خطبة عن ( تربية البنات)
فبراير 6, 2017خطبة عن(الخوف من الله) (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
فبراير 7, 2017الخطبة الأولى : من أحكام الشريعة ( جلب المصالح … ودرء المفاسد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الأعراف 157 ، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]. قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]. وروى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ »
إخوة الإسلام
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء 107، ولو كان في هذه الشريعة شيء خلاف المصلحة الحقيقية ،لم يصح وصفها بأنها رحمة للعالمين، وبين الله تعالى صفة رسوله عليه الصلاة والسلام والغاية من بعثته فقال وقوله الحق : {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الأعراف 157 ، فهو صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف الذي أمر الله به ،وتعرفه وتقره العقول والفطر السليمة، ولا ينهى إلا عن المنكر الذي نهى الله عنه ،وتنكره وتأباه العقول والفطر السليمة، ولا يحل إلا ما أحله الله من الطيبات النافعات، ولا يحرم إلا ما حرمه الله من الخبائث المضرات، ودينه هو دين الحنيفية السمحة ، ومبناه على التيسير ورفع الحرج. وقد أجمع العلماء على أن أحكام الشريعة الإسلامية مشتملة على مصالح العباد، ومحققة لها، ووافية بها، سواء أكانت ضرورية أم حاجية أم تحسينية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): “ولا يمكن للمؤمن أن يدفع عن إيمانه أن الشريعة جاءت بما هو الحق والصدق في المعتقدات، وجاءت بما هو النافع والمصلحة في الأعمال التي تدخل فيها الاعتقادات”. وما ذكره شيخ الإسلام هو معنى قوله تعالى عن القرآن العظيم: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} الأنعام 115، أي: صدقاً وحقاً في جميع أخباره، وعدلاً وصلاحاً في جميع أحكامه وتشريعاته . وللإمام ابن القيم في (مفتاح دار السعادة ) حيث يقول : “وإذا تأملت شرائع دينه التي وضعها بين عباده وجدتها لا تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت قدم أهمها وأجلها وإن فات أدناها، وتعطيل المفاسد الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت عطل أعظمها فساداً باحتمال أدناها.
وعلى هذا وضع أحكم الحاكمين شرائع دينه دالةً عليه، شاهدةً له بكمال علمه وحكمته ولطفه بعباده وإحسانه إليهم. …
وإذا تأملت الشريعة التي بعث الله بها رسوله حق التأمل وجدتها من أولها إلى آخرها شاهدة بذلك ناطقة به، ووجدت الحكمة والمصلحة والعدل والرحمة بادياً على صفحاتها، منادياً عليها، يدعو العقول والألباب إليها” فالشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وما من حكم شرعه الله إلا وهو جالب لمصلحة أو دارئ لمفسدة، أو جالب ودارئ في آن واحد.
أيها المسلمون
والمصلحة ضد المفسدة، والمراد بالمصلحة ـ كما قال أهل الأصول ـ: هي المنفعة أو وسيلتها التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم. وقريب من هذا قول ابن القيم في “مفتاح دار السعادة
“المصلحة: هي اللذة والنعيم وما يفضي إليه. والمفسدة: هي العذاب والألم وما يفضي إليه”. وإذا علمنا هذه الحقيقة الجليلة، وأن الشريعة كلها مبناها على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، في كل أحكامها وتشريعاتها، وأوامرها ومنهياتها، فليس معنى ذلك أن المصلحة المعتبرة التي يبنى عليها الأمر والنهي، والتحليل والتحريم هي ما نراه بمفهومنا القاصرة، وعقولنا المحدودة المشوبة بشوائب الهوى والشهوة، والمتأثرة بمؤثرات الواقع المعاش والبيئة المحيطة، فكثير من الناس ـ وبخاصة في زماننا اليوم مع الانفتاح الإعلامي الكبير وتنوع وسائل الاتصال والتواصل ـ أخذ يتجرأ على جناب الشريعة، ويتصدى للتحليل والتحريم، محتجاً بهذه الحقيقة وهي أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح الخلق، فيقرر الأحكام بناء على ما يراه بعقله القاصر، وتهواه نفسه الأمارة بالسوء، ويزعم أن هذا هو ما تقتضيه المصلحة ، وأنه هو حكم الله، دون أن ينظر في الأدلة الشرعية، ويتعرف من خلالها وكلام العلماء