خطبة عن الصحابي: (حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ)
أبريل 21, 2018خطبة عن (تسوية الصفوف في الصلاة)
أبريل 28, 2018الخطبة الأولى (من أخلاق المسلم 🙁 التغافل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199) الأعراف ، وقال تعالى : (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) [يوسف: 77]. روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما 🙁عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ».
إخوة الإسلام
لا يخلو شخص من نقص، ومن المستحيل أن يجد أحدنا كل ما يريده في الطرف الآخر كاملاً.. كما أنه لا يكاد يمر وقت دون أن يشعر أحدنا بالضيق من تصرف عمله الآخر ،ولهذا فعلى كل واحد منا أن يتقبل الطرف الآخر ، وأن يتغاضى عما لا يعجبه فيه من صفات، أو طبائع، وهذا هو ما يطلق عليه : (خلق التغافل) : فخلق التغافل من أحسن الأخلاق ،وبهذا الخلق الكريم النبيل تبقى العلاقات ،وتنمو المحبات وتزدهر، والتغافل هو: تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور، فالمتغافل يعلم عن هذا الخطأ ويستطيع المعاقبة المخطئ ولكنه يتغافل عن ذلك ليبقى حبل المودة. قال الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الخلق العظيم: “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”. وقال عنه سيد التابعين الحسن البصري ت: “ما زال التغافل من فعل الكرام”. قال ابن المبارك: المؤمن يطلبُ المعاذير، والمنافق يطلب الزلات. ويقول الحسن البصري رحمه الله:” ما زال التغافل من فعل الكرام ” ومن التغافل أيضا إعراضك عن أمر صدر من عدو أو صديق وأنت تتيقن غرضه السيء منه ، وتقابله بالتحلم أو التسامح في التعامل معه . فالمتغافل يتعمد الغفلة عن أخطاء وعيوب مَن حوله، مع أنه مدركٌ لها، عالمٌ بها؛ لكنه يتغافل عنها كأنه لم يعلم بها؛ لكرم خلقه. فالتغافل أدب عظيم، وخلق شريف تأدب به الحكماء ونوَّهَ بفضله العلماء ، فيجب على صاحب المروءة أن يتغافل ، وأن ويتجاوز عن أهله وأصحابه و موظفيه، وإن هم قصروا بشيء ما ، فلا يستقصي مكامن تقصيرهم فيبرزها لهم ليلومهم ويحاججهم عليها ، ولا يذكرهم بحقوقه الواجبة عليهم تجاهه عند كل زلة 0وإنما يتغافل عن اليسير وهو يعلمه .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة ، ففي قوله تعالى : {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } [ التحريم:3 ] ، قال المفسرون : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ببعض ما أخبرت به عائشة معاتباً لها، ولم يخبرها بجميع ما حصل منها حياءً منه وكرماً، فإِن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات، والتقصير في اللوم والعتاب. وقال الحسن : “ما استقصى كريم قط ، قال الله تعالى : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ) تفسير القرطبي ،وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان التغافل من شيمته وأخلاقه ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يتغافل عمن أصاب ذنبا أو حدا ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ . فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ، دَعَاهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « أَبِكَ جُنُونٌ » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَهَلْ أَحْصَنْتَ » . قَالَ نَعَمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ » ( رواه البخاري ) ،وفي روايةٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لمَّا أتيَ ماعز ابن مالك إلي النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ” لعلك قبَّلتَ أو غمزتَ أو نظرتَ ؟ ” قال : لا يا رسول الله . ( رواه البخاري )،وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ أَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَمَرَ بِرَجْمِهِ فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ – قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَالَ مَرَّةً فَلَمَّا عَضَّتْهُ الْحِجَارَةُ – أَجْزَعَ فَخَرَجَ يَشْتَدُّ وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ أَوْ أَنَسُ بْنُ نَادِيَةَ فَرَمَاهُ بِوَظِيفِ حِمَارٍ فَصَرَعَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَحَدَّثَهُ بِأَمْرِهِ فَقَالَ « هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ». ثُمَّ قَالَ « يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْراً لَكَ ».
أيها المسلمون
والتغافل دليل قوي على حسن خلق صاحبه، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-: “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”. وليس التغافل عن الزلات دليلا على غباء صاحبه أو سذاجته؛ بل هو العقل والحكمة، كما قال معاوية – رضي الله عنه : “العقلُ مكيالٌ، ثلثه الفطنة، وثلثاه التغافل”.وقال الشافعي – رحمه الله-: “الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل”. ففَرْقٌ بين أن تقصد الغفلة ،وبين الغباء، فالأول محمود، والثاني مذموم ، وكما قال القائل :
ليس الغبيُّ بسيِّدٍ في قَوْمِهِ *** لكِنَّ سيِّدَ قومِهِ الْمُتَغَابِي
أيها المسلمون
ومن أعظم فوائد التغافل أنه يكسب صاحبه راحة في نفسه؛ ولقد أعطانا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- مثالاً عظيما على ذلك، كما في البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن المشركين كانوا يسبون النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: “ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مُذَمَّمَاً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد!”. مع أنه يعلم -عليه الصلاة والسلام- أنهم إنما قصدوه؛ ولكن، كما قال القائل: ولقد أمُرُّ على السفيهِ يَسُبُّنِي *** فَمَضَيْتُ ثُمَّةَ قُلْتُ لا يعنيني!
