خطبة حول استقبال المسلمين لشهر رمضان (مرحبا شهر رمضان مرحبا)
فبراير 25, 2024خطبة عن (من أخلاق الصائمين) 1
فبراير 26, 2024الخطبة الأولى (من أخلاق الصائمين) 2
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)
إخوة الإسلام
للصوم آثاره في تزكية النفوس، فقد أخبرنا الله تعالى أن من حكمة الصوم بلوغ درجات المتقين، فقال سبحانه: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ولبلوغ درجات المتقين، ومنازل المقربين، فلا بد أن يتخلق المسلم بأخلاق الصائمين، ونستكمل اليوم -إن شاء الله تعالى- حديثنا عن أخلاق الصائمين: فمن أخلاق الصائمين: ترك الغيبة والكذب والبذاءة والفحش: فالصائم الحق يتأثر سلوكه بالصيام في تعامله مع الآخرين، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»،
ومن أخلاق الصائمين: تقوية خلق المراقبة: فالصيام يكسب صاحبه خلق المراقبة لله تعالى، فهو يستطيع أن يأكل ويشرب، ولكنه لا يفعل ذلك طاعة لله تعالى، ولذلك فالصيام لا يدخله الرياء، وإذا صحت المراقبة لله تعالى، فسيصلح بصلاحها الشيء الكثير، وسينعكس ذلك على سلوك المسلم، وسيتضح ذلك في أخلاقه، وإذا راقب الإنسان الله في عباداته ومعاملاته، وأخذه وعطائه، وعلم أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، كان من المتقين.
ومن أخلاق الصائمين: تقوية الارتباط بالجماعة: فالصيام يقوي في نفس المسلم الارتباط بالجماعة، ويرسخ في نفسه معنى الاتحاد والتناصر؛ فالمسلمون يصومون جميعا عند رؤية الهلال، ويفطرون عن رؤيته، ويمسكون عند أذان الفجر، ويفطرون عند أذان المغرب، ولسان حالهم يردد قول الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92).
ومن أخلاق الصائم: تنمية احترام الوقت: فالصيام يعود المسلمين على احترام الوقت والنظام، فتأخير الإفطار بعد الأذان بفترة طويلة مكروه، والإفطار قبل المغرب يبطل الصيام، كما أن تأخير السحور من السنة، ولكن إذا أكل أو شرب الصائم بعد الأذان ولو بوقت يسير فصيامه باطل، فللوقت أهميته، والناس يفطرون في وقت واحد، ويمسكون في وقت واحد.
ومن أخلاق الصائمين: الالتفاف حول القرآن في شهر القرآن، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة:185). وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1). فلا عجب أن يهتم الناس بأحكام الصيام، ويلتفون طوال شهر رمضان حول حلق القرآن، وأن ترتفع أصواتهم به في كل مكان، ولا عجب أن يطيلوا القيام به في الليل،
ومن أخلاق الصائمين: كثرة الدعاء: ففي شهر رمضان يكون الدعاء مستجابا بإذن الله، وللصائم دعوة مقبولة، فليدع بالخير لنفسه وأهله وإخوانه، وليدع بالنصر لهذه الأمة المنكوبة المكلومة، عسى الله أن يقيلها من عثرتها، ويبدل ذلها عزا، وخوفها أمنا، وأن يوحد كلمتها، ويهيئ لها من أمرها رشدا، ولا عجب أن يختم الله آيات الصيام بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186).
ومن أخلاق الصائمين: إحياء سنة الاعتكاف: فيسن الاعتكاف، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، حيث يترك الناس الدنيا وزخرفها ولهوها وزينتها، وينقطعون للعبادة والذكر والقيام والقرآن، وفي هذه الخلوة تتسامى أرواحهم، وتصفو نفسهم، وتعلو هممهم، ويستمدون الطاقة من الله حتى يستعينوا بهذا الخير، وبهذا الزاد، طوال عامهم، وبهذا تتحقق التقوى في أتم صورها.
ومن أخلاق الصائم: الوقاية من الآثام: فالصيام جنة (أي وقاية)، ومن أحكام الصيام أنه يقي من الآثام، ويهذب النفس، ويسمو بالروح، والخلق، ويتعلم المسلم أنه ما خلق ليأكل ويشرب، ولكنه خلق لغاية أسمى، وهدف أعلى، وهو عبادة الله تعالى وتقواه، بإتيان ما أمر ،واجتناب ما نهى عنه وزجر.
ومن أخلاق الصائمين: لزوم المساجد, والمرابطة فيها: فهي من أعظم الأمور التي يتعلمها الصائم، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».
ومن أخلاق الصائمين: التواضع والإيثار: فقد سئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع، فلا ينسى الجائع، وكان كثير من السلف يؤثرون بإفطارهم المحتاجين. وكان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين, واشتهى بعض الصالحين طعاما وكان صائما، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلا يقول: من يقرض الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاوياً. وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائما.
