فؤاده ؟!
أيها المسلم
استعن بالله ولا تعجز في اصلاح قلبك والمحافظة على سلامته، ولكن السرعة السرعة، فالقلب أشد الأعضاء حساسية وتأثّرا، وربك لا ينظر إلى صورتك ولا جسمك، وإنما ينظر إلى قلبك ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ » . وفي روية لمسلم : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ. فهيا بنا نتناول مفسدات القلب وسمومه بشيء من التوضيح والتفصيل : فأول هذه السموم والمفسدات : فضول الطعام : ففي مسند أحمد عن (الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ وَثُلُثُ شَرَابٍ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ». فمن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا ، ومن كلام الإمام علي رضي الله عنه أنه قال : كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع ، وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه . وقال عمرو بن العاص : فو الله ، ما بطن قوم قط إلا فقدوا بعض عقولهم ، وما مضت عزيمة رجل بات بطيناً . وقال بعض الحكماء : لكل شيء صدأ ، وصدأ القلوب شبع البطون . ويحكى أن إبليس لعنه الله عرض ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فقال له يحيى : هل نلت مني شيئا قط ، قال : لا إلا أنه قدم إليك الطعام ليلة فشهيته إليك حتى شبعت منه فنمت عن وردك فقال يحيى : الله علي أن لا أشبع من طعام أبدا ،فقال إبليس : وأنا لله علي أن لا أنصح آدمي أبدا) ،وجاء عن سيدنا عيسى بن مريم (عليه السلام) أنه قام خطيباً فقال: ( يا بني إسرائيل، لا تأكلوا حتى تجوعوا، وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا فإنكم إذا شبعتم غلظت رقابكم وسمنت جنوبكم، ونسيتم ربكم ) ، وقال أبو سليمان الداراني: (إنَّ النفس إذا جاعت وعطشت، صفا القلب ورقَّ، وإذا شبعت ورويت، عمي القلبُ)
أيها المسلمون
ومن مفسدات القلوب وسمومها : فضول الكلام : فقد أمد الله الانسان بلسان يترجم به عما حواه قلبه وعقله، فاللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير جرمُهُ عظيم طاعته وجُرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان، ومن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هارٍ إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، وفي سنن الترمذي بسند صحيح عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » ، والمراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرم وعقوباته فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، وقد وردت الأخبار الكثيرة في لتحذير من آفات اللسان وبيان خطره. فمن ذلك قوله تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18) . وفي سنن الترمذي بسند حسن صحيح : (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ. قَالَ « قُلْ رَبِّىَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَىَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذَا ». وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا ، أَوْ لِيَصْمُتْ .. ) ، فالكلام إما أن يكون خيراً فيكون العبد مأمورا بقوله، وإما أن يكون غير ذلك فيكون مأموراً بالصمت عنه . وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ » ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : “والله الذى لا إله إلا هو ليس شيء أحوج إلى طول سجن من لساني ” . وكان يقول: “يا لسان قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم ” . وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال : ” أنصف أذنيك من فيك وإنما جعل لك أذنان وفم واحدٌ لتسمع أكثر مما تتكلم ” . وعن الحسن البصرى : قال : كانوا يقولون : إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه، وإن لسان المنافق أمام قلبه، فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه . وفي مسند أحمد : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلاَ يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ». وفي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِى »
أيها المسلمون
ومن مفسدات القلوب وسمومها : فضول النوم : يقول الله تعالى في وصف عباد المتقين { كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } الذاريات (17) ، فقد كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقلَّه ، وكان نومه صلى الله عليه وسلم- أعدلَ النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، يقول وهب بن منبه ” ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوَّام” ، فينبغي على المسلم ألا ينام حتى يغلبه النوم ، فقد كان السلف لا ينامون إلا غلبة ” فالنوم كالملح لا بد من قليل منه في الطعام لكن زيادته مضرة، وتجعل طعم الحياة غيرَ مستساغ، وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد، وبلادة الطبع وقساوة القلب. ومما يعين على قلة النوم: معرفة قيمة الوقت، لو أن ساعة من النوم حذفتها من ساعات نومك اليومية، لأضفت لنفسك عمرًا آخر لو كنت تعلم، لتجد الفارق مبهجًا يوم القيامة. قلة الأكل؛ فمن أكل كثيرًا نام كثيرًا، فخسر كثيرًا. أن تعلم بأن الجسم يستطيع أن يتكيف مع أي عدد من ساعات نومه، ولن يشبع أحد من كثرة النوم. وفي كثرة النوم ضياع العمر، وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب، والعمر أنفس الجواهر وهو رأس مال العبد فيه يتجر، وكانت امرأة حبيب – الفارسي – توقظه بالليل وتقول: قم يا أبا حبيب ، فإن الطريق بعيد ، وزادنا قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت من بين أيدينا ، ونحن قد بقينا “. ويقول ابن القيم : كثرة النوم يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ويورث كثرة الغفلة والكسل