فأما الذي يقف عند كل كلمة، ويرد على كل خطإ، ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فهو أكثر الناس شقاء، وأشدهم نكداً، كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “مَن لم يتغافل تنغصت عيشته”.فكم من مشاكل وقعت في المجتمع كان سببها عدم التغافل! وكم وقع بين الزوجين أو بين الأقارب والأصحاب من مشاكل كان سببها تقصي بعضهم على بعض وتتبع الأخطاء والبحث عن المقاصد! ولو أنهم رزقوا التغافل لزال عنهم شر كثير، كما قال الأعمش -رحمه الله-: “التغافل يطفئ شراً كثيراً”.فكم نحن بحاجة إلى التغافل في حياتنا اليومية! فالكثير من الخلافات والمشاكل التي تقع بين الزوجين سببها أن الزوج يعاتب زوجته على كل خطأ ،والزوجة كذلك تتتبع زلات زوجها وتتصيد عليه الهفوات، وهكذا ، فكثير من حالات الطلاق كان سببها عدم التغافل ، ولو أن كلّاً منهم تغافل عن زلات صاحبه، أو غض طرفه عن هفواته، لاستدامت لهم العشرة، وبقيت بينهم المودة؛ لكنهم حين فقدوا التغافل حصل ما حصل.فكم نحن بحاجة إلى التغافل مع أولادنا وغض الطرف عن أخطائهم! خصوصاً ما يقع منهم عفويا ولم يكن متكرراً.ولنعلم أنه ليس من الحكمة أن نشعر أولادنا أننا نعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة، وليس من العقل أن نحاسبهم على كل دقيق وجليل؛ لأن ذلك يكون سبباً في تحطيم شخصياتهم واكتسابهم عادات سيئة كالعناد والكذب. بل إن ذلك سبب لزوال هيبة الأب من قلوب أولاده، وفقد محبتهم له؛ ولو أنه تغافل عن بعض زلاتهم ،وتجاوز عن كثير من أخطائهم ،لسلم من ذلك كله. وكم نحتاج للتغافل مع أصحابنا فلا نحاسبهم على كل كلمة خرجت منهم، ولا نحصي عليهم كل فعل صدر عنهم؛ لأننا إن فعلنا ذلك فقدنا محبتهم وزالت عنا أخوتهم، وقد قيل: “تناسَ مساوئ الإخوان تستدم ودّهم”. وهذا قدوتنا ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا هذا الأدب العظيم فقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ». فلم يكن -عليه الصلاة والسلام- يتتبع زلات أصحابه أو يبحث عن أخطائهم؛ بل كان ينهى عن التجسس وعن تتبع العورات وتفسير المقاصد، ولم يرض أن يخبره أحد عن أحد شيئا؛ حتى يبقى صدره سليماً محباً لهم جميعاً. فالذي يتغافل عن الزلات يعيش محباً لمن حوله، محبوباً منهم، سليم الصدر من الأحقاد والأضغان؛ ولهذا كانت العافية كلها في التغافل. قيل للإمام أحمد –رحمه الله-: “العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل”. فقال: “العافية عشرة أجزاء، كلها في التغافل”. ومن طبيعة الناس أنهم جبلوا على محبة من يغض الطرف عن هفواتهم، كما قيل:
أُحِبُّ مِن الإخوانِ كُلَّ مواتي *** وكُلّ غضيض الطَّرْفِ عن هَفَوَاتي
وأعظم التغافل -أيها الأحبة- أن يتغافل الإنسان عما لا يعنيه، كما قال بعض الحكماء: “لا يكون المرء عاقلاً حتى يكون عما لا يعنيه غافلاً”. وفي الحديث كما في سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ».