المعتبرين حولها على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه، وأخطر من هذا أن فئاماً من المتعالمين في زماننا اليوم، ممن جمعوا بين قلة الفقه ورقة الدين، واتباع الهوى، والإعجاب بالنفس، أخذوا يخوضون في أحكام الشريعة، ويفتون في كبار المسائل بلا حجة ولا دليل، ولا بينة ولا برهان، وإنما دليلهم هو المصالح المرسلة، التي تقررها عقولهم القاصرة، وتدعو لها أهواؤهم الضالة وإراداتهم الفاسدة، ولذلك نراهم أباحوا كثيراً من المحرمات، وأنكروا كثيراً من المشروعات، لأنها بزعمهم خلاف المصلحة التي هي مقصود الشارع، بل وصل الحال ببعضهم إلى أن يتبنى ـ عن حسن نية أو سوء نية ـ أحد هذين المنهجين الخطيرين، وكلاهما كفيل بهدم الدين والتشكيك في أحكامه القطعية، وثوابته الشرعية، وهما: المنهج الأول: الزعم بأن علماء الشريعة معنيون بأحكام العبادات والأحوال الشخصية ونحوها، ولا شأن لهم بقضايا السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية والمسائل الطبية والهندسية وعلوم الفضاء وعلوم الأرض وعلوم البحار، والعلوم المدنية والعسكرية، فلا ناقة لهم فيها ولا جمل، وليس لنا أن نستفتيهم عن الحلال والحرام فيها، لأنهم ليسوا من أهلها، والمختصون فيها أعلم بوجوه المصالح والمفاسد فيها من علماء الشريعة البعيدين عنها… وفي هذا الكلام خلط عجيب، وتلبيس شديد، وجهل فاضح، لأن معرفة هؤلاء المختصين بالطب أو الهندسة أو الصناعة أو السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو نحوها لا يعني أنهم يعرفون أحكامها وضوابطها الشرعية، وما يحل فعله منها وما يحرم، وإن كانوا هم المرجع المعتمد في تكييف هذه المسائل وتصويرها وشرح حقائقها وبيان ملابساتها لعلماء الشريعة، لكن معرفة هؤلاء المتخصصين بهذه العلوم وممارستهم لها لا تعني معرفتهم بحكم الشارع فيها، فالأحكام الشرعية وقضايا الحلال والحرام في جميع مجالات الحياة وشتى مرافقها مرجعها إلى علماء الشريعة والمتخصصين فيها. فالمراد بالمصالح والمفاسد: ما كانت كذلك في نظر الشرع، لا ما كان ملائماً أو منافراً للطبع. وهذا هو الذي أكده الغزالي في تعريفه للمصلحة، حيث قال: “أما المصلحة، فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة، أو دفع مضرة، ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع”. إذاً فمعيار المصلحة والمفسدة هو الشرع، فما شهد له الشرع بالصلاح فهو المصلحة، وما شهد له الشرع بالفساد فهو المفسدة، والخروج عن هذا المعيار معناه اتباع الهوى، والهوى باطل لا يصلح لتمييز الصلاح من الفساد، قال الله – تعالى – {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. فليس ثمّ إلا الحق أو الهوى، والحق هو ما جاء به الشرع الحنيف، وما عداه فهو الهوى، فالمصلحة الشرعية ليست هي الهوى أو تحقيق الأغراض الشخصية، والطموحات المادية ، ذلك أن أهواء الناس متباينة، ورغباتهم مختلفة، وطموحاتهم متفاوتة، والإنسان بدافع من هواه وشهوته يسعى إلى تحصيل كل مستلذ ملائم، ودفع كل شاق منافر، وإن كان في ضمن ذلك ضرر قد يلحق به أو بغيره من الناس، أو به وبهم حالاً أو مآلاً. يقول الشاطبي في “الموافقات “: “إن المصالح التي تقوم بها أحوال العبد، لا يعرفها حق معرفتها إلا خالقها وواضعها، وليس للعبد بها علم إلا من بعض الوجوه، والذي يخفى عليه منها أكثر من الذي يبدو له، فإذا كان كذلك، فالرجوع إلى الوجه الذي وضعه الشارع، رجوع إلى وجه حصول المصلحة على الكمال، بخلاف الرجوع إلى ما خالفه” فإن اللذة العارضة قد تعقب آلاماً ومفاسد كبيرة حالاً ومآلاً، وذلك كشرب المسكرات وتعاطي المخدرات، وارتكاب الفواحش والمنكرات. وإن القعود والراحة قد يعقبان ذلة ومهانة، وخساراً كبيراً وتعباً طويلاً. وذلك كترك الجهاد في سبيل الله، طلباً للراحة، وإخلاداً إلى الأرض. وإنّ كسب المال مصلحة لكاسبه، ولكن كسبه بالطرق المحرمة، كطريق الربا أو الرشوة أو أكل مال اليتيم أو غيرها من أنواع أكل أموال الناس بالباطل، فيه ظلم للغير وإضرار بهم، مع ما فيه من محق البركة وإتلاف النفس والمال. وعلى العكس من ذلك، نجد أن بعض وسائل المصالح مؤلمة وشاقة، ولكن عواقبها حميدة، ونتائجها حسنة، وذلك