ومن أخلاق الصائمين: صلة الأرحام: وهي عبادة تكثر عند المسلمين في شهر رمضان، ويكثر بينهم الدعوات على الإفطار والزيارات، فلا يصح من المسلم أن يكون صائماً وقائماً، وفي نفس الوقت قاطعاً للرحم، وقد عد الله -تعالى- قاطع الرحم من المفسدين في الأرض قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ محمد (22)، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من قطيعة الرحم، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْى وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»
ومن أخلاق الصائمين: عدم الإسراف: ويكون الإسراف بكثرة أصناف الطعام مع عدم الحاجة إليها، فينبغي على المسلم عدم الإسراف في المأكل والملبس، فالجوع في رمضان لا يبرر كثرة الإنفاق والتبذير، فالإسراف والتبذير يخرج رمضان من شهر للعبادة إلى شهر للإنفاق على الملذات، لا أن يكون شهرا للطاعات.
ومن أخلاق الصائم: تفقد المحتاجين: ففي شهر رمضان تكثر النفقات، في المأكل والمشرب، وفي نفقات العيد، وقد أوجب الإسلام على المسلم أن يتفقد إخوانه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة (2]، وفي مسند أحمد: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- «.. وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى»، فرمضان فرصة لتعاون المجتمع الإسلامي، ليكون المسلمون كالجسد الواحد في تفقد المحتاجين، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
ومن أخلاق الصائمين: إكرام الضيوف: فرمضان مناسب للتزاور بين الصائمين، لذا على المسلم أن يقوم بإكرام ضيوفه، خاصة الصائمين منهم، بما يقدر عليه، وألا يبالغ في الضيافة، ففي الصحيحين: (يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).
ومن أخلاق الصائمين: حمد الله وشكره: فالصائم الذي بلغه الله رمضان، وهبه نعمة المال، والطعام والشراب والنكاح، وقد حُرِمَها الكثير منها، فعليه أن يحمد الله على هذه النعم.
ومن أخلاق الصائم: اتقان العمل: فمِنَ الأخلاقِ الَّتِي ينبغِي أنْ تظهرَ بكلِّ جلاءٍ ووضوحٍ علَى الصَّائمِ الإتقانُ فِي العملِ معَ الصِّدْقِ والأمانةِ، فالصَّيامُ يربِّي المسلمَ علَى القيامِ بالعملِ بكلِّ همَّةٍ وعزيمةٍ وإتقانٍ، لأنَّهُ يستشعرُ مراقبةَ اللهِ عزَّ وجلَّ فِي سائرِ تصرفاتِهِ، واللهُ تعالَى يحبُّ الإتقانَ في العملِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه أبو يعلى والطبراني وصححه الألباني
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق الصائمين) 2
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فشهر رمضان هبة مِنَ الله، لمن أدركه مِنْ المؤمنين، ولمن وفقه فيه لطاعته، ولمن أعانه لعبادته وتقبل منه قرباته. ورمضان عطاء رباني، يغمر حياة المسلمين، ويهتف بهم هلموا إلى رب كريم، لا يشقى من في رحابه، ولا خيب من لاذ بجنابه. رمضان شهر تسمو فيه النفوس، وتصفوا فيه القلوب، وترقى فيه الأرواح، وتهذب فيه الأخلاق. وهو شهر تقال فيه العثرات، وتكفر فيه السيئات، وتكثر فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتبذل فيه الصدقات وتتلى فيه الآيات، وتتغير فيه العادات، وتنزجر فيه النفوس عن خواطر السوء والمعاصي والمخالفات، وتسعى فيه الجوارح لشكر عالم الخفيات، ورب الأرض والسموات.
رمضان شهر يتنزل فيه العطاء، ويتحقق فيه الرجاء، ويُرفع فيه الدعاء، وتُفتح فيه أبواب السماء، وهو شهر عظيم الهبات، كريم النفحات. ومنْ أرادَ أن يمضِيَ رمضانُ، وقدْ غَفرَ اللهُ لهُ ذنوبَهُ، وكفَّرَ عنْهُ سيِّئاتِهِ، فحرِيٌّ بهِ أنْ يتخلَّقَ بأخلاقِ الصَّائمينَ، وبذلك يصلح صومه، ويَثْبُت أجره، ويعكسَ الصورة الحقيقية للدين الإسلامي، وسئل بعض العلماء عن علامات حسن الخلق في رمضان فقال: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقوراً صبوراً، شكوراً رضياً حكيماً، رفيقاً عفيفاً شفيقاً، لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حقوداً، ولا بخيلاً ولا حسوداً، بشاشاً هشاشاً، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق. فينبغي أن نربي أنفسنا على الأخلاق الفاضلة، ونجعلها سلوكا نتعامل بها في واقع الحياة، قبل أن يأتي يوم لا ينتفع الصائم بصومه، ولا المصلي بصلاته، ولا المزكي بزكاته. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟! قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ” (رواه مسلم) ، فالصوم مدرسة أخلاقية كبرى، ومن علامة قبول العبادة أن يظهر أثرها في سلوك الإنسان، وفى أخلاقه وتصرفاته، وفي سره وعلانيته، وعمله وإنتاجه، وبيعه وشرائه، وسائر معاملاته.
الدعاء