خطبة عن (من أخلاق الصائمين) 2
فبراير 26, 2024خطبة عن (اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ)
مارس 2, 2024الخطبة الأولى (من أخلاق الصائمين) 1
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)
إخوة الإسلام
صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]. ولا شكّ أن كلّ عبادة من العبادات، لها حكمة بالغة في إصلاح العبد في دينه ودنياه، ومن أعظم آثار العبادات تزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق والسلوك، حتى يصير المسلم من أحسن الناس أخلاقاً، وأنبلهم سلوكاً،
وللصوم آثاره في تزكية النفوس، فقد أخبرنا الله تعالى أن من حكمة الصوم بلوغ درجات المتقين، فقال سبحانه: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ولبلوغ درجات المتقين، ومنازل المقربين، فلا بد أن يتخلق المسلم بأخلاق الصائمين، والسؤال: ماهي أخلاق الصائمين؟، فأقول: من أهم أخلاق الصائمين: أن يصوم القلب والجوارح، قبل أن تصوم البطن والفرج، وصيام القلب يكون: بتفريغه من الشرك والرياء والنفاق، وأن يصوم القلب عن الاعتقادات الباطلة، والوساوس السيئة، والنوايا الخبيثة، والخطرات القبيحة، وأن يصوم القلب عن الكبر والعُجب والحسد والبغضاء، فإذا صام القلب عن ذلك كله؛ فإنه يصبح قلبًا طاهرًا، تقيا نقيا، عامرًا بحب الله، متمنيا الخير لكل المسلمين، وإلا، فكيف يصوم مَن أفطر قلبه على سيء الأخلاق والأعمال؟ وكيف يصوم من انطوى صدره على الكراهية والغش والريبة والخداع، والعداوة والبغضاء؟ وكيف يصوم من يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ويتمنى أن تزول النعم؟.
فإذا صام القلب: تفرغ لذكر الله تعالى، واشتغل بالنظر في آياته، وفي التأمُّل والتدبُّر، ويرى المسلم الدنيا على حقيقتها، فمهما عظمت فهي حقيرة، ومهما طالت فهي قصيرة. وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ». فالقلب الصائم: هو القلب المشغول بالفكر في الآخرة, والقدوم على الله عز وجل. هو القلب السالم من الأحقاد والضغائن، فلا يضمر لأحد من المسلمين غلاً ولا شراً ولا حسداً، بل يعفو ويصفح، ويغفر ويسامح, ويتحمل أذى الناس. لأنه قلب مخلص، لا يريد إلا وجه الله, ولا يطلب إلا رضى الله, ولا يلتذ بغير محبة الله، وذكره وشكره وحسن عبادته.
ومن أخلاق الصائمين: صوم الجوارح: فيصوم اللسان، وتصوم العين والأذن، وبقية الأعضاء، فصيام اللسان: يكون بالإمساك عن فضول الكلام، وعدم الخوض في الباطل، وترك المراء والخصومة، والكذب والنميمة، والفحشاء والجفاء، واللعن والسخرية. وفي البخاري ومسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ)، وفي رواية: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ». وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»
أما صوم العين: فهو عدم إطلاقها فيما حرَّم الله، قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور:30]. وفي صحيح البخاري: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ)، فالعين منفذ للقلب، وفي سنن أبي داود: (عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ «اصْرِفْ بَصَرَكَ». فلتصم عيوننا عن الحرام، كما صمنا عن الشراب والطعام،
ومن أخلاق الصائمين: صوم الأذن: ويكون بالبُعْد عن سماع الحرام، من الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان، وتصوم عن كل ما يغضب الرحمن، من الأغاني والمسلسلات والأفلام، لأننا سنحاسب على كل ما نسمعه بإرادتنا، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء:36]. وفي سنن البيهقي: (عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا قَالَ فَوَضَعَ أُصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ وَنَأَى عَنِ الطَّرِيقِ وَقَالَ لِي: يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ قَالَ فَقُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَرَفَعَ أُصْبَعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَقَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا)
ومن أخلاق الصائمين: صوم البطن: وصيام البطن يكون باجتناب الحرام، وهذا ما لم يفهمه البعض، فتراه في رمضان يصوم عن الحلال من الطعام وشراب، ولكنه منغمس في الحرام؛ فيتعامل بالربا، أو يأكل أموال اليتامى ظلماً، أو يأخذ الرشوة، أو يحتال على الناس بالسرقة، وغير ذلك من ألوان أكل الحرام. وصدق النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ» رواه البخاري،
ومن أخلاق الصائمين: صوم اليد: فلليد صوم، وهو كفّها عن البطش والقتل والسرقة الرشوة، وغير ذلك من ألوان المعاصي والذنوب. فعلى المسلم ألا يبسط يده إلا في الخير، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: فعند الطبراني: (عن أسود بن أصرم المحاربي رضي الله عنه قال: “قلت: يا رسول الله أوصني، قال: أتملك يدك؟ قلت: فما أملك إذا لم أملك يدي! قال: أتملك لسانك؟ قال: فما أملك إذا لم أملك لساني!، قال: فلا تبسط يدك إلا إلى الخير، ولا تقل بلسانك إلا معروفًا”.
