خطبة حول قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
سبتمبر 17, 2019خطبة عن القرض الحسن وقوله تعالى (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ)
سبتمبر 21, 2019الخطبة الأولى ( من آداب المجلس) : ( مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي بسند حسن صحيح ، وصححه الألباني : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي ،والذي يرغبنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدب من آداب المجالس ، ألا وهو أدب كفارة المجلس ، فكثيرًا ما ترتكب ألسنتُنا المعاصيَ في مجالسنا! فهذه غيبة، وهذه نميمة، وقد يكون هناك فحش في القول، أو سخرية واستهزاء، أو رجم بالغيب، وقد نكذب ولو مازحين، أو نغضب فنخرج عن شعورنا بما لا يليق، وهكذا! فإن ألسنتنا توردنا المهالك فماذا نفعل حيال هذه المشكلة الكبرى؟ ،وبداية : إن أسلم الطرق لا شك ،أن نحترس من كل آفات اللسان، فلا نتكلم إلا بما يُرْضِي الله، ومع ذلك ،فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن نفوسنا ضعيفة، وأننا سنقع بلا شك في معاصي اللسان مهما اجتهدنا.. لذلك ،جعل لنا صلى الله عليه وسلم هذه السُّنَّة النبوية الجميلة ،التي تمسح ذنوبنا أولاً بأول، وهي سُنَّة كفارة المجلس! فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ»، قال القاري رحمه الله في “مرقاة المفاتيح” :” أَيْ: مَا جَلَسَ شَخْصٌ مَجْلِسًا (فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ) أَيْ: تَكَلَّمَ بِمَا فِيهِ إِثْمٌ ، وَقِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: اللَّغَطُ : الْمُرَادُ بِهِ الْهُزْءُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ (فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ) أَيْ: أُسَبِّحُ وَأَحْمَدُ، أَوْ أُسَبِّحُ حَامِدًا لَكَ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) إِقْرَارٌ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْأُلُوهِيَّةِ (أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) اعْتِرَافٌ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْعُبُودِيَّةِ (إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ) أَيْ: مِنَ اللَّغَطِ (فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ) ” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” وَهَذَا الذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ” وقال ابن رجب رحمه الله في ” فتح الباري ” :” كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يختم مجالسه بكفارة المجلس ، وأمر أن تختم المجالس به، وأخبر أنه إن كان المجلس لغوا كانت كفارة له ) ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “شرح رياض الصالحين” :” من آداب المجالس: أن الإنسان إذا جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فإنه يكفره (هذا الدعاء) ،وقلما يجلس الإنسان مجلسا إلا ويحصل له فيه شيء من اللغط أو من اللغو أو من ضياع الوقت ، فيحسن أن يقول ذلك كلما قام من مجلسه ؛ حتى يكون كفارة للمجلس ” .
أيها المسلمون
من أسباب الحسرة والندامة يوم القيامة ، أن يجلس العبد مجلساً ثم يقوم، ولم يذكر الله تعالى فيه، ولو لم يكن فيه شيء من الكلام الحرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً -أي حسرةً ونقصانًا-، وَمَا مَشَى أَحَدٌ مَمْشًى لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا أَوَى أَحَدٌ إِلَى فِرَاشِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً) رواه ابن حبان بإسناد صحيح، وعند أبي داود بلفظ: (مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً). فكيف إذا كان المجلس فيه خوضٌ في الباطل ،أو وقوعٌ في الغيبة أو النميمة أو البهتان؟ وقد يكون فيه فحشٌ في القول أو سخرية واستهزاء، أو رجم بالغيب، وقد نكذب ولو مازحين، أو نغضب فنخرج عن شعورنا بما لا يليق من القول أو الفعل، وهكذا ،ولا شك أن أسلم الطرق أن نحترس من جميع آفات اللسان، فلا نتكلم إلا بما يُرْضِي الله عز وجل، ومع ذلك فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يعلم أن نفوسنا ضعيفة، وأننا قد نقع في معاصي اللسان مهما اجتهدنا؛ لذلك شرع لنا سُّنَّة نبوية عظيمة، كان يلتزم بها، وحثّنا عليها حتى تُكفّر ذنوبنا أولاً بأول، وقد روى النسائي في “السنن الكبرى ،وصححه الألباني في “الصحيحة” ” عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ” مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قَطُّ ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً ، إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا ، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: ( نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً : سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )
أيها المسلمون
وتتمة للفائدة ، وارشادا للأمة ، وبلاغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تعالوا بنا نتعرف على بعض آداب المجالس التي ذكرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن آداب المجالس ألا يفرق بين الجالسين ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا » ، والمعنى :أنك إذا وجدت شخصين جلس أحدهما إلى جنب الآخر فلا تفرق بينهما إلا إذا أذنا لك في هذا إما إذنا باللسان يعني إذا قال أحدهما تعال اجلس هنا أو بالفعل بأن يتفرق بعضهما عن بعض إشارة إلى أنك تجلس بينهما وإلا فلا تفرق بينهما لأن هذا من سوء الأدب ،ومن الآداب أيضا أن يجلس الإنسان حيث انتهى به المجلس ، ففي سنن البيهقي : (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَلَسْنَا حَيْثُ نَنَتَهِى ) . فلا يجوز للإنسان أن يجلس وسط الحلقة فيكون في ذلك عدوان عليهم وعلى حقوقهم إلا إذا أذنوا لك بأن وقفت مثلا وكان المكان ضيقا وقالوا تفضل اجلس هنا فلا حرج ، والشاهد على ذلك ما رواه الترمذي بسند صحيح وغيره أيضا : (عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- – مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من آداب المجلس) : ( مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما ينبغي في المجالس أيضًا: أن تكون واسعة فإن سعة المجالس من خير المجالس كما في مسند أحمد : (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ قَالَ كَانَتْ جَنَازَةٌ فِي الْحِجْرِ فَجَاءَ أَبُو سَعِيدٍ فَوَسَّعُوا لَهُ فَأَبَى أَنْ يَتَقَدَّمَ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا » ، فخير المجالس أوسعها لأنها إذا كانت واسعة حملت أناسا كثيرين وصار فيها انشراح وسعة صدر وهذا على حسب الحال فقد يكون بعض الناس حجر بيته ضيقة لكن إذا أمكنت السعة فهو أحسن لأنه يحمل أناسا كثيرين ولأنه أشرح للصدر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يختم مجلسه بدعاء يَذْكُر فيه اللهَ عز وجل، ويُذَكِّر الحضورَ به سبحانه وتعالى، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا, وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا, وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا, وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا) رواه الترمذي وصححه الألباني.
أيها المسلمون
فيستحب للمسلم أن يختم مجلسه بهذا الذكر ، أي مجلس كان ، فإن كان مجلس قرآن ، أو صلى صلاة ، أو جلس مع أصحابه ، أو جلس مع أهل بيته ، أو جلس مجلس صلح ، أو غير ذلك ، ثم أراد أن يقوم ، قال هذا الذكر قبل أن يقوم مباشرة ، ثم قام . إلا أنه لا بد أن يحترز من مجالس الغيبة والنميمة وقالة السوء في الناس ، فإن هذه المظالم ، لا يكفي لها مجرد النطق بهذا الذكر ، بل يجب التحلل من أصحابها . وعلى المسلم أيضا ألا يخوض في مجالسه بالباطل ، ركونا إلى هذا الحديث ، فيظن أنه مهما قال من سوء ثم ختم مجلسه بهذا الذكر أنه يغفر له ، فهذا من سوء الفهم عن الله ورسوله .
الدعاء