كآلام العلاج والمداواة، وكألم الجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعداء الله، قال الله – عز وجل – {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال تعالى {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]. ومن ذلك العقوبات الشرعية، فإنها مؤلمة لمن أقيمت عليهم، ولكنها تعود بالخير العميم على المعاقب نفسه، وعلى المجتمع بأسره. إذاً فالمصلحة الشرعية هي المحافظة على مقاصد الشارع ولو خالفت مقاصد الناس، لأن مقاصد الناس – والحالة هذه – ليست مصالح حقيقية، بل أهواء وشهوات وآراء فاسدة ألبستها العادات والأعراف ثوب المصالح.
أيها المسلمون
ولو استعرضنا التاريخ الماضي والواقع المعاصر، لوجدنا لذلك أمثلة كثيرة ومتنوعة، أذكر لكم منها :
1ـ كان أهل الفترة يرون أن المصلحة في وأد البنات، وحرمان الإناث من الميراث، وقتل غير القاتل، وما كانوا يعتقدون أن في شرب الخمر ولعب الميسر، ونسبة الولد إلى غير أبيه، ونكاح زوجة الأب، ونكاح الاستبضاع، وغيرهما من أنكحة الجاهلية الفاسدة مفسدة ، وهي كلها – في نظر الشارع – مفاسد، وحكم الإسلام فيها معروف.
أخرج البخاري في صحيحه (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا ، وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ . وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا ، وَلاَ يَمَسُّهَا أَبَدًا ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِى تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاِسْتِبْضَاعِ ، وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا . فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالِيَ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِى كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ ، وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ . تُسَمِّى مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا ، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ . وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ ، وَدُعِيَ ابْنَهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ ، إِلاَّ نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ ).
2- القانون الروماني، وهو في أوج عظمته، كان يجيز للدائن أن يسترقّ مدينه في الدين، إن هو عجز عن الوفاء.
وإذا كان هناك أكثر من دائن، ولم يوجد من يرغب في شراء المدين، فإن القانون أعطى للدائنين حق اقتسام جثة المدين. وما كان أحد في روما يرى أن في هذا الحكم مفسدة، حتى جاء الإسلام بذلك المبدأ العادل: قال تعالى :{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]. 3- القانون الإنجليزي ظل قرابة عشرة قرون، يرى أن المصلحة في حرمان النساء من الميراث، واستقلال الابن الأكبر بالتركة، وأن الميراث كحجر، إذا ألقي ينزل إلى أسفل، ولا يصعد إلى أعلى، ومن ثم فما كانوا يتصورون أن الأصول يأخذون نصيباً من الميراث. واستمر الحال على هذا حتى سنة 1925م تقريبا، حيث قرروا تشريك الإناث في الميراث، وتوريث الابن الأصغر، وتوريث أصول الميت، فرأوا أن المصلحة هي فيما جاءت به الشريعة الإسلامية. 4- القانون الأمريكي، ما يزال يرى أن المصلحة في إطلاق حرية الموصي، ولو أدى ذلك إلى أن يوصي الشخص بكل ثروته إلى خليلته، أو حتى كلبه أو حصانه، أو قطته، تاركاً ورثته دون أدنى نصيب من تركته. أما الشريعة الإسلامية فإنها قيدت حرية الموصي بما يكفل مصلحته ومصلحة الورثة على حد سواء، فأذنت له بالوصية فيما دون الثلث لغير وارث، وهو أمر مقرر في محله من كتب الفقه. 5- ومنها ما تفعله بعض قبائل “الأسكيمو” من تقديم الأزواج زوجاتهم إلى ضيوفهم، ليضاجعوهن. ويعدّون هذا من قبيل كرم الضيافة. كما أن بعض القبائل الأفريقية درجت على إباحة مضاجعة إخوة الزوج لزوجته، طبقاً لطقوس خاصة. 6- وآخر مثل أذكره لإلباس الأهواء والشهوات ثوب المصالح، ذلك القانون الفاسد الذي أقره مجلس العموم البريطاني، ومجلس الكنائس الإنجليزية، باعتبار الشذوذ الجنسي عملاً مشروعاً بين البالغين، إذا كان برضاهم.