ومن أخلاق الصائمين: صوم الرجل: ويكون بكفّهما عن السعي إلى الحرام: فهذه الخطوات التي نمشيها: إما إلى خير، وإما إلى شر، وكلها مسطورة ومكتوبة. وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الآيَةَ (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا». وقال جابر رضي الله عنهما: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”، فمن أراد الصوم الحقيقي فليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة، ويترك الدنيا.
أيها المسلمون
ومن أخلاق الصائمين: الصبر: فتجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة: وهي: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقداره. فالصوم صبرٌ على طاعة الله: لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها. وهو صبر عن معصية الله سبحانه: لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم. وهو صبر على أقدار الله تعالى: لأن الصائم يصيبه ألمٌ العطش والجوع والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان صوم رمضان من أعلى أنواع الصبر؛ وسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم شهر الصبر، ففي سنن النسائي: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «شَهْرُ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ». فسمي الصوم صبرًا؛ لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح”، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ فَيُشَفَّعَانِ».
ومن أخلاق الصائمين: الصدق: فإن أولى ما يُعلِّمه الصوم للصائم هو صدقه مع الله؛ إذ الصيام عملٌ سريٌّ بين العبد وربه، وبإمكان المرء أن يدعي الصيام، ثم يأكل خفيةً فيما بينه وبين نفسه. وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». فجعل الله سبحانه وتعالى الصوم له، والمعنى: أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال؛ لأنه أعظم العبادات إطلاقًا؛ فإنه سرٌّ بين العبد وربه؛ فالإنسان لا يُعلم هل هو صائمٌ أم مفطرٌ؛ إذ نيته باطنة؛ فلذلك كان أعظم إخلاصًا. والصدق يمنع صاحبه من قول الزور، وكذلك الصوم، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»
ومن أخلاق الصائمين: الكرم والجود والبذل والسخاء: فحريٌّ بالمسلم الصائم، والذي امتنع عن المباحات من المفطرات، وابتعد عن جميع المحرمات، أن يكون ديدنه الاشتغال بالطاعات، فيتحلى بخلق الكرم والبذل والعطاء، ومن ذلك تفطير الصائمين. ففي سنن الترمذي: (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا »، فينبغي للصائم أن يحرص على تفطير الصائمين بقدر المستطاع، لاسيما إذا كان الصائم فقيرًا محتاجًا، أو عاجزًا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق الصائمين) 1
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أخلاق الصائمين: العفة: فالصائم يتربى بالصيام على العفاف، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، كما في الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». فبين صلى الله عليه وسلم أن الصوم وقايةٌ للصائم، ووسيلةٌ لعفته؛ وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ والصوم يضيق تلك المجاري؛ ويذكِّر بالله العظيم؛ فيضعف سلطان الشيطان؛ ويقوى سلطان الإيمان.
ومن أخلاق الصائمين: الحلم وكظم الغيظ والعفو والصفح: فينبغي للصائم إن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله، أن يقول له جهرًا: (إني صائم)، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ».
ومن أخلاق الصائمين: سلامة الصدر: ففي سنن النسائي وغيره: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ». ووَحَرَ الصدر: أي غشه، أو حقده، أو غيظه، أو نفاقه، بحيث لا يبقى فيه رين، أو العداوة، أو أشد الغضب.
ومن أخلاق الصائمين: العزم وقوة الإرادة: فالصوم يربي في الصائم قوة الإرادة، النابعة من إيمانه بالله تعالى، وإرادة امتثال أمره بالصوم؛ ابتغاء مرضاة الله؛ وطمعًا في نيل ثوابه الأخروي. فالصيام يدرِّب الصائم على ضبط النفس، والسيطرة عليها، والإمساك بزمامها، حتى تنقاد -بإذن الله- إلى ما فيه خيرها وسعادتها، فالنفس أمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا أطلق المرء لنفسه عنانها، أوقعته في المهالك، وإذا ملك أمرها، وسيطر عليها، تمكن من قيادتها إلى أعلى المراتب، وأسنى المطالب، وهذا لا يتحقق إلا لمن صام صومًا شرعيًّا، منتظرًا الثواب منه سبحانه. والصائم الذي أرغم نفسه وحملها على أن تجتنب ما هو مباحٌ لها في الأصل، وسيطر على شهوات جسده، لقادرٌ بإذن الله على أن يجتنب ما حرم عليه من باب أولى في جميع أوقات العمر.
ومن أخلاق الصائمين: السكينة: فيُعَدُّ الصوم في حقيقته طريقًا للخلاص من القلق النفسي، والشعور بالسعادة الروحية. فمن الدواعي التي تجعل الصوم باعثًا للسكينة في قلب الصائم: تكفيره للذنوب والخطايا التي تورث قسوة القلب، وقلق الفؤاد، والاضطراب النفسي. ونستكمل الحديث عن أخلاق الصائمين في لقاء قادم -إن شاء الله تعالى-.
الدعاء