أيها المسلمون
ومن مفسدات القلوب وسمومها : فضول النظر : وفضول النظر هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين ، والنظر إلى ما لا يحل له ، وهو على العكس من غض البصر، وقد أمر الله عز جل به فقال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (النور: 30، 31). وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ». وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى). (رواه مسلم ) .وفي صحيح البخاري (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِى الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ قَالَ اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مفسدات القلوب وسمومها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولفضول النظر آفات ، ولتركه ثمرات طيبات ، فمن آفات فضول النظر : الآفة الأولى : فضول النظر معصية ومخالفة لأمر الله عز وجل وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد إلا بامتثال أوامره ، وما شقى من شقى إلا بتضييع أوامره .الآفة الثانية : أنه يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر منه فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه ، وغض البصر يورث القلب أنسا بالله عز وجل وجمعيه عليه . الآفة الثالثة : أنه يضعف القلب ويحزنه وغض البصر يقوي القلب ويفرحه . الآفة الرابعة : أنه يكسب القلب ظلمة وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان ، وغض البصر لله عز وجل يكسب القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، الآفة الخامسة : فضول النظر يقسي القلب ويسد على العبد باب العلم ، وغض البصر يفتح للعبد باب العلم ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق الأشياء .الآفة السادسة : أنه يسمح بدخول الشيطان إلى القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب ،ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أنه جعل لهم في البرزخ تنورا من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ، وغض البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب . الآفة السابعة : إن إطلاق البصر يوقع العبد في الغفلة اتباع الهوى ، قال الله تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف: 28). وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه، وغضه لله عز وجل يفرغ القلب للتفكير في مصالحه والاشتغال بها . الآفة الثامنة : إن النظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته ، الآفة التاسعة : فضول النظر وإطلاق البصر يورث الحسرات والزفرات والحرقات ،الآفة العاشرة : أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها ، الآفة الحادية عشرة : إطلاق البصر يذهب نور البصيرة والجزاء من جنس العمل ، وغض البصر يسبب إطلاق نور البصيرة ويورث العبد الفراسة ، الآفة الثانية عشرة : فضول النظر يوقع القلب في ذل اتباع وضعف القلب، ومهانة النفس وحقارتها ، قال تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (فاطر: 10). أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ، فمن أطاع الله فقد والاه، وله من العزة بحسب طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته . الآفة الثالثة عشرة : فضول النظر يوقع القلب في أسر الشهوة ، ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار ، الآفة الرابعة عشرة : فضول النظر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق ، ولذلك كان السلف رضي الله عنهم يتحاشون ويحتاطون من فضول النظر، وهو النظر الزائد عما لا يحل لهم. قال صلى الله عليه وسلم لعلي: “يا علي، لا تتبع النظرةَ النظرةَ، فإن لك الأولى وليست لك الثانية“؛ رواه أبو داود ، وقال أطباء القلوب: بين العين والقلب منفذ وطريق، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، فلا يصلح لسكن معرفة الله ومحبته، والإنابة إليه، والأنس به، والسرور بقربه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك.
أيها المسلمون
ومن مفسدات القلوب وسمومها : فضول الاختلاط : ويقول ابن القيم في ذلك كلاماً رائعاً نسوقه بتصرف: “إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهى في القلب لا تزول”. وقسم -رحمه الله- الناس إلى أربعة أقسام: 1- من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه تركه، وإذا احتاج إليه خالطه (العلماء). 2- من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض، فما دمت صحيحاً فلا حاجة لك في خلطته، (أصحاب المهن). 3- من مخالطته كالداء وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا. 4- من مخالطته الهلاك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم وهم أهل البدع والضلالات. وقال المناوي: (مخالطة غير التقي، يخل بالدين، ويوقع في الشبه والمحظورات،.. إذ لا تخلو عن فساد، إمَّا بمتابعة في فعل، أو مسامحة في إغضاء عن منكر، فإن سلم من ذلك- ولا يكاد – فلا تخطئه فتنة الغير به) . ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ،والضابط النافع في أمر الخلطة : أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة ، والأعياد والحج وتعلم العلم والجهاد والنصيحة ، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات . هذه هي بعض مفسدات القلوب وسمومها ، ألا فاحذروها
الدعاء