خطبة عن :من أخلاق المسلم :(الورع والزهد)
يونيو 16, 2018خطبة عن: من أخلاق المسلم :(جبر الخواطر)
يونيو 16, 2018الخطبة الأولى (من أخلاف المسلم : ( الوفاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ﴿ وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152]. وقال سبحانه : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) النجم 37 ،وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ قَالَ « لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ »، ويقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الاسراء 34، وروى مسلم في صحيحه : (حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى – حُسَيْلٌ – قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ : « انْصَرِفَا نَفِى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ». وفي سنن أبي داود : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ».
إخوة الإسلام
الوفاء خلق من أخلاق الإسلام الراقية، وهو صفة من صفات النفوس الأبيّة، الوفاء خلق إذا انتشر بين الناس ملأ حياتهم صفاء ونقاء، وظللهم بروح المودة والإخاء والمحبة والألفة. الوفاء ما أجمله من خلق! وما أرقها من خصلة! وما أسماها من صفة! ، فهو خلق جميل، وكنز ثمين. ومعنى الوفاء هو : (حفظ العهود والوعود، وأداء الأمانات، واعتراف بالجميل، وصيانة للمودة والمحبة ، وللوفاء أنواع عديدة، فباعتبار الموفَى به ، فهناك: الوفاء بالوعد، والوفاء بالعهد، والوفاء بالعقْد. وباعتبار الموفَى له ، فهناك: الوفاء لله، والوفاء لرسوله صلى الله عليه وسلم، والوفاء للناس ، والوفاء من صفات الله عز وجل: قال الله تعالى : ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111] ،وقال سبحانه : ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6]. والوفاء خلق وصفة من صفات المرسلين: يقول الله تعالى : ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) [النجم: 36 – 37]. وقال سبحانه : ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) مريم: 54 ، والوفاء من أخلاق وصفات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ . قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبيٍّ) . بل وقد بلغ من وفائه صلى الله عليه وسلم أنه كان وفيا مع أعدائه من الكفار : ففي العام السادس الهجري، عقد المشركون مع المسلمين صلح الحديبية، وكان من شروط الصلح أنه إذا أسلم أحد من المشركين، وذهب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- رده إلى قومه. وبعد عقد الصلح مباشرة، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو، وأعلن إسلامه، فلما رآه أبوه سهيل بن عمرو الذي كان يعقد الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه وعنفه، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ وَلَجَتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا. قَالَ: «صَدَقْتَ» وَصَاحَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَنْدَلٍ: «أبا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ صَالَحْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الْعَهْدُ، وَإِنَّا لا نَغْدِر». أخرجه الإمام أحمد والبيهقي. وفي صحيح مسلم : (حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى – حُسَيْلٌ – قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ « انْصَرِفَا نَفِى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ».
أما وفاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهم – قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ ، قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا » . فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا . فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا ، فَحَثَى لِي حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَقَالَ خُذْ مِثْلَيْهَا )، هكذا وفَى أبو بكر – رضي الله عنه – بوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بعد وفاته، وكذلك فعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مع سراقة بن مالك – رضي الله عنه -، ففي حادثة الهجرة اتبع سراقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:”عد يا سراقة ولك سوارا كسرى” وقبض النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي خلافة عمر بعد فتح المدائن جاء سوارا كسرى لعمر فنادى سراقة وألبسه إياهما وقال: هذا ما وعدك به رسول الله. إنه الوفاء لما وعد به الرسول -صلى الله عليه وسلم-. والوفاء سمة من سمات المؤمنين المتقين ، وخلق من أخلاق المقربين ولذا، فقد وصف الله عباده المؤمنين بالوفاء بقوله تعالى : ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. ويقول سبحانه : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ المؤمنون: 8 ، ومن وفاء الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاء حكيم بن حزام فقد روى البخاري في صحيحه :(أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ – رضى الله عنه – قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ لِي « يَا حَكِيمُ ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى » . قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا . فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِى قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى تُوُفِّىَ رَحِمَهُ اللَّهُ)، ومن الوفاء ، الوفاء مع الوالدين: فللوالدين فضل عظيم، وحق كبير على أبنائهم، ..فمن حقهم على الأبناء حسن الوفاء؛ بالطاعة والتواضع والإحسان. قال تعالى : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورً ﴾ [الإسراء: 23 – 25].