أيها المسلمون
ويجب أن نعلم أن الحديث عن التغافل والحث عليه لا يعني ترك النصيحة والتنبيه على المخالفات الشرعية، فهذه لها شأن آخر ليس هذا مجال الحديث عنها، وقد جاء في صحيح مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». وأيضا التغاُفل لا يكون مع الجميع .. بل إنَّه مع المُنضبطين الفاعلين .. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الصحابي الجليل حاطب ابن أبي بلتعة والذي شهد موقعة بدر الكبرى، والذي أبلغ قريشا بعزم الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة مُتأوِّلا الإضرار من ذلك ،فأراد عمر بن الخطاب – رضي الله عن الجميع – أن يضرب عنقه بتهمة الخيانة العظمي ، كما في الصحيحين :(قَالَ فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، دَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ . قَالَ « أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ » . فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ) ،قال القرطبي : وهذا الخطاب قد تضمَّن أنَّ هؤلاء قد حصلت لهم حالة ٌغفِرَت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن تُغفرَ لهم ذنوبهم اللاحقة إن وقعت منهم ، وما أحسن قول بعضهم : وإذا الحبيب أتيَ بذنب ٍواحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيع ٍ
وهذا هو ما يُفهَم أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم مؤكدا هذا : فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَقِيلُوا ذَوِى الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلاَّ الْحُدُودَ ». رواه أحمد وأبو داود وغيرها ، لكن ، ورغم ذلك ، إذا كان الخطأ فادحا ومؤثرا ، حتي ولو كان من مُنضبط ٍفعَّال ، فإنه يحتاج إلي تقييم ٍللموقف ، فقد يُتغافَل ويُعْفيَ عنه أيضا لعظيم فضله السابق والذي لا يكاد يُظهر معه أيَّ خطأ ٍحتي ولو كان هائلا ، أو قد يُلامُ لوما خفيفا ، أو حتي قد يُعاقب إذا وصل الأمر مثلا لمرحلة الحدود ورَدّ الحقوق ، علي حسب تقدير مَنْ ينظر في الأمر ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا لأبي ذرّ ٍ الغفاريّ حينما خالف ُخلقا إسلاميا أصيلا لمَّا عَيَّر بلالا رضي الله عنهما بأنه ابن السوداء ففي الصحيحين (عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ » . فعادَ رضي الله عنه مُسرعا وأناب وطلب صفح مَن أساء إليه وعَوَّضه واستمرّ بعدها متمسكا بخلق التواضع
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق المسلم 🙁 التغافل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والتغافل لا يكون أبدا ًمع المُنفلتين المُلتوين المُفسدين المُصِرِّين المُستمرِّين علي ذلك ! وإلا زادهم بكل تأكيد انفلاتا والتواء ًوفسادا ! بل وشجَّعَ غيرهم علي الانفلات والالتواء والفساد أيضا ! حينما يرونه ثقافة مُنتشرة ، ظانّين أنها مصدر راحة وسعادة ! رغم أنَّ التسيّب والتراخي هما أصل كل تراجُع ٍوتخلف ٍ! وبالتالي سيكونا سببا لكل قلق ٍوتعاسة ،يقول الإمام القاري ( وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلي مَنْ لم يَعْتد ِالزنا ولم يتهتَّك به ، أمَّا إذا وصل الحال إلي إشاعته والتهتك به بل بعضهم ربما افتخر به ، فيجب كون الشهادة به أوْليَ من تركها ، لأنَّ مطلوب الشارع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش ، بالخطابات المفيدة لذلك ، وذلك يتحقق بالتوبة ، فإذا ظهر الشرَه .. وعدم المبالاة … فيجب تحقق السبب الآخر للإخلاء وهو الحدود ، بخلاف مَنْ زَلَّ مرة أو مرارا مُسْتتِرا مُتخوِّفا مُتندِّما عليه فإنه محلّ استحباب ستر الشاهِد .. نعم، إنه التغافُل من باب القوة لا الضعف، والحِلم لا العَجز، والصبر لا الخَوَر؛ لأن اتِّساع الأذن لكل مسموع، واتِّساع العين لكل مرئيٍّ كفيلان في تكدير الصفو، وتفريق المُجتمع، والمؤمنَ كيِّسٌ فطِن، نصَّاحٌ لمَّاح، يميزُ بين الغباء والتغابِي، والغفلةِ والتغافُل؛ فالتغافُل رفعةٌ، والغفلةُ دونٌ. ومن هنا وقعَ كثيرٌ من الناس في الخطأ باستِعمال مِعيار التغافُل، فتغافَلوا عن الحسن وأظهروا القبيح، وقد صحَّ عن أبي سلَمة قولُه: “لم يكُن أصحابُ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – مُنحرِفين ولا مُتماوِتين، وكانوا يتناشَدون الشِّعر في مجالسهم، ويذكرون أمرَ جاهليَّتهم، فإذا أُريدَ أحدٌ منهم على شيءٍ من أمر الله دارَت حماليقُ عينيه”؛ رواه البخاري في “الأدب المفرد”.
أيها المسلمون
ومن مواقف السلف السابقين في التغافل ، قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم … ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته. وقال ابن الأثير متحدثًا عن صلاح الدين الأيوبي:‘وكان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه. وبلغني أنه كان جالسًا وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز يعني ـ بنعل ـ فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه؛ ليتغافل عنها’.
الدعاء