فأي مصلحة في جعل هذه الفاحشة النكراء، وهذا الشذوذ المصادم للفطرة، عملاً مشروعاً، يجد قانوناً يقره، وسلطة تحميه؟! ولكنه التقدير الإنساني القاصر للمصلحة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : من أحكام الشريعة ( جلب المصالح … ودرء المفاسد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ذكر ابن تيمية – رحمه الله – في (مجموع الفتاوى) : (أن الشريعة لا يمكن أن تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وتركنا النبي – صلى الله عليه وسلم – على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك. ثم قال – رحمه الله -: “لكن ما اعتقده العقل مصلحة، إن كان الشرع لم يرد به، فأحد الأمرين لازم له،
إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر، أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة، لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة، وكثيراً ما يتوهم الناس، أن الشيء ينفع في الدين والدنيا، ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة، كما قال تعالى – في الخمر والميسر: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219]. وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام، وأهل التصوف، وأهل الرأي، وأهل الملك، حسبوه منفعة أو مصلحة نافعاً وحقاً وصواباً، ولم يكن كذلك. بل والكثير من الخارجين عن الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس، يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا، ومنفعة لهم، قال تعالى : {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، وقال تعالى :{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …} فاطر 8. ومن هنا ندرك أن الإنسان – مهما أوتي من العلم، ومهما بلغ من العقل والفهم – فإنه عاجز بطبيعته عن الإحاطة بالمصالح الحقيقية، وكيفية الوصول إليها في الدنيا والآخرة، وهو إن أدرك بعضها، فإنه عاجز عن إدراك جميعها، وما أدرك منها فإنه لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها، قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].
أيها المسلمون
إن اعتماد بعض الناس في فهم المصالح والمفاسد على خبراتهم العادية وموازينهم العقلية، هو الذي جعلهم يتصورون أن التعامل بالربا ضرورة لا بد منها لتنشيط الحركة التجارية، والنهوض بها. وهو الذي صور لهم أن الجمع بين الرجال والنساء في دور التعليم وشتى مرافق الحياة مصلحة اجتماعية، حيث يهذب الخلق، ويحد من شرّة الميل الجنسي، ويمنع من التعدي والاغتصاب ـ كما زعموا ـ! وهو الذي صور لهم أن العقوبات الشرعية، كعقوبة القصاص، وقطع السراق، ورجم الزناة، وجلد السكارى، غير ملائمة لهذا العصر، لما تنطوي عليه من قسوة وبشاعة، أو تعطيل لبعض طاقات المجتمع.( كما زينت لهم عقولهم ) ،وهو الذي صور لهم أن الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وللذب عن دينه (وحشية وهمجية) لا تلائم روح العصر، ولا تتفق ومواثيق الأمم المتحدة، والأعراف الدولية السائدة. وهو الذي صور لهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيه تعد على حريات الناس، وتدخل في خصوصياتهم، فيجب تركه وإهماله. إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي يطالعنا بها بين الحين والآخر أناس لم يستنيروا بنور الشرع، ولم يهتدوا بهدي الله ، قال تعالى :{ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23]، وقال تعالى :{وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور: 40]. ألا فإن المصلحة فيما أمر الله به ، وبلغنا رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمفسدة فيما حرم الله ،ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) الحشر ، وقال تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (59) يونس ، وقال تعالى : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (140)البقرة ،وفي صحيح مسلم : (كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ». وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ. فَقَالَ « الْحَلاَلُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ ».
الدعاء