ومن صور الوفاء وفاء المرء مع العلماء: باحترامهم وتوقيرهم، والتواضع لهم، والدعاء لهم، والاقتداء بهم، والتعلم على أيديهم ، ومن أجمل الأمثلة للوفاء مع العلماء وفاء أبي حنيفة لشيوخه، فلقد كان يدعو لشيخه حمّاد بن أبي سليمان مع أبويه في كل صلاة يصليها، وكان يحفظ له وُدّه، ويذكره دائما ويترحّم عليه، وكان الإمام أحمد يكثر من الدعاء للشافعي، فسأله ابنه عبد الله قائلا: يا أبتِ أيّ شيء كان الشافعي؟ فإني سمعتك تكثر من الدعاء له. فقال لي: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنْهُمَا عِوَضٌ؟.ومن الوفاء ، الوفاء بين الأزواج: (بين الزوج وزوجته): فالوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر ،فوفاء الزوج لزوجته يكون باحترامها وتقديرها، والوفاء بما اشترطه على نفسه لها: فقد روى البخاري : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ » ، وانظروا إلى وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجته خديجة بعد وفاتها ، فعند البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، وَمَا رَأَيْتُهَا ، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُكْثِرُ ذِكْرَهَا ، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ . فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ ) ، أما وفاء الزوجة لزوجها فيكون بطاعته واحترامه وتقديره، والوقوف إلى جانبه في عسره ويسره، وعدم نكران فضله وجحود عطائه ، وتقف إلى جوار زوجها في كل ضيق ومصيبة، تؤنسه وتواسيه، وتثبته، وتخفي عيوبه وتستر ذنوبه، قال تعالى﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، ولا تكن الزوجة ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ ». قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ ، قَالَ: « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاف المسلم : ( الوفاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأقدم إليكم نموذجا من نماذج حسن الوفاء : فقد أتى شابَّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وكان في المجلس، وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه، قال عمر: ما هذا؟ قالا : يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا، قال: أقتلت أباهم؟ قال: نعم قتلته، قال: كيف قتلتَه؟ قال: دخل بجمله في أرضي، فزجرته فلم ينزجر، فأرسلت عليه حجرًا وقع على رأسه فمات، قال عمر: النفس بالنفس، لا بد أن تُقتل كما قتلت أباهما. قال الرجل: يا أمير المؤمنين، أسألك بالذي رفع السماء بلا عمد أن تتركني ليلة؛ لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني ثم أعود إليك، والله ليس لهم عائلٌ إلا الله ثم أنا، قال عمر: مَن يكفلك أن تذهب إلى البادية ثم تعود إليَّ؟ فسكت الناس جميعًا؛ لأنهم لا يعرفون اسمه ولا داره ولا قبيلته، فكيف يكفلونه؟ فسكت الناس وعمر مُتأثر؛ لأنه وقع في حيرة، هل يقدم فيقتل هذا الرجل وأطفاله يموتون جوعًا هناك؟ أو يتركه فيذهب بلا كفالة فيضيع دم المقتول؟ وسكت الناس ونكَّس عمر رأسه والتفت إلى الشابَّين: أتعفوان عنه؟ قالا: لا، مَن قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين، قال عمر: مَن يكفل هذا أيها الناس؟ فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته، وقال: يا أمير المؤمنين، أنا أكفله، قال عمر: هو قَتْل، قال: ولو كان قاتلاً! قال: أتعرفه؟ قال: ما أعرفه، قال: كيف تكفله؟ قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب، وسَيَفِي بعهده إن شاء الله، قال عمر: يا أبا ذر، أتظن أنه لو تأخَّر بعد ثلاث أني تاركك؟ قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين. فذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاث ليالٍ ، يُهيِّئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعده ثم يأتي ليُقْتَص منه؛ لأنه قتل، وبعد ثلاث ليالٍ لم ينسَ عمر الموعد، وفي العصر نادى في المدينة: الصلاة جامعة، فجاء الشابَّان، واجتمع الناس، وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر، قال عمر: أين الرجل؟ قال: ما أدري يا أمير المؤمنين! وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمرُّ سريعة على غير عادتها. وقبل الغروب بلحظات، إذا بالرجل يأتي، فكبَّر عمر وكبَّر المسلمون معه، فقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك. قال: يا أمير المؤمنين، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى، ها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية، وجئتُ لأُقتل، وخشيت أن يُقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس، فسأل عمر بن الخطاب أبا ذر: لماذا ضمنته؟ فقال أبو ذر: خشيت أن يُقال: لقد ذهب الخير من الناس، فوقف عمر وقال للشابَّين: ماذا تَرَيَان؟ قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه ووفائه بالعهد، وقالا: نخشى أن يُقال: لقد ذهب العفو من الناس، قال عمر: الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته.
ومن الأمور التي يجب الوفاء بها الوفاء في سداد الدين: فقد اهتمَّ الإسلام بالدَّيْن؛ لأنَّ أمره عظيم، وشأنه جسيم، وقد أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، وكان لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين حتى يُقضى عنه. وقد روى البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ » ،ومن الأمور التي يجب فيها الوفاء ، الوفاء للعامل الأجير ، بإعطاء الأجير أجره: كما في سنن ابن ماجه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ » ، وفي البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ » ، ومنها وفاء العامل بعمله: وذلك بأن يعمل العامل، ويعطي العمل حقه باستيفائه خاليًا من الغش والتدليس، ففي المعجم للطبراني (عن عائشة أن رسول الله قال : إن الله عز و جل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) ، ومن الوفاء ، الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة ، ووفاء الولاة والأمراء بالعهود والمواثيق في علاقاتهم مع الدول
أيها المسلمون
فليعلم العبد أنه سيسأل عن وفائه يوم القيامة، فقد قال عز وجل: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34] ، فماذا يكون جواب العبد إذا سئل عن وعوده وعهوده وعقوده التي أمره الله تعالى بالوفاء بها وأدائها، فقال سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾ [النحل: 91] ، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1] ، ماذا يكون جوابه وقد أخلف وعده وضيع عهده وخان أمانته؟. فليحذر العبد من إخلاف الوعد والعهد ، وليعلم أن ذلك من خصال النفاق – نعوذ بالله من النفاق – ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ». فواجب على المسلم أن يفي بما التزم به مع الآخرين من عهود ووعود وعقود في بيع أو إجارة أو عمل، أو غير ذلك من العهود المعروفة، وسواء كانت هذه العقود والعهود والوعود مبرمة بين المسلم وأخيه المسلم، أو بين المسلم وغير المسلم… فالوفاء واجب مع الجميع.